كيف تنظر النخب السياسية والإعلام العربي لإصلاح القضاء في إسرائيل؟
يتفق المراقبون ووسائل الإعلام في العالم العربي على أن الإصلاح القضائي في إسرائيل سيكون له تأثير مستدام على إسرائيل. وهذا التغيير الكبير سيعيد رسم علاقة البلد (إسرائيل) بجيرانه.
مع العلم أن مناقشة هذا الإصلاح هي ظاهرة إعلامية بالدرجة الأولى، على الأقل بالنسبة للسلطة الفلسطينية، كما يقول شتيفين هوفنر، مدير مكتب مؤسسة كونراد أديناور الألمانية في رام الله، ويضيف في حوار مع DW “الكثير من الفلسطينيين لا يعتقدون أن هذا الموضوع ذو أهمية خاصة”. ويتابع هوفنر “صحيح أنهم يرون أن شيئا ما يتغير في إسرائيل نفسها، لكنهم لا يعتقدون أن ذلك سيؤثر عليهم. وفي هذا الصدد لا يهتم سوى جزء بسيط نسبيا بهذا الموضوع”.
أما الصحف في مناطق الحكم الذاتي فإنها تهتم كثيرا بالموضوع. فكتبت صحيفة “القدس” الواسعة الانتشار في مناطق الحكم الذاتي الأسبوع الماضي بعد إقرار الكنيست بندا أساسيافي مشروع قانون الإصلاح: “إن المجتمع الإسرائيلي يتحرك باتجاه تطرف سياسي، ليس موجها ضد الفلسطينيين فقط، وإنما يؤدي إلى صراعات مفتوحة داخل إسرائيل نفسها”. وبحسب الصحيفة فإن الحكومة الإسرائيلية يمكن أن تجمد هذه الصراعات من خلال شن “هجمات جديدة” ضد الفلسطينيين أو جنوب لبنان أو سوريا أو إيران. لكن تعليق الصحيفة لم يشر بأي كلمة إلى أن حزب الله ونظام الأسد وإيران بشكل خاص يهددون أمن إسرائيل.
ابتعاد دولي عن إسرائيل؟
ولن تكون للإصلاح القضائي تداعيات داخلية فحسب، وإنما ستكون هناك تداعيات خارجية أيضا، كما كتبت صحيفة “الأيام” المقربة من السلطة الفلسطينية والصادرة في رام الله يوم الاثنين (31 يوليو/ تموز). الصحيفة مقتنعة بأنه ينظر إلى الإصلاح القضائي في الخارج كبداية “لمرحلة ديكتاتورية” و”انهيار واسع” لمؤسسات الدولة الإسرائيلية.
وتضيف صحيفة “الأيام” بأن على البرلمانات والمؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني أن تعيد التفكير في علاقاتها مع إسرائيل. يبدو أن إسرائيل تنقلب الآن على الظروف التي تدين لها بتطورها وحتى بوجودها، حسب الصحيفة.
إضعاف القوة العسكرية؟
وفي نفس الاتجاه يذهب تحليل لموقع قناة الجزيرة القطرية، إذ يرى التحليل أنه من خلال الإصلاح يزداد الانقسام السياسي ومعه يزداد انعدام الأمن. إسرائيل “ستتخلى عن الكثير من عوامل قوتها، التي ضمنت وجودها حتى الآن” تقول الجزيرة. وهكذا ستتراجع القوة العسكرية للبلاد بعض الشيء.
ويشتم المتطرفون في المنطقة نسمات الصباح، مثل حسن نصر الله زعيم حزب الله الذي يصنف الاتحاد الأوروبي جناحه العسكري كمنظمة إرهابية: “هذا يضعهم (أي الإسرائيليين) على طريق الانهيار والتفتت والاختفاء، إن شاء الله”، حسب نصرالله.
ويجدر ذكره أنه في آراء عدد من الساسة ومقالات رأي بالعالم العربي وكتوجه أساسي، يتم التطرق فيها وبشكل متكرر إلى “القوة” كأساس لوجود إسرائيل. وبذلك فإن هذه التعليقات تنكر بشكل غير مباشر شرعية إسرائيل السياسية والقانونية، متجاهلة أسس القانون الدولي التي يقوم عليها وجود إسرائيل.
من جهته الصحافي والمحلل السياسي المغربي عبد الصمد بن شريف، الذي حاورته DW حول تصور الأزمة، يرى أنه، صحيح أن الإصلاح سيزيد التوتر الداخلي ويعقد الوضع في إسرائيل، لكنه لا يتصور أن الإصلاح سيشكل تهديدا لأمن إسرائيل أو تهديدا لوجودها. ويقول بن شريف في حواره مع DW “إنه مؤسف أن يهيمن التوجه اليميني على النخب السياسية والمجتمع الإسرائيلي، وأن تزداد الشعبوية الدينية”.
“إسرائيل رضخت لقواعد اللعبة بالمنطقة“
ويعلق الصحفي السعودي طارق الحميد على التطورات بشكل ساخر في صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية التي تتبع خط الحكومة في الرياض وتظهر نفسها دبلوماسية نسبيا تجاه إسرائيل: “اليوم يمكن أن نقول إن إسرائيل رضخت لقواعد اللعبة بالمنطقة، وأصبحت دولة شرق أوسطية بامتياز، حيث ثلث الناخبين يصوتون لأحزاب دينية”، كتب الحميد في تعليقه. والأزمة السياسية في إسرائيل تظهر أنها تتصرف لأسباب أيديولوجية ومصالح سياسية ضيقة حسب الآليات المنتشرة في المنطقة، حسب ما جاء في التعليق، الذي ختمه طارق الحميد بالقول: “الخلاصة هي أن إسرائيل رضخت لقواعد اللعبة في المنطقة، حيث الديمقراطية المشوّهة، واستخدام ورقة المتطرفين لتحقيق مكاسب سياسية”.
لا تأثير على اتفاقيات أبراهام
قبل نحو ثلاث سنوات وقعت دولتان في منطقة الخليج وهما دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين على اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل، والتي تعرف باتفاقيات أبراهام. ثم وقّع المغرب والسودان على اتفاقيات مماثلة. هل يمكن أن يؤثر الإصلاح القضائي على هذه الاتفاقيات وتنسحب منها الدول الموقعة عليها؟ هذا غير متوقع، تقول سينزيا بيانكو، الخبيرة بشؤون منطقة الخليج في مركز أبحاث المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية. وتضيف، في حوار مع DW، بالنسبة لاتفاقيات أبراهام يتعلق الأمر فقط بالعلاقات بين الدول الموقعة عليها و”لا يتأثر محتواها باختلاف الرأي حول السياسة الداخلية”.
لكن تتم مناقشة المسألة بشكل أكثر إلحاحا بين النخب السياسية في مناطق الحكم الذاتي، يقول شتيفين هوفنر، مدير مكتب مؤسسة كونراد أديناور الألمانية في رام الله، ويضيف أنهم “يدركون هناك، أنه تتم مناقشة قضية الهوية الوطنية الآن في إسرائيل”، والتي لم تتم الإجابة عنها بعد.
المصدر: DW.