كم حجم الابتزاز الذي سيتحمله الأردن؟!
كتب ابراهيم عبد المجيد القيسي في صحيفة الدستور.
من بين الريح التي لا يمكن للأردن أن ينحني لها؛ ريح التهجير، لكنه تحمل ويتحمل رياحا أخرى، والرياح أقل شدة وتهديدا من الريح، لكن الريح تسري، وتفوح رائحة الابتزاز منها، رغم كل كواليس ودهاليز السياسة والتحفظ، إلا أن العنوان الكبير هو التهجير، وقبل أيام برز خبر مشروع مطروح في الكونغرس الأمريكي «مجلس الحرب على العالم»، يتقصى إيجاد تشريع ملزم للحكومة الأمريكية بأن تلزم الدول العربية التي تتلقى المساعدات الأمريكية، باستقبال المهاجرين الفلسطينيين، ولا يعني هذا فقط الشعب الفلسطيني الذي يتآمر عليه العالم، ويشن حرب إبادة ضده، لإرغامه على الهجرة إلى الشتات، بل أيضا هذا سيشمل أي «تهجير للفلسطينيين» في المستقبل، بأن يجب أن يجري إلى الدول التي تتلقى مساعدات من أمريكا، وهي بالطبع خطوة «صهيونية» سيفعلها الأمريكان، لتنتشر في كل البرلمانات الأوروبية والأخرى التابعة لأمريكا وأوروبا… وسؤالنا في العنوان هو الجدير بإجابة أردنية هي «أم الإجابات».
فالكيان الصهيوني الذي يحتل فلسطين منذ قرابة 100 عام، ما انفك يطلق التصريحات والرغبات بجعل الأردن وطنا بديلا للشعب الفلسطيني، بعد أن تم الاستيلاء على أرضه، وجرت محاولات كبيرة لتهجيره إلى الشتات، ضمن مسلسل إجرام وإبادة يعرفها الجميع، وهو السؤال الذي أجاب عنه الأردنيون والفلسطينيون ألف مرة، بأن لا وألف لا، وكلا ومليون.. وهنا أذكر إجابة من نوع «ما إلنا مصلحة»، أطلقها جلالة الملك عبدالله الثاني، حين كان المتآمرون يخاطبون الأردن من أجل «صفقة القرن»، ويعرضون مبلغ 100 مليار دولار على الأردن آنذاك، فتلقوا «ما إلنا مصلحة» من ملك المملكة الأردنية الهاشمية، علما أن مثل هذه العرض تلقاه «السلطان» عبدالحميد، خليفة المؤمنين، بدايات القرن الماضي، وقامت الجماعات اليهودية بتقديم عرضها للخليفة، لقاء «منحهم فلسطين»، لكن السلطان رفض رسميا العرض، لكنه منحهم حق شراء الأراضي وتدشين المستوطنات، وتبعه ملوك ورؤساء عرب، قاموا «بمنح المساكين» موافقات ليستوطنوا فلسطين، بينما لم يقبل هذه العروض حليف بريطانيا آنذاك، وبطل الثورة العربية الكبرى الشريف حسين، فانقلب البريطانيون عليه، وأجهضوا مشروعه القومي الكبير، بل وعزلوه ونفوه، وأشعلوا الثورات في العراق وسوريا ضد الهاشميين، ورفضه أيضا من جاء من بعده من الملوك والأمراء الهاشميين، حتى يومنا هذا، وقد سمعنا عدة لاءات ملكية من جلالة الملك عبدالله الثاني، كما سمعنا «ما إلنا مصلحة».. فهل سنتنازل عن موقفنا الشجاع الكبير اليوم؟! بالتأكيد لن يحصلوا على مثل هذا التنازل مهما كلفنا الأمر من خسائر على صعيد المساعدات والدعم «الأمريكي والأوروبي والعربي».
لا نتحدث هنا إلا عن المملكة الأردنية الهاشمية، الدولة المستقلة، العضو في هيئة الأمم المتحدة، والمعروفة باستقلالها واستقلال وسيادة قراراتها الوطنية، ومنذ انطلاق حرب الإبادة البربرية ضد الفلسطينيين في غزة وسائر مساحات ومدن وقرى فلسطين المحتلة، والأردن يتلقى التهديدات و»العروض السرية»، للصمت على أقل تقدير، لكننا تابعنا جميعا ما تقوم به الدولة الأردنية على صعيد رسمي وشعبي ومؤسسات، وما يطلقه جلالة الملك وولي العهد ورئيس الحكومة ووزير الخارجية، ومجلس الأمة والنخبة كلها، من تصريحات سياسية، بمستوى تصريحات الحرب، لأنها ستكون حربا لو فعلتها أمريكا والكيان المجرم، فلن يقبل أردني أو فلسطيني لاجئا واحدا يجري تهجيره خارج وطنه فلسطين.
لغة الابتزاز الأمريكية أصبحت «مكشوفة»، وخطتهم من وراء حرب الإبادة مفتوحة على أكثر من سيناريو، وكلها سيناريوهات منسجمة مع معطيات حرب الإبادة، ومدى قبول العالم العربي والعالم الآخر لما يجري من جريمة وذبح للشعب صاحب الأرض التاريخي والشرعي، وهذا يتطلب من الأردن شعبا وحكومة ومؤسسات برفع الصوت أكثر رفضا للجريمة ولنوايا المجرمين، ولو قبل العالم كله أن يبيعوا «فلسطين» للصهيونية، فلن يقبل الأردن «عرض الخيانة» القذر، مهما بلغت التحديات والضغوط وحجم الابتزاز.