رأي

ليبيا.. بوابة فاغنر لتعزيز نفوذ الدب الروسي في أفريقيا

كتبت كُل من جنيفر هولايس وماريا كاتامادزه, في “DW” :

تسعى روسيا إلى توسيع نفوذها في إفريقيا انطلاقا من ليبيا تحت قيادة لجنرال أندريه أفريانوف الذي تولى زمام الأمور في مجموعة فاغنر، فما تداعيات ذلك على الازمات السياسية والأمنية التي تعصف بالبلاد؟

باتت ليبيا عرضة للنفوذ الأجنبي مع استمرار القتال والتناحر السياسي وغياب الديمقراطية والجمود الذي يعتري البلاد منذ انتفاضة عام 2011، وهو الأمر الذي فتح المجال أمام مجموعة فاغنرالروسية لتجد موطئ قدم هناك منذ عام 2018. في هذا السياق، جاء في تقرير صدر مؤخرا عن المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز أبحاث مقره لندن، إن روسيا تسعى بشكل متزايد إلى تحقيق هدفها الطموح في إنشاء ما يُسمى “الوفاق الاستعماري الروسي” الذي يبنغي أن تنضوي تحت لوائه الدول التي تسعى إلى مساعدة موسكو في الشرق الأوسط وأفريقيا.

ويبدو أن روسيا تضع نصب أعينها  ليبيا في ضوء الأزمات السياسية والعسكرية التي تعصف بالبلاد منذ انتفاضة عام 2011 التي أطاحت بنظام معمر القذافي من الحكم. ومنذ 2014، جرى تقسيم ليبيا إلى إدارتين إذ يخضع غرب البلاد لحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة المعترف بها دوليا برئاسة عبد الحميد محمد الدبيبة في حين تمارس حكومة أخرى نشاطها في شرق البلاد برئاسة أسامة حمد وهي مدعومة من مجلس النواب في طبرق. وتحظى الحكومتان بدعم من ميليشيات محلية وقوى إقليمية وأخرى دولية.

تتمتع ليبيا بموقع استراتيجي هام على البحر المتوسط فضلا عن امتلاكها احتياطيات نفطية من بين الأكبر في القارة السمراء واحتياطيات وفيرة من الذهب. وعسكريا، ينشط مئات من المرتزقة التابعين لمجموعة “فاغنر” العسكرية الروسية في ليبيا منذ عام 2018.

وفي مقابلة مع DW، قال تيم إيتون الزميل الباحث في المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية “تشاتام هاوس”، إن أهداف فاغنر في ليبيا “تتمثل بشكل أساسي في الحصول على عائدات النفط بشكل غير مباشر من خلال دعم القوات المسلحة العربية الليبية التابعة لحفتر، غير أنها وسعت أهدافها لتشمل ضمان قدرتها على الوصول إلى مناطق أخرى في القارة الأفريقية”. وأضاف “يمكن القول إن ليبيا (بالنسبة لفاغنر) ليس سوى مقدمة الجسر (الروسي صوب أفريقيا)”.

“الأمن مقابل الموارد”

تأسست   مجموعة فاغنر  في عام 2014 وظلت لسنوات تحت قيادة المليونير الروسي يفغيني بريغوجين. وكان الأخير يتمتع بعلاقات قوية مع الرئيس الروسي  فلاديمير بوتين  قبل قيامه بحملة تمرد ضد الكرملين أواسط العام الماضي ليلقى حتفه بعد شهرين من تلك المحاولة في حادث تحطم مروحية. ومنذ ذلك، جرى إسناد مجموعة فاغنر إلى المخابرات العسكرية الروسية فيما تولى قيادتها الجنرال أندريه أفريانوف، رئيس “الوحدة 29155” التي يشتبه في تورطها بتنفيذ سلسلة اغتيالات ومحاولات زعزعة استقرار دول أوروبية.

وفي  ليبيا، جرى تشكيل قوة عسكرية رسمية باسم “الفيلق الأفريقي”، لتحل مكان مرتزقة فاغنر. وفي مقابلة مع DW، قالت هاجر علي، الباحثة في المعهد الألماني للدراسات العالمية والمناطقية، إنه من خلال “استبدال بريغوجين بشخص أقرب إلى النظام، فقد أصبح نشاط مجموعة فاغنر مرتبطا بشكل أكثر وضوحا مع موسكو”.

وأضافت أن الكرملين كان يمتلك في الماضي المبرر لإنكار أي ارتباط بأنشطة فاعنر، غير أن تولي أفيريانوف قيادة المجموعة يجعل ذلك صعبا، لأنها باتت الآن في الحقيقة امتدادا مباشرا لمصالح روسيا في أفريقيا والشرق الأوسط”.

لكن رسلان سليمانوف، الخبير الروسي المستقل في  شؤون الشرق الأوسط  والمقيم في باكو، يرى أن قيادة فاغنر الجديدة لا تحظى بمباركة كافة عناصرها، مضيفا “حتى اليوم، هناك مفاوضات صعبة مع بعض مقاتلي فاغنر السابقين لدفعهم إلى توقيع عقود مع وزارة الدفاع الروسية”.

وأفاد تقرير المعهد الملكي للخدمات المتحدة أن حفتر كان من أوائل الأشخاص الذين التقى بهم أفيريانوف عقب توليه منصبه الجديد في سبتمبر / أيلول الماضي حيث أكد كلاهما على التزامهما بتنفيذ اتفاق ما يُعرف بـ “الأمن مقابل الوصول إلى الموارد”.

ويواصل مقاتلو فاغنر دعم حفتر فيما يُسمح لهم باستخدام البلاد لنقل السلاح وتهريب المخدرات فضلا عن إدارة ثلاث قواعد جوية والسماح لهم باستخدامها لنقل كميات الذهب المستخرجة من المناطق الليبية الخاضعة لسيطرة فاغنر إلى  روسياالتي تخضع لعقوبات غربية شديدة القسوة بسبب غزوها العسكري لأوكرانيا في فبراير / شباط عام 2022.

وذكر تحليل أجرته الباحثة هاجر  أن “فاغنر تنقل صواريخ “أرض جو” وذخائر ووقود وشحنات أخرى من ليبيا إلى قوات الدعم السريع السودانية التي تخوض قتالا ضد الجيش السوداني”. يُشار إلى أن الاتحاد الأوروبي قد فرض أواخر عام 2021 عقوبات على  مجموعة فاغنر  بسبب مسؤوليتها “عن انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في أوكرانيا وسوريا وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى والسودان وموزمبيق بما في ذلك أعمال تعذيب وعمليات إعدام خارج نطاق القضاء”.

فاغنر عقبة أمام ديمقراطية ليبيا

وتعاني ليبيا من جمود سياسي بسبب فشل الأطراف المتناحرة في تحقيق انفراج يمهد الطريق أمام إجراء انتخابات جرى التوافق على تنظيمها في بادئ الأمر أواخر عام 2021. بدوره، حذر المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي من أن تلكؤ الأطراف الليبية في إيجاد حل سياسي، سوف يعرض البلاد لمخاطر عديدة فضلا عن تداعيات ذلك على الأمن الإقليمي.

وطالب باتيلي كافة الأطراف “بتنحية مصالحهم الذاتية جانبا والجلوس إلى طاولة المفاوضات بحسن نية والاستعداد لمناقشة كافة القضايا المتنازع عليها”. لكن يبدو أن الباحثة في شؤون المنطقة هاجر علي لا يحدوها أي أمل في عودة ليبيا إلى مسار الانتخابات والديمقراطية في ظل استمرار تمركز مسلحي فاغنر على أراضيها، مضيفة أن “المرتزقة الروس يمكنهم عرقلة أي جهود ترمي إلى إجراء انتخابات أو وضع دستور دائم في ليبيا طالما أن هذا قد يمثل تهديدا لمصالحهم ونفوذهم في البلاد”.

وأشارت إلى أن مجموعة فاغنر “تدير حملات تضليل عبر الإنترنت ما يفسح المجال أمام تدخلها في العملية الانتخابية بما يشمل ترهيب الناخبين من خلال العنف أو حتى المساعدة في تزوير الانتخابات”. وأضافت: “لا تزال الأحزاب السياسية في ليبيا في حاجة إلى إنشاء قاعدة بيانات خاصة بالناخبين واتخاذ قرارات بشأن العملية الإنتخابية، لذا فإن المعلومات المضللة تضر بشكل كبير بنزاهة أي عملية انتخابية”.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى