لبنان و”اليوم التالي” الرهانات والواقع
كتب رفيق خوري في صحيفة نداء الوطن.
صورة «اليوم التالي» بعد حرب غزة لا تزال مشوشة جداً. وازدادت تشوشاً بعد الهجوم الإيراني المباشر بالصواريخ والمسيرات على إسرائيل. وصورة «اليوم التالي» في لبنان بعد حرب «المشاغلة» عبر الجبهة الجنوبية مرتبطة وغير مرتبطة في آن بما يحدث في غزة. وكل ما يدور الكلام عليه هو تصورات إفتراضية تبدأ بالمشهد في غزة ثم في الضفة والقطاع، ولا تنتهي بالمشهد في الشرق الأوسط. بعضها غير قابل للتطبيق. وبعضها الآخر مبني على انتصار كامل، إما لإسرائيل وإما لحركة «حماس». وليس هناك شيء اسمه إنتصار كامل أو هزيمة كاملة بل نتائج نسبية. فالترجمة العملية للبقاء ومنع العدو من تحقيق كل أهدافه هي بالنسبة إلى «حماس» نصر. والترجمة العملية لعجز الجيش الإسرائيلي المدجج بأقوى أنواع الأسلحة عن إخماد المقاومة المسلحة وتحرير الأسرى على الرغم من تدمير غزة وممارسة حرب إبادة للمدنيين هي بالنسبة إلى إسرائيل نجاح تكتيكي وفشل إستراتيجي.
والإنطباع السائد هو أن نتنياهو لا يريد الوصول إلى «اليوم التالي» لأن نهاية الحرب نهاية حياته السياسية. لكن اللعبة أكبر منه. فلا إسرائيل تستطيع البقاء عسكرياً في غزة كقوة إحتلال لأنها ستصطدم بمقاومة دائمة ورفض أميركي ودولي وإقليمي. ولا «حماس» يمكن أن تستمر في حكم غزة كما كانت الحال قبل «طوفان الأقصى» والحرب. لا دول عربية وإسلامية تقبل إرسال قوات لحفظ النظام في القطاع ولا السلطة الفلسطينية في حال تسمح لها بأن تتولى الأمور في القطاع كما كانت قبل «إنقلاب حماس» قبل سنوات. أما في لبنان، فإن الخوف هو من أن يكون «اليوم التالي» استمراراً لليوم الأول أو تغييراً نحو الأخطر. والأمل هو في العودة إلى مشروع الدولة. لكن الحسابات في لبنان كما في غزة متناقضة. فمن يراهن على إنتصار «محور المقاومة» وإمتلاكه اليد العليا في لبنان والمنطقة بتسليم دولي لإيران، يرى «اليوم التالي» في لبنان نقلة دقت ساعتها على رقعة الشطرنج ليقول صاحب المشروع الإقليمي لخصومه: كش ملك. ومن يراهن على تطورات دراماتيكية تخلط الأوراق في لعبة تتجاوز لبنان وغزة، يرى عودة الروح إلى الوطن الصغير وإنقاذ الدولة من خاطفيها. والرهانان يصطدمان بالواقع المعقد الصعب. ذلك أن «اليوم التالي» بعد الحرب ليس ضماناً لأن يكون للبنان رئيس جمهورية وحكومة في مناخ العودة إلى الدستور. وسوف تستمر التركيبة السياسية في الإرتهان لإدمان الإنتظار. إنتظار كل الأحداث والعواصف السياسية في المنطقة والعالم لكي «تنضج» ظروف الإنتخابات الرئاسية التي كانت ناضجة حكماً بموجب الدستور في خريف العام 2022. ومن الصعب تصور الإصلاحات المطلوبة منا ولنا تتحقق على يد المافيا السياسية والمالية والميليشيوية الحاكمة والمتحكمة. فما يحول دون قوانين الكابيتال كونترول والتعافي المالي وإعادة هيكلة المصارف وإيجاد حل لمشكلة الودائع ليس العجز أو الإهمال بل إصطدام الإصلاح بمصالح النافذين الذين مارسوا السطو على المال العام والخاص، ولا يزالون يوظفون الأزمات في خدمة مصالحهم.
ولا أمل إلا بالخروج مما سماه الفيلسوف الفرنسي جان بودريار «نظام إعادة التدوير».