لماذا لا يمكن لسياسة ترمب الداخلية أن تكون مثل سياسته الخارجية؟

كتب روس دوثات في صحيفة نيويورك تايمز.
عندما انتُخب دونالد ترمب رئيساً للمرة الأولى، بدت سياسته الخارجية أشبه بالمنطقة الأكبر خطراً، والموضع الذي يمكن أن يتخبط فيه شخص حديث العهد بالسياسة يعد بإعادة تشكيل النظام العالمي، ما من شأنه أن يؤدي إلى كارثة حقيقية على الأرجح. عوضاً عن ذلك، كانت السياسة الخارجية لترمب خلال فترته الرئاسية الأولى ناجحة إلى حد بعيد، حيث تحقق قدر أكبر من الاستقرار، مع قدر أقل من العثرات الكبرى، والمزيد من صور التقدم مقارنة بالجهود المتعلقة بالسياسة الداخلية. وكان الوضع أنجح من الأزمات المتقلبة والعقبات التي شهدتها البلاد خلال فترة رئاسة بايدن، مما يمثل تناقضاً كان من الأسباب غير الملتفت إليها لاستعادة ترمب.
الآن ومع الاتفاق المبدئي لإنهاء الحرب في قطاع غزة، يعيد نمط ترمب خلال الفترة الرئاسية الأولى تأكيد ذاته. يتمتع الرئيس بالقوة كقائد داخلي، لكنه في الوقت ذاته لا يتمتع بالشعبية، في ظل أجندته التشريعية الشحيحة، وصورته الشعبية التي تحركها مشاعر الانتقام بشكل متزايد. مع ذلك يحقق نجاحاً أكبر في الوقت الحالي على الساحة العالمية، مما يسمح بشكوك قوية تجاه استراتيجية الإدارة تجاه الصين.
إذا ظل تحقيق السلام في أوكرانيا صعب المنال، فسيحثّ ترمب أوروبا على تحمل جزء أكبر من العبء من دون التنازل والاستسلام للروس، كما كان يخشى الكثير من المنتقدين. تمت مهاجمة برنامج إيران النووي والشبكات الإرهابية من دون رد فعل كبير. والآن هناك احتمال أن تحدث انفراجة ويتحقق تقدم كبير في إسرائيل وفلسطين، وهو إنجاز من الواضح أنه نتيجة للجهود الدبلوماسية القوية التي بذلها البيت الأبيض.
كل ذلك يثير تساؤلاً هو: ماذا لو كانت سياسة ترمب الداخلية شبيهة بسياسته الخارجية؟ صحيح أن الرؤساء الذين يجدون عراقيل أمامهم على الصعيد الداخلي، يرون أنه من الأسهل المناورة في الخارج، ولا يعد ترمب متفرداً بهذا النمط. مع ذلك لا تزال هناك بعض المفاتيح لنجاحه على الساحة العالمية، التي إن استخدمها ووظفها في الداخل على الصعيد المحلي، ربما تجعل جهوده في إدارة الشأن الداخلي أكثر شعبية.
أولاً، آيديولوجية الترفع. كان فريق السياسة الخارجية، الذي عمل معه خلال فترته الرئاسية الأولى، يضم عدداً من الصقور الجمهوريين التقليديين، أما خلال فترته الرئاسية الثانية، فتم تقسيم الفريق بين الصقور والواقعيين من متبني نهج الممكن والمتاح، والذين كثيراً ما كانوا يتشاحنون بشراسة مع بعضهم البعض. ومع ذلك خلال الفترتين كان ترمب نفسه يتحرك بسلاسة بين التوجهين المتباينين، فأحياناً يتصرف مثل صقر تقليدي، وأحياناً كشخص واقعي أو حمامة، ويبالغ في إظهار تأييده ومناصرته للصهيونية في لحظة، ويمارس ضغطاً كبيراً على بنيامين نتنياهو في اللحظة التالية، ويرفض بوجه عام السماح لأي معسكر آيديولوجي بالهيمنة على أجندته.
على العكس من ذلك، في ما يتعلق بالقضايا الداخلية الرئيسية، لم يتحرر ترمب من إجماع الحزب الجمهوري، ولهذا السبب تمخضت رئاسته الشعبوية مراراً وتكراراً عن تشريع غير شعبي بزيادة الضرائب، وترجيح الكفة تجاه مصالح الشركات والأثرياء. على الجانب الآخر، كان العديد من المشاريع المحتملة، التي ربما كانت لتكسر هذا القالب، سواء كانت في مجال البنية التحتية أو تتعلق بالسياسة الصناعية أو السياسة المتعلقة بالأسرة، محبطة أو مجهَضة.
من أسباب ذلك عدم تمكن ترمب من العثور على طريقة متسقة لإبرام اتفاقات مع معارضيه السياسيين، وهو ما يتناقض مع المفتاح الثاني لنجاح سياسته الخارجية، وهو الانفتاح على الاتفاق مع الجميع، مثل رجال الدين في إيران، وفلاديمير بوتين، وكيم جونغ أون، و«طالبان»؛ وحتى عندما لا يثمر ذلك عن شيء، أو ينتهي بهجمات من التفجيرات، يتوق ترمب إلى إجراء محادثة، والبحث عن صفقة غير متوقعة، واتفاق خارج الصندوق.
سوف يقول المنتقدون إن هذا لأن حب ترمب للرجال الأقوياء مثل كيم وبوتين أكبر من حبه لغيره من المواطنين الأميركيين، الذين تصادف أن يكونوا من الديمقراطيين، لكنه أبرم اتفاقات أيضاً مع شخصيات لا يحبها من الخارج، سواء كانوا من مسؤولي إدارة الاتحاد الأوروبي ذوي التوجه اليساري أو قادة «حماس». فقط في السياسة الداخلية لا يستطيع ترمب تنفيذ المسار بشكل متسق والتحول من إهانة منافسيه على مواقع التواصل الاجتماعي في أحد الأيام إلى إبرام اتفاقات مهمة معهم في اليوم التالي. ورغم كل حديثه عن «أميركا أولاً»، هو متبنٍ حقيقي لمبدأ الأحادية في السياسة الداخلية ويستكشف حدود القوة التنفيذية بطرق قد يغيرها إلى العكس من يخلفه في منصب الرئاسة، على عكس موقف مثل اتفاق غزة، الذي تنعقد آمال استمراره وبقائه على التزام عربي كامل، لا على القوة الأميركية فحسب.
من أسباب هذا الاختلاف هو أنه يتبع في السياسة الخارجية قاعدة ثالثة هي: دع الدخلاء الغرباء الموجهين بالأعمال والتجارة يديروا مفاوضاتك. وقد تأثر تصورنا للخبرة في السياسة الخارجية بدرجة مذهلة بالحقيقة التي تشير إلى أن شخصيات مثل ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر قد أبلوا بلاء أفضل، أو على الأقل ليس أسوأ، من دبلوماسيين محترفين معتمدين. مع ذلك يتناقض هذا أيضاً مع سياسة ترمب الداخلية، التي اضطلع فيها دخلاء مثل كوشنر وستيفن منوشين، بأدوار بارزة خلال الفترة الرئاسية الأولى، لكن تركزت فيها قوة وسلطة أكبر في أيدي شخصيات حزبية قتالية متشددة مثل ستيفن ميلر وراسل فوت خلال الفترة الرئاسية الثانية.
وترمب هو من منحهم مثل هذه السلطة، مثلما اختار الرئيس بشكل واعٍ الكثير من تلك الاختلافات التي أصفها في هذا المقام. إن السياسة الخارجية من أجل الإنجازات الكبرى والسعي وراء جوائز نوبل، أما الجبهة الداخلية فهي حيث يأمل أن يأخذ بثأره من سنوات التحقيق والملاحقات القضائية. وإذا كان هناك ما يمكن للرئيس تعلمه من سياسة الشرق الأوسط، فهو أن النجاح الحقيقي يكمن خارج دائرة الانتقام، هذا إذا ما أراد أن تصبح انتصاراته خالدة.