لبنان ما بعد خماسية نيويورك.
كتبت سناء الجاك في صحيفة نداء الوطن.
الواضح أنّ العمل جاد بين باريس والرياض من جهة والدوحة من جهة ثانية، لبحث وسائل إخراج الداخل اللبناني من براثن المسؤولين عن عرقلة إنجاز الاستحقاق الرئاسي.
وهذا العمل لا يقيم وزناً، على ما يبدو، لعناد الممانعة من خلال سعيها إلى فرض «الحوار قبل الرئيس»، ورفضها التخلي عن الإمساك بالبلد وسيادته والمحافظة على المكتسبات، حتى لو كان الثمن الاستمرار في تدمير البلد.
كذلك لا يقيم وزناً لاعتبار الممانعة أنّ التخلي عن العناد هو حكم بالإعدام لا يحتمل الاستئناف، لذا يبقى الإصرار على سليمان فرنجية مرشحاً لا بديل عنه، ما لم يتم عرض الثمن المناسب للتراجع. ولذا يبقى الإصرار على إقفال مجلس النواب بوجه جلسات انتخاب الرئيس حتى تستوي الصفقة ويضع الثمن في الجيب.
أو كأن الممانعين يستغربون وجود من يخالفهم على الرغم من نجاحهم في إيصال لبنان إلى انهياراته المتلاحقة، ليصير دولة فاشلة، اقتصادها تحت الصفر، الوضع الاجتماعي لشعبها يحاكي الكارثة المستدامة، من يتحكم بها يعتبر الثقافة والانفتاح عمالة، ويصر على فرض ثقافة منغلقة قمعية قوامها الخضوع للقوة وليس للمنطق. ولديه ترسانة صواريخ تكفي ليشعر بالفخر والتفوق، وليشعر الآخرون بالخطر جرّاء قدرة الممانعين على فرض الحوار بالنار، إذا ما سُدّت في وجوههم سبل الديبلوماسية بالإكراه.
ولعل الحركة الحالية بين السعودية وفرنسا، وبالتنسيق مع قطر، التي تعمل بصمت ملحوظ ومحمود، للبحث عن وسيلة ترغم الممانعين على التعامل بجدية ومسؤولية مع الاستحقاق الرئاسي والإفراج عنه، تدفع بهؤلاء إلى التساؤل عن رفض أصحاب القرار الخارجيين لهم، ولعلها تعدّ العدّة لتحوِّلهم من وسطاء إلى متدخّلين متطفّلين ومتآمرين منتهكين للسيادة ومصادرين لها، لأنّهم تجاوزوا الحدود ولم يلبوا طموحات الخط الممانع، فيصبح حينها التدخل الخارجي وصمة عار…
لكن ما لم تنتبه إليه الممانعة هو أنّ هذا الخارج بات يفهم ألاعيبها، ولم يعد متسامحاً حيالها وحيال تسويات تمنحها المزيد من المكتسبات بحجة أو بأخرى حتى يبقى تدبير أمور الدولة اللبنانية قائماً، وإن بحدوده الدنيا. يبدو أنّ هذه الحقبة انتهت مفاعيلها، ويبدو أنّ الطبقة السياسية التي تبايع المحور الممانع وتقايض السيادة بالتنفيعات، فقدت غطاءها.
ولعل الانقلاب في الموقف الفرنسي يحمل إشاراته، كما تُظهر اللقاءات التي يجريها موفد الرئيس الفرنسي جان إيف لودريان مع المسؤولين السعوديين عن الملف اللبناني. والأمور بعد اجتماع الخماسية في نيويورك، هي غيرها عما كان قائماً قبل ذلك. ما يعني أنّ عدم إصدار بيان عن ذلك الاجتماع ليس سلبياً، أو كأنّ خطة جديدة وُضِعت قيد التنفيذ، وانخرطت الإدارة الفرنسية فيها، ولم يعد ينفع ما يبثه المقربون من محور الممانعة، وببراءة مفتعلة، من منطق ترويجي لضرورة الانصياع لمطالبها، وعدم تجاهلها وتحديها، فقط لتجنيب لبنان المزيد من الكوارث.
والمهزلة أنّ المقرّبين المُقنعين يخترعون التبريرات حتى لا يعترفوا، بأنّ هذا الخارج لم يعد يتوقف عند الأزمات المفتعلة لفرض إرادة المحور ولفت الانتباه. وتحديداً مع تسهيل اجتياح السوريين لبنان لغايات تخدم المحور وتريحه، وأيضاً لتكبير الأزمة وجر هذا الخارج إلى الرضوخ لداخل يجب أن يبقى على حاله، بحيث يرتهن للحاكم بأمره مع ديكور دولة لا تحكم وحكومة تتولى الإدارة تحت إمرة هذا الحاكم. والظاهر أنّ الوسائل التي كانت تنفع، ومنها مسألة النزوح، فقدت مفاعيلها على الخارج، الذي يتمسك من خلال خماسيته بورقة إصلاحات من شأنها إذا ما نُفِّذت أن تسير إلى سيادة يجب حمايتها حتى لا تستباح. وغداً لناظره… قد يكون قريباً.