لماذا يمكن للشجر أن يبقينا بمنأى عن الأطباء؟
هناك قليل من القصص الإخبارية التي يمكن لها أن توحد الناس، لكن قطع الشجرة التي يبلغ عمرها قروناً والموجودة في “سيكامور جاب” في متنزه نورثمبرلاند الوطني نجح في ذلك هذا الأسبوع.
في صباح يوم الخميس أعلن رؤساء المتنزه أن الشجرة التي يبلغ ارتفاعها 36 متراً والواقعة قرب سور هادريان قطعت عمداً، ولقد أحزنت الأخبار السكان المحليين وتجمعوا للتعبير عن تقديرهم للشجرة، وأشاد الروائيون والمصورون بما كانت تعنيه، وقال أحدهم “إنه المكان الذي يأتي إليه الناس للحصول على السلام، ويمكنك الجلوس هنا لساعات ومشاهدة النجوم فقط، إنه المكان الذي تعيش فيه نورثمبرلاند وتتنفس”.
إن فوائد التواجد في الطبيعة وبخاصة حول الأشجار معروفة منذ فترة طويلة، وفي عام 2019 اقترحت مؤسسة “وودلاند ترست” “Woodland Trust” [مؤسسة خيرية بريطانية معنية بالحفاظ على الغابات] أن يكون “الاستحمام في الغابة” [العلاج بالغابة] على قائمة “الاشتراكات الاجتماعية” التي يقدمها أطباء الخدمات الصحية في بريطانيا لزيادة رفاهية المرضى إلى جانب العمل التطوعي وأعمال البستنة [الاعتناء بالحدائق].
وعلى رغم اسمها [الاستحمام بالغابة] إلا أنه لا علاقة لها بالمياه، بل تتضمن قضاء الوقت بوعي حول الأشجار وفي الطبيعة. وذكر ستيوارت داينتون من المؤسسة الخيرية في ذلك الوقت أن “الاستحمام في الغابة يمثل فرصة للناس لأخذ قسط من الراحة والإبطاء والتواصل مع الطبيعة”، مضيفاً “حتى [قضاء] 20 دقيقة فقط يمكن أن يساعد، والأدلة حول فوائد الموضوع تتزايد”.
مصطلح الاستحمام في الغابات (الترجمة اليابانية هي “شينرين-يوكو”) صاغته الحكومة اليابانية في الثمانينيات بعد أن واجهت البلاد، وهي بلاد حضرية إلى حد ما، أزمة صحية عامة ناجمة عن التوتر وزيادة أمراض المناعة الذاتية، ووجد الباحثون أن قضاء الوقت بين الأشجار وفي الطبيعة يمكن أن يساعد.
وقد وجدت الدراسات أنه قد يقلل ضغط الدم ويحسن الذاكرة والتركيز ويخفض مستويات الكورتيزول (هرمون التوتر)، ووجدت دراسة أجرتها “كلية كينغز لندن” King’s College London عام 2018 أن التعرض للأشجار والسماء وأصوات العصافير في المدن يحسن الصحة العقلية حتى خلال ساعات عدة بعد التعرض.
وفي عام 2005 صاغ المؤلف والصحافي الأميركي ريتشارد لوف مصطلح “اضطراب نقص الطبيعة” لوصف ما قال أنه انفصالنا المتزايد عن الطبيعة والمشكلات الصحية التي تنشأ من ذلك، مشيراً إلى أنه ليس في الحقيقة “اضطراباً” بل مجرد مصطلح.
وتقول الكاتبة والباحثة في مجال السعادة هيلين راسل التي كتبت “عام من الحياة الدنماركية” The Year of Living Danishly “لقد كنت من محبي شينرين-يوكو أو الاستحمام في الغابة منذ فترة طويلة، منذ أن قمت بالبحوث حول السعادة في اليابان”، مضيفة “لا حاجة إلى الماء للاستحمام في الغابة، إنه ببساطة عبارة عن قضاء الوقت مع الأشجار بغرض الاسترخاء، وهناك قدر مذهل من العلوم يدعم ذلك”.
وبحسب الكاتبة فقد “ثبت أن الاستحمام في الغابات يقلل ضغط الدم والتوتر والقلق بفضل زيت عطري يعزز قدرة جهاز المناعة لدينا، وقد يبدو هذا مبالغ فيه لكن البروفيسور تشينغ لي من كلية نيبون الطبية في طوكيو لديه نظرية مفادها أن الأشجار تنبعث منها مبيدات نباتية تشبه إلى حد ما الزيوت العطرية تساعدها في حماية نفسها، وعندما نقوم بتنفسها فإنها أيضاً تحفز تغيرات بيولوجية داخلنا وتنتج أجسامنا مزيداً من الخلايا الطبيعية المقاوِمة التي تشكل خط دفاعنا الأول الضروري ضد الفيروسات والأورام”.
وقد أوصت الممثلة الأميركية غوينيث بالترو بذلك في إحدى نشرات شركتها “غووب” goop [المعنية بالرفاه ونمط الحياة]، كما أن الحديقة التي شاركت أميرة ويلز (دوقة كامبريدج آنذاك) في تصميمها في معرض تشيلسي للزهور عام 2019 مستوحاة من شينرين-يوكو.
وفي الوقت نفسه يقوم “معهد الاستحمام في الغابات” Forest Bathing Institute في المملكة المتحدة بتدريب الأشخاص ليصبحوا مرشدين شينرين-يوكو، وتدير “الجمعية الملكية لحماية الطيور” Royal Society for the Protection of Birds سلسلة من فعاليات الاستحمام في الغابات في جميع أنحاء المملكة المتحدة، كما أطلقت “هيئة الغابات” [في بريطانيا] Forestry Commission برنامجاً للاستحمام في الغابات على مستوى البلاد، وكذلك توفر المنتجعات الصحية مثل “تشامبنيز” Champneys و”لايموود” Limewood الواقعين في متنزه نيو فورست الوطني ملاذات للاستحمام في الغابات لتعزيز الرفاهية.
وللحصول على حل سريع تقول راسل إن كل ما عليك فعله هو التوجه إلى المساحة الخضراء المحلية في منطقتك نهاية هذا الأسبوع ووضع هاتفك جانباً والاستمتاع بمحيطك، بما في ذلك روائح وأصوات الغابة من حولك، “فقط اذهب للتجول وانظر إلى أين سينتهي بك الأمر”.
وتقول الكاتبة إنه “منذ انتقالي إلى الدنمارك قبل عقد من الزمن أصبح قضاء الوقت في الغابات جزءاً من حياتي اليومية مع أطفالي الثلاثة وكلبي، ففي بلدان الشمال الأوروبي [الدول الإسكندنافية] من المقبول أن يلعب الأطفال في الطبيعة طوال العام، وجميع أطفالي لديهم شجرة مفضلة، وفي نهاية هذا الأسبوع يكون الوقت قد حان للعثور على شجرتك المفضلة”.