مؤتمر القمة العربية القادم..ومهمته الوجودية
كتب علي محمد فخرو, في “الشروق” :
لا شىء يثير الحيرة والاستغراب فى النفس أكثر من أصوات المطّبلين وهم ينادون بضرورة العمل من أجل السلام. السلام؟! السلام أولا مع من؟ مع الصهيونية العالمية التى، فى غفلة من الزمن، ومن خلال بعض دول الغرب الاستعمارية، حشدت ملايين الأغراب وجاءت بهم ليستولوا على أرض فلسطين العربية المسلمة المسيحية ولتشرّد أهلها الذين عاشوا فيها عبر القرون؟
مع القوى الصهيونية التى أعطتها هيئة الأمم المتحدة، زورا وبهتانا وبدون وجه حق لها، خمسين فى المائة من أرض فلسطين، لكنها شيئا فشيئا وبمساعدة دنيئة من قبل الأصولية المسيحية الصهيونية الأمريكية، استولت على خمس وثمانين من أرض فلسطين التاريخية، وهى تخطط للاستيلاء على الباقى لتعلن فلسطين أرضا يهودية لا يحق أن يعيش فيها الشعب الفلسطينى مسلميه أو مسيحييه؟ أم مع القوى الصهيونية التى لا يزال قادتها ينادون بأرض «إسرائيل الكبرى»، الممتدة من النيل إلى الفرات، ويصرحون ليلا نهارا بأنهم لن يقبلوا بأقل من أن يكونوا سادة منطقة الشرق الأوسط؟
وإذا تعاملنا مع الأوضاع الكارثية فى السودان، فعن أى سلام نتحدث؟ أهو سلام الجيش الوطنى الشرعى، وقوة الاستقرار والسلام والتنمية لشعب السودان، مسنودا من الأكثرية السّاحقة من قوى المجتمع المدنى الحزبية والعرقية والأهلية، فى حربه ضدّ خليط من الميليشيات الإفريقية المرتزقة غير العربية المدعومة والمدفوعة الأجر من بعض دول الغرب الاستعمارية الطامعة فى ثروات السودان، ومن الكيان الصهيونى الطامع فى تجزئة السودان إلى نتف من القبائل المتصارعة، وإلى بلد ناكر لهويته العروبية والإسلامية؟ والنتيجة هى ليست إضعاف السودان فقط وإنما إضعاف مصر الأخت الكبرى المرتبطة ارتباطا وجوديا وتاريخيا وحضاريا وأمنا مائيا بالسودان الشقيق.
الأمر نفسه ينطبق على مآسى وكوارث ليبيا وسوريا واليمن ولبنان والعراق، بل وبعض دول الخليج العربى الذى يواجه الأطماع والابتزاز والاستباحة والصراعات المذهبية والهجمة الجنسية غير العربية وغير المسلمة المتعاظمة.
نعاود طرح تلك الملاحظات وتلك الأسئلة وذلك بمناسبة انعقاد مؤتمر القمة العربى بعد حوالى أسبوع. فهل سيواجه المؤتمر تلك الأسئلة وتلك الأوضاع بروح المسئولية القومية التعاضدية الجادة المشتركة، أم أنه سيظل يعاود الدوران غير الفاعل حول تلك الأوضاع، ويكتفى بجمل العلاقات العامة التى لا تغيرّ أوضاع هذه الأمة الكارثية، ويسمح لنفسه مرة أخرى بأن يستلم بعضه توجيهات أمريكية، وبالتالى صهيونية، بشأن الخطوط الحمر وبشأن ما هو مسموح وما هو مرفوض من قبل واشنطن ومن تخدمهم واشنطن؟
نحن نقول للمؤتمر، بكل احترام وتقدير، أن يدرك بأن الشارع العربى ما عاد يستطيع تحمّل رؤية كوارث تدمير مدنه وقراه وموت أطفاله ونسائه ورجاله تحت الأنقاض والتدمير المجنون، ونناشد المؤتمر أن لا يوصل ذلك الشارع إلى الحالة الشمشونية وتدمير المعبد عليه وعلى كل من يتفرّجون على عذاباته ومحنه.
إننا نعتقد بأنه سيكون من الخطأ أن يرفع هذا المؤتمر رايات السلام قبل أن يحارب وينكّس رايات الشر الكثيرة التى تحملها بعض أيادى الخارج والداخل. إن مدّ يد السلام يجب أن يسبقها دحر شياطين الإنس فى الكثير من الأقطار العربية والذين يتوالدون ويتعاظمون بشكل لم تعرفه هذه الأمة طيلة تاريخها.
إن مهمّتهم تاريخية، بل ووجودية، فهل نأمل أن تناقش فى مؤتمرهم تلك المهمة ويصار إلى تفعيلها؟