رأي

كيف ستؤثر الانتخابات الأميركية على الحرب في أوكرانيا؟

كتب أليكسندر فيندمان في صحيفة إندبندنت عربية.

إن وجود استراتيجية أو نظرية لتحقيق النصر أمر ضروري للفوز في الحرب. عام 2022 فشلت الخطة الأولية التي وضعتها روسيا للاستيلاء على كييف وإطاحة القيادة الأوكرانية، ومن المستبعد أيضاً أن ينجح نهجها الحالي المتمثل في إنهاك المقاومة الأوكرانية من خلال حرب استنزاف. في المقابل اعتمدت أوكرانيا تكتيكات دفاعية بمهارة من أجل طرد القوات الروسية من منطقتي كييف وخاركيف، ومن جزء كبير من خيرسون، عام 2022. لكن الهجوم الأوكراني عام 2023 افتقر إلى القوات والموارد والتكتيكات اللازمة لتحقيق نصر حاسم في ساحة المعركة ضد روسيا، وعلى رغم أن التوغل الأوكراني هذا الصيف في منطقة كورسك الروسية قد أوقع قوات موسكو في حالة من الفوضى وأربكهم، إلا أنه لن يقود كييف إلى النصر.

في الواقع، إن مجموعة تكتيكات لا تمثل استراتيجية. والحرب الدفاعية، في أفضل الأحوال، هي مسار بطيء ومؤلم للغاية نحو تحقيق النصر. ومن أجل إنهاء الحرب قريباً وبشروط مواتية لكييف، تحتاج أوكرانيا إلى الانتقال إلى الهجوم مرة أخرى عام 2025، لكن بعد فشل هجوم عام 2023، ستحتاج أوكرانيا إلى إقناع داعميها الغربيين المترددين بأن يزيدوا دعمهم المادي من خلال تقديم استراتيجية عسكرية واقعية، تشمل أهدافاً واضحة، وخطوات تدعم تلك الأهداف، وفهماً للموارد المطلوبة. وفي سبيل منع احتمالية تحقيق روسيا النصر في نهاية المطاف من خلال الاستنزاف، يجب أن تهدف استراتيجية أوكرانيا إلى الحفاظ على الدفاعات، وإلحاق خسائر ثابتة في ساحة المعركة، وتوسيع السيطرة على الأراضي في اتجاه واحد في الأقل. وإذا نفذت مثل هذه الحملة بنجاح، فقد تجبر موسكو على الدخول في مفاوضات بحلول نهاية صيف عام 2025.

ولكي يكون أي من هذا ممكناً، تحتاج أوكرانيا إلى دعم من الغرب. وتجدر الإشارة إلى أن قدرات الغرب واستعداده للمساعدة ستعتمد على نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني). إذا فازت نائبة الرئيس كامالا هاريس، فمن المرجح في الأقل أن تحافظ إدارتها على الدعم الذي قدمته إدارة بايدن لأوكرانيا، نظراً للمصلحة الأمنية الوطنية الأميركية الحيوية المتمثلة في رؤية روسيا مهزومة وردعها عن شن مزيد من العدوان تجاه أوروبا. في حال حدوث هذا السيناريو، ستدعم واشنطن وحلف شمال الأطلسي الذي يزداد قوة، هجوماً أوكرانياً جديداً عام 2025. خلال فترة العامين ونصف العام الماضية، قامت الولايات المتحدة باستثمارات كبيرة في قطاع الدفاع. بطريقة موازية، كثفت أوروبا جهودها، فالتزمت 23 من أصل 32 دولة عضو في حلف شمال الأطلسي بتخصيص اثنين في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي للإنفاق الدفاعي، وزادت القارة من إنتاجها للأسلحة. من خلال تقييم حالة الحرب بعد ثلاث سنوات، قد تقرر إدارة هاريس الجديدة أن تقديم مزيد من الدعم الكامل للجهود العسكرية الأوكرانية أمر ضروري لممارسة الضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وإنهاء الصراع. ومن أجل ضمان تأمين هذا الدعم، ستحتاج كييف إلى تحقيق انتصارات صغيرة، ولكن ذات مغزى باستخدام الموارد التي تمتلكها حالياً، مما يقدم دليلاً على نجاح استراتيجيتها لعام 2025.

ومن يذكر أن أي نتيجة بديلة في انتخابات الولايات المتحدة لعام 2024 ستكون بالغة الخطورة على أوكرانيا. فالرئيس السابق دونالد ترمب ومرشحه لنيابة الرئيس، السيناتور عن ولاية أوهايو، جي دي فانس، سيقودان إدارة انعزالية من شأنها أن توقف كل الدعم الأميركي لأوكرانيا، وتنأى بنفسها عن الأمن الأوروبي، وتتقدم بمبادرات ودية تجاه روسيا وغيرها من الدول الاستبدادية في حين تظهر العداء لحلف شمال الأطلسي والحلفاء التقليديين الآخرين. في ظل هذه الظروف، سيتمكن شركاء كييف المتبقون من تقديم مساعدة بالكاد تكفي للحفاظ على دفاعات البلاد، مما يسمح للقوات الروسية بتحقيق مكاسب تدريجية. وفي أسوأ الأحوال، قد يؤدي انسحاب الولايات المتحدة من أوكرانيا وأوروبا إلى تفاقم الحرب إلى صراع أوسع. لذا، يجب أن تبدأ كييف وشركاؤها الأوروبيون في التخطيط الآن للتعاون الأمني المعزز الذي سيكون ضرورياً في حال انسحاب الولايات المتحدة. على رغم أن فرص أوكرانيا لتحقيق نجاح عسكري حاسم ستتضاءل في أي سيناريو يشمل فوز ترمب، فإن الخطوات التي تتخذها بروكسل وكييف اليوم قد تخفف من حدة الأضرار.

نظرية الانتصار

ستكون أوكرانيا محظوظة إذا حققت هاريس فوزاً في نوفمبر. ولكن هذه النتيجة وحدها لن تضمن النصر. ولزيادة فرص نجاحها، تحتاج كييف إلى تبني استراتيجية تضمن الفوز. بالتالي، على مدى الأشهر القليلة المقبلة، يتعين على أوكرانيا التركيز على صد الهجمات الروسية إلى جانب بناء القدرة العسكرية اللازمة لشن هجوم عام 2025. وسوف يتطلب هذا النهج القائم على “الصمود، البناء، والهجوم” زيادة سريعة في الدعم الغربي في سبيل تحقيق النجاح، وسوف تحتاج أوكرانيا إلى الموارد الآن من أجل تنفيذ حملة جديدة في أقل من عام.

لقد اتخذت أوكرانيا بالفعل بعض الخطوات لبناء القدرات اللازمة لشن هجوم. في الواقع، استثمرت كييف بصورة كبيرة في إنتاج الطائرات المسيرة، التي أثبتت قدرتها على إحراز نتائج عسكرية لافتة من خلال ضرب الأصول الروسية. وقد أخرجت المسيرات البحرية الأوكرانية أجزاء كبيرة من أسطول البحر الأسود الروسي من الخدمة وأعادت فتح التجارة البحرية في البحر الأسود. واستطراداً، أظهرت الطائرات الهجومية المسيرة المنتجة محلياً فعالية في معاقبة القوات الروسية في الخطوط الأمامية في حين تمكنت الطائرات الهجومية المسيرة البعيدة المدى من تدمير البنية التحتية الداعمة والعسكرية الروسية. تحتاج كييف الآن إلى توسيع قدراتها في حرب الطائرات المسيرة وتعزيز الإنتاج المحلي لصواريخ كروز، والمدفعية، والدروع، وغيرها من المعدات العسكرية. وبفضل الدعم المالي الكافي من الغرب، ستتمكن أوكرانيا من تعبئة قاعدتها الصناعية العسكرية بصورة صحيحة من أجل المجهود الحربي.

وتجدر الإشارة إلى أن تعبئة مزيد من القوات لا تقل أهمية عن تأمين المساعدات المادية. من الممكن أن تجند أوكرانيا نحو 300 ألف رجل في سن الخدمة العسكرية تحتاج إليهم، من دون التأثير بصورة كبيرة على اقتصاد البلاد. سيكون أولئك المجندون ضروريين لملء صفوف الوحدات التي تضررت بسبب الخسائر في ساحة المعركة ولتشكيل وحدات جديدة، مما سيسمح للقوات المنهكة بالتناوب على الخطوط الأمامية. وإذا بدأت أوكرانيا حملة تجنيد اليوم، فستكون القوات الجديدة مدربة بصورة كافية لتحل محل وحدات الخطوط الأمامية في غضون ستة أشهر. وسوف تحتاج بعض الوحدات الجديدة في أوكرانيا ستة إلى تسعة أشهر من التدريب الإضافي وبعض الخبرة في ساحة المعركة استعداداً للعمل كقوات صاعقة وقوة ضاربة في هجوم عام 2025. ونظراً للجدول الزمني الضيق، فلا بد أن تبدأ جهود التجنيد على الفور.

سوف تحتاج أوكرانيا إلى شن هجوم جديد عام 2025

لدى الدول الغربية دور حاسم تؤديه أيضاً. يتعين على إدارة بايدن وفريق الأمن القومي الخاص بهاريس الالتزام بدعم الاستراتيجية العسكرية الأوكرانية لعام 2025 والبدء في تطوير سياسة وتنسيق الجهود من أجل ضمان الاستمرارية خلال فترة الانتقال في حالة فوز هاريس. وفي الوقت نفسه يتعين على أوكرانيا أن تثبت التزامها بشن هجوم آخر في صيف عام 2025 من خلال تعبئة قوتها البشرية وقاعدتها الصناعية. إذا فعلت أوكرانيا ذلك، فإن زيادة الدعم المادي قد تصبح مقبولة أكثر في الأوساط السياسية في الولايات المتحدة.

ومن أجل تنفيذ استراتيجية كييف، لا بد من توسيع المساعدات الغربية من حيث الحجم والنطاق. إضافة إلى توفير الإمدادات الكافية من الذخائر والمدفعية والصواريخ والقذائف، ستتطلب الحملة الأوكرانية زيادة في عدد الدبابات الغربية والمركبات المدرعة والدعم اللوجيستي والهندسي وأنظمة المدفعية وأنظمة إطلاق الصواريخ المتعددة وأنظمة الدفاع الجوي وأنظمة الحرب الإلكترونية لتجهيز 12 لواءً جديداً في الأقل (نحو 60 ألف جندي). ومن الممكن أن يسهم برنامج الإعارة والتأجير الأميركي المعاد تفعيله في تسهيل نقل المعدات. وبعض الموارد يمكن استخراجها من المستودعات الأميركية في أوروبا، أو حتى مباشرة من الوحدات العملياتية في الخارج، مما سيتطلب إعادة تخزينها على مدى السنوات العديدة المقبلة. وعلى رغم أن استخراج هذه الإمدادات الأميركية يعد مخاطرة محسوبة، إلا أنها مخاطرة تستحق المجازفة، إذ إنه من الأفضل منح أوكرانيا الموارد التي تحتاج إليها للفوز بهذه المعركة عوضاً عن الاحتفاظ بالمعدات الحيوية تحسباً لحالات الطوارئ البعيدة الاحتمال.

إن جزءاً من الحل يتلخص في إصلاح المعدات الغربية التي سبق أن تلقتها أوكرانيا. يجب أن تكون أوكرانيا قادرة على إصلاح المعدات الغربية المتضررة محلياً عوضاً عن الاعتماد على مرافق الإصلاح في أوروبا. والواقع أن عدداً كبيراً من المعدات يحتاج ببساطة إلى خدمات صيانة أساسية وقطع غيار، ومع ذلك، رفضت واشنطن بإصرار التعاقد مع شركات الدفاع الأميركية لإجراء الإصلاحات داخل أوكرانيا. ويعود هذا في جزء منه إلى المخاوف من أن الحكومة الروسية قد تنظر إلى وجود أفراد أميركيين في أوكرانيا باعتباره تصعيداً، وفي جزء آخر إلى القلق في شأن سلامة هؤلاء الأفراد في منطقة نزاع. يجب أن ينتهي الحظر الذي تفرضه واشنطن على الفور. ففي الوقت الحالي، تشير التقديرات إلى أن ما بين 30 إلى 40 في المئة من معدات أوكرانيا تعمل بفعالية. وإذا رفعت الولايات المتحدة قيودها، فقد يرتفع هذا المعدل إلى 90 في المئة، مما سيزيد ثلاث مرات من كمية المعدات المتاحة للحملة الأوكرانية القادمة.

أي استراتيجية لمساعدة أوكرانيا على الانتصار ستكون أكثر صعوبة بكثير خلال رئاسة ترمب

واستكمالاً، تحتاج القوات الأوكرانية أيضاً إلى التدريب على الحرب التي تستخدم أسلحة مشتركة [أي الحرب التي تستعمل أسلحة متنوعة في آنٍ معاً] من أجل إنجاح أي هجوم جديد. ومن الممكن تنفيذ مثل هذا البرنامج في أوكرانيا بمشاركة عسكريين سابقين مخضرمين من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أخرى في حلف شمال الأطلسي لتدريب القوات الأوكرانية على التخطيط العسكري الغربي وعمليات صنع القرار. ويمكن للجنود الأوكرانيين مراقبة المدربين الأجانب من كثب وفي نهاية المطاف تعلم طريقة قيادة برامج التدريب بأنفسهم، مما يضمن وصول محتوى التدريب إلى الجيش الأوكراني بأكمله.

والغرض من التدريب ليس تعليم القوات الأوكرانية كيفية قتال الروس، فإنهم يقومون بذلك منذ عامين ونصف العام. عوضاً عن ذلك، سينصب التركيز على التخطيط لهجوم كبير جديد. يجب أن تتلقى القوات الأوكرانية تدريباً تكتيكياً أفضل، بما في ذلك على القتال الليلي، فضلاً عن تلقي تدريبات على يد أعضاء سابقين في جيوش حلف شمال الأطلسي حول طريقة تنسيق العمليات الهجومية المعقدة، وبخاصة كيفية اختراق الدفاعات الثقيلة. ويتعين أن تعمل الألوية المتعددة بصورة سلسة وموحدة للاستجابة بفاعلية للتغيرات الحتمية في ساحة المعركة.

إن لواءً كاملاً من القيادة ووصولاً إلى الفصائل، قادر على إكمال هذا التدريب في غضون ثمانية أسابيع. ومع توسع البرنامج من الممكن تدريب ألوية متعددة في وقت واحد، مع وجود عدد أكبر من المدربين وتوافر وحدات جديدة لتتناوب مع القوات الموجودة على الخطوط الأمامية. وفي غضون تسعة أشهر، يمكن أن يكون هناك 20 لواءً جاهزاً لشن هجوم كبير. ليس هناك أي استثمار في سلاح أو قطعة تكنولوجيا يضاهي بأهميته التدريب الجيد لنجاح أوكرانيا، ولا بد من بدء هذه العملية على الفور.

إذاً، يتعين على إدارة الرئيس فولوديمير زيلينسكي أن تضغط على واشنطن من أجل إعطاء الأولوية لهذه المبادرة التدريبية. لقد كان تدريب القوات الأوكرانية الواسع النطاق على حرب الأسلحة المشتركة مفقوداً طوال فترة الحرب. وينبغي لكييف أن تبدأ في طرح قضيتها وحججها على إدارة بايدن اليوم، ولكن عليها أيضاً أن تفكر في تأطير الدعم الأميركي للمراحل اللاحقة من برنامج التدريب الموسع على أنه سياسة يمكن لإدارة هاريس القادمة أن تتبناها باعتبارها مبادرة مميزة تحمل بصمتها.

الاستعداد للأسوأ

إن البدء الآن في وضع خطط لهجوم عام 2025 يمكن أن يساعد في تقليل الأخطار التي قد يفرضها فوز ترمب المحتمل في نوفمبر على أوكرانيا، بيد أن الخيارات المتاحة أمام كييف للتخفيف من هذا الخطر محدودة. خلال فترة ولاية ترمب الأولى، تأرجحت إدارته بين الكفاءة المدروسة والموثوقة التي يتمتع بها المخضرمين المتمرسين” الذين نفذوا سياسة أمن قومي محافظة تقليدية، وبين فوضى ترمب وهو يسعى إلى تحقيق أقصى فائدة من التعامل مع الحكومات الأجنبية من دون إدراك التداعيات الخطرة لأفعاله. في حالة أوكرانيا، ترجمت مقاربة ترمب المتقلبة إلى محاولة عام 2019 لابتزاز زيلينسكي وإرغامه على إطلاق تحقيق ملفق حول بايدن، الخصم الرئيس لترمب في حملة إعادة ترشحه في انتخابات عام 2020. وقد أبلغت عن هذا المخطط وكشفته أثناء خدمتي في مجلس الأمن القومي، فتحول إلى أساس لعزل ترمب للمرة الأولى. وقوض ترمب موقف كييف من خلال تكرار الروايات الروسية حول أوكرانيا وعائلة بايدن طوال حملة 2020، إضافة إلى ذلك، دعا إلى تخفيف العقوبات المفروضة على روسيا بعدما ضمت شبه جزيرة القرم عام 2014، مقترحاً على سبيل المثال إعادة روسيا إلى مجموعة السبع. وقد حافظ الرئيس الأميركي السابق على موقفه المؤيد لموسكو بسبب إعجابه بالقادة المستبدين ورغبته في معارضة المؤسسة السياسية الأميركية، وفي الوقت نفسه طور ضغينة ضد كييف بعد أن رفض زيلينسكي الرضوخ لمحاولات ابتزازه. حتى إن ترمب وصف بوتين بأنه “عبقري” في بداية غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022. وشجعت كلمات ترمب السياسيين الجمهوريين الآخرين على تبني خطاب مؤيد لروسيا، مما دفع بوتين إلى الاعتقاد أن هجومه على أوكرانيا لن تكون له كلفة كبيرة.

ومن يذكر أن رئاسة ترمب الثانية ستتبع نمطاً مماثلاً لرئاسته للأولى. فمرة أخرى، ستكون قراراته مدفوعة بالمصلحة الشخصية، والشعور بالضغينة تجاه من يعتقد أنهم أساؤوا إليه، والتركيز الضيق على المكاسب الفورية عوضاً عن النتائج الطويلة الأمد. ولكن هذه المرة، سيتعامل ترمب مع السياسة الخارجية بثقة وإيمان أكبر بأنه محصن من المساءلة. لن يكون فريقه مكوناً من مستشارين ذوي خبرة ومستقلين، بل من أتباع مطيعين، سيكلف كثر منهم بتنفيذ خطط “مشروع 2025” الرامية إلى تفكيك جهاز الأمن القومي، بما في ذلك الجيش، لضمان الطاعة المطلقة لرئيس البلاد.

التحضيرات التي يجب أن تقوم بها كييف وشركاؤها خلال الأشهر المقبلة واضحة

بعبارة أخرى، لن يبقى أحد ليعارض قرارات ترمب السياسية الخاطئة. وبالنسبة إلى أوكرانيا، فإن هذا الاحتمال مثير للقلق. فقد أشار ترمب إلى أنه سيوقف المساعدات الأميركية لأوكرانيا وسيمارس الضغط على كييف لكي تقدم تنازلات لموسكو في سبيل إنهاء الحرب. وتشير التصريحات الأخيرة لفانس ومقال في صحيفة “ذا هيل” The Hill بقلم دونالد ترمب الابن وروبرت أف. كينيدي الابن (وهو الآن عضو في فريق ترمب الانتقالي) إلى أن ترمب، إذا انتخب رئيساً، سيؤيد خطة سلام تتضمن تنازل أوكرانيا عن منطقة دونباس لمصلحة روسيا والتخلي عن فكرة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو مقابل وقف إطلاق النار و”ضمانات أمنية” مبهمة، وهو ما قد تعتبره كييف بلا معنى أو قيمة بعد أن فشلت ضمانات مشابهة في الحفاظ على سلامة الأراضي الأوكرانية عام 2014. بالتالي، قد تسعى إدارة ترمب-فانس إلى إضفاء الشرعية على الاحتلال الروسي مقابل عدم تقديم شيء لأوكرانيا سوى العودة إلى موقف عدم الانحياز الذي لم تسفر عنه أي نتائج مفيدة في الماضي. ولكن حتى لو اتخذ ترمب نهجاً أقل تدخلاً في السياسة الخارجية، فبمجرد تنفيذ تهديداته بقطع الدعم العسكري لأوكرانيا وانسحاب الولايات المتحدة من حلف شمال الأطلسي، فإن الحملة الغربية لدعم أوكرانيا والضغط على روسيا ستضعف إلى حد كبير.

علاوة على ذلك، فإن أي استراتيجية لمساعدة أوكرانيا على إنهاء الحرب بشروط مرضية ستكون أكثر صعوبة بكثير خلال رئاسة ترمب. ومن بين الاحتمالات الواردة أن تترك أوكرانيا غير مجهزة بصورة كافية وغير قادرة على إحراز تقدم، ولكن ليست ضعيفة بما يكفي للاستسلام، مما يؤدي إلى تقدم روسي بطيء. والأسوأ من ذلك، إذا قرر ترمب التحول بصورة جذرية بعيداً من أوكرانيا نحو روسيا، فقد تتوسع الحرب إلى ساحات أخرى في أوروبا. وقد يقرر بوتين أن يستجيب للدعوة التي وجهها ترمب إلى روسيا لارتكاب “ما يحلو لها” تجاه أعضاء حلف شمال الأطلسي الذين لا يسددون ما يجب عليهم من متطلبات الإنفاق الدفاعي، مفسراً كلمات ترمب كإشارة إلى أن إدارته ستتجاهل أي اعتداء روسي إضافي ضد أوروبا.

في هذا السيناريو، سيعتمد مصير كييف أكثر من أي وقت مضى على شركائها الأوروبيين. فبعد فقدان الحماية الأميركية، قد يقرر القادة الأوروبيون توسيع دعمهم المادي ونشر قوات في أوكرانيا، معولين على أن القتال ضد روسيا على الأراضي الأوكرانية سيكون أفضل من القتال في بولندا أو رومانيا أو دول البلطيق. قد يتوقعون أن تؤدي هذه الخطوة إلى رد فعل روسي، لكن في نظر القادة الأوروبيين، فإن غياب الولايات المتحدة قد يكون على أية حال بمثابة دعوة لمزيد من العدوان الروسي من خلال تقويض الدفاع الجماعي لحلف “الناتو”. عام 2024، تحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون علناً عن احتمال عمل قوات أوروبية في أوكرانيا، مما يدل على أن بعض القادة الأوروبيين يفكرون بالفعل في هذا الاتجاه. لكن، ما إذا كانت الدول الأوروبية وحدها تستطيع كبح جماح روسيا هو سؤال آخر، فقد يرى بوتين فترة غياب الولايات المتحدة كفرصة لتفكيك تحالف الناتو إلى الأبد.

وفيما تضع كييف خططاً مع شركائها الأوروبيين، فهي تحاول صياغة رسالتها بطريقة تتوافق مع مصالحهم واهتماماتهم من خلال تصوير انتصار أوكرانيا على أنه أضمن طريقة لتحقيق سلام دائم في القارة. لكن كييف تحتاج أيضاً إلى خطة لإدارة التداعيات إذا أصبحت الجهود المبذولة لمساعدة أوكرانيا مصدراً للانقسام بين بروكسل وواشنطن في ظل إدارة ترمب. يجب على صناع السياسات الأوكرانيين أن يبدأوا ببناء علاقات ثنائية مع أعضاء الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي، بهدف إنشاء تحالف من الشركاء الراغبين في تقديم الدعم بغض النظر عن موقف الولايات المتحدة.

المرحلة القادمة

إن انتظار نتائج الانتخابات الأميركية ليس خياراً مطروحاً. ولكي تحظى أوكرانيا بأي فرصة لشن هجوم عام 2025، يجب على الولايات المتحدة وشركاء كييف الآخرين البدء في تنفيذ استراتيجية جديدة على الفور. يمكن أن تسهم زيادة توفير الموارد اللازمة والتدريب في التخفيف من وطأة فوز ترمب، من خلال منح “الناتو” الوقت للتكيف. وقد بدأ الحلف بالفعل في اتخاذ بعض الخطوات استعداداً لكارثة محتملة، بما في ذلك الإعلان خلال الصيف عن قيادة عسكرية جديدة في ألمانيا تشرف على توريد المعدات والتدريب لأوكرانيا، ويمكن أن تستمر في العمل في حالة انسحاب الولايات المتحدة من حلف شمال الأطلسي تحت إدارة ترمب.

وحتى لو فاز ترمب وأوقف الدعم الأميركي قبل أن يبدأ الهجوم، فإن استمرار تطوير القاعدة الصناعية الأوكرانية ومرافق إنتاج الطائرات المسيرة، وتحسين قدرات الصيانة للأسلحة والمعدات التي يوفرها الغرب، وتدريب القوات الأوكرانية وتجهيزها لتنفيذ حرب فعالة بالأسلحة المشتركة على مدى الأشهر المقبلة، من شأنه أن يساعد أوكرانيا في تقويض الاستراتيجية العسكرية الروسية. والواقع أن الدول الأعضاء الأخرى في حلف شمال الأطلسي قادرة على دعم أوكرانيا لسنوات عدة، وتمتلك معاً القوة الاقتصادية للتفوق على الإنتاج الدفاعي الروسي، حتى إن لم تكن تمتلك الإرادة بعد. ما زال يتعين على كييف شن هجوم متواضع في 2025، باستخدام مخزون أصغر من المعدات الأوروبية والاستفادة من المواد المنتجة محلياً قدر الإمكان. وفي سبيل منع الصراع من الانتشار إلى ما هو أبعد من مسرحه الحالي، من المحتمل أن تحتاج أوروبا إلى إرسال قوات إلى أوكرانيا من أجل إبقاء الجنود الروس مشغولين في الجزء الشرقي من البلاد. وستحتاج كييف وشركاؤها الأوروبيون إلى تنسيق جهود أوسع لردع روسيا التي أصبحت أكثر جرأة.

في حالة فوز ترمب بولاية ثانية وتحول الولايات المتحدة إلى الانعزالية، فإن الخطوات التي تتخذها كييف الآن للاستعداد لهجوم صيفي يمكن في الأقل أن تضع الجيش الأوكراني في موقع يمكنه من الحفاظ على دفاعاته والاستمرار في استنزاف روسيا على مدار العام المقبل. ولكن إذا فازت هاريس واستمرت في تقديم الدعم الأميركي أو حتى وسعته، يمكن لأوكرانيا أن تسعى إلى تحقيق مكاسب عسكرية كبيرة بحلول أواخر 2025. إن الاستعدادات التي يجب على كييف وشركائها القيام بها على مدى الأشهر القليلة المقبلة واضحة. وفي نهاية المطاف، إن قرار الناخبين الأميركيين في نوفمبر هو الذي سيحدد ما إذا كانت المرحلة التالية من الحملة العسكرية الأوكرانية ستؤدي إلى موقف تفاوضي قوي مع بوتين أو حرب عالقة في استنزاف طاحن، أو حتى تصعيد خطر.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى