فورين بوليسي: أهم هدف لزيارة بايدن المقبلة للشرق الأوسط هو تقوية رئيس وزراء إسرائيل
قال الزميل البارز في وقفية كارنيغي للسلام العالمي أرون ديفيد ميللر إن إدارة الرئيس جوي بايدن تحاول الحفاظ على رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، فهي ترى في الزعيم الإسرائيلي المتطرف والذي يقود تحالفا هشا خيارا أفضل من عودة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو.
وأشار إلى تصريحات وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن، الذي سئل قبل أيام من أداء الحكومة الإسرائيلية القسم في حزيران/يونيو 2021، عن بينيت، وقال “أنا لا ألعب سياسة” و “سنعمل، كما فعلنا دائما، مع أي حكومة إسرائيلية موجودة”. فالكلام الذي يذكر بالتعبير “زوجة قيصر يجب أن تكون فوق الشبهات” يخفي وراءه واقعا معقدا.
فقد لعبت واشنطن على مدى السنوات وخلال فترات حرجة سياسة: ودعمت طرفا في عملية يانصيب رئاسة الوزراء أو تصرفت بطرق يفهم منها تقوية رئيس وزراء على حساب صعود او عودة آخر، وإدارة بايدن ليست استثناء في هذا. و”في الحقيقة، انظر لأول عام للرئيس جوي بايدن وكيف يكشف عن توجهه الرئيسي: عليك تجنب فعل أي شيء قد يخلق مشاكل لبينيت او يقوض تحالفه الهش لئلا تنهار الحكومة ويعود رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو”. وحدث هذا في وقت تصادمت فيه الكثير من سياسات بينيت مع إدارة بايدن. صحيح أن التركيز في زيارة بايدن للشرق الأوسط سيكون على السعودية إلا أن من بين أهداف الرحلة هي تعزيز رصيد تحالف بينيت المهتز.
ولسوء حظ بايدن وبينيت فليس من المحتمل أن تترك الزيارة أثرا إيجابيا على الإئتلاف الذي يعيش الآن على الوقت المستقرض.
ومن بين كل الأساطير المتعلقة بالعلاقات الأمريكية- الإسرائيلية هي أن إسرائيل لا تتدخل أبدا في السياسات الأمريكية وأن واشنطن تبتعد عن إسرائيل وسياساتها. ويعلق الكاتب أن السياسة في إسرائيل، وبلا شك معقدة. ومزح وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر قائلا إن إسرائيل ليس لديها سياسة خارجية ولكن محلية فقط. وفي معظم الأحيان يستطيع الرؤوساء الامريكيون ووزراء الخارجية الإبتعاد عن تعقيدات البلد، ولكن ليس دائما. ويقول إنه عمل على المحادثات الإسرائيلية- الفلسطينية لعقود مع الإدارات الجمهورية والديمقراطية، فقد كان شاهدا على محاولتين أمريكيتين، واحدة لإضعاف رئيس وزراء إسرائيلي وثانية لتقويته. ففي عام 1991، رفض الرئيس جورج هيربرت بوش ووزير خارجيته جيمس بيكر منح رئيس الوزراء الإسرائيلي يتسحاق شامير ملايين الدولارات في قروض إسكان، بسبب سياساته الإستيطانية، وهو تحرك أدى لهزيمته أمام يتسحاق رابين والذي حصل على التزام بالقروض خلال أشهر من انتخابه.
إدارة بايدن ترى في الزعيم الإسرائيلي المتطرف والذي يقود تحالفا هشا خيارا أفضل من عودة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو
وفي تدخل أكثر وضوحا عام 1996، قام الرئيس الأمريكي بيل كلينتون باستقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي شيمون بيريز في البيت الأبيض، وقبل شهر من المنافسة مع نتنياهو. وخسر بيريز لنتنياهو وبصوت عال. واعترف كلينتون في سنوات لاحقة أنه حاول مساعدة بيريز لأن سياساته المتعلقة بالتسوية السلمية كانت متوافقة معه. ثم جاء المتدخل الذي لا يتعب، دونالد ترامب الذي ظل يغدق الهدايا على نتنياهو طوال فترته الرئاسية، ورغم إحباطه من رئيس الوزراء الإسرائيلي. فقد اتخذ ترامب المدفوع بالسياسة المحلية والحصول على دعم الإنجيليين والظهور بمظهر أكبر داعم لإسرائيل، قرارات في أوقات حرجة لدعم نتنياهو في نتنياهو في حملات انتخابية، وزار إسرائيل في أول زيارة له بعد انتخابه وصلى في حائط البراق، وهو أول رئيس أمريكي يفعل هذا أثناء حكمه. هذا إلى جانب اعترافه بالقدس كعاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها ومارس ضغوطا شديدة على الفلسطينيين واعترف بسيادة إسرائيل على الجولان ( وهو تحرك أبقت عليه إدارة بايدن كما هو). والآن، وربما بهدوء أكثر من سلفه، فقد رمى بايدن بثقله وراء زعيم إسرائيلي. ويعلق الكاتب أن بايدن وبينيت من الصعب اعتبارهما صديقين متعاطفين، فرئيس الوزراء البالغ من العمر 50 عاما يعارض الإتفاقية النووية والدولة الفلسطينية وقدس مقسمة وداعم متحمس للإستيطان ومع ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية.
والسؤال هو: لماذا تضع أمريكا رهانا عاليا لدعمه ومنح حكومته هامشا كبيرا للمناورة في القضايا التي يعارضها بايدن؟ والجواب، هو أن بينيت، ليس نتنياهو، وهذه أخبار جيدة لبايدن وبأي معيار.
فالإدارة منشغلة بالقضايا المحلية، وآخر شيء يريده بايدن هو رئيس وزراء إسرائيلي يتدخل في السياسة الأمريكية ويقف مع الجمهوريين ويبدأ بطرح الملف النووي الإيراني.
وأكثر من هذا فسيصعد نتنياهو الداعم للإستيطان من عملية البناء في الضفة والقدس الشرقية. ويتذكر بايدن جيدا الصفعة التي تلقاها عندما زار إسرائيل كنائب للرئيس، حيث أعلنت حكومة نتنياهو عن بناء وحدات سكنية إضافية في القدس الشرقية. وكون تحالف بينيت مجموعة من المتطرفين وأحزاب اليسار والوسط هو تحول عن الإستفزازات التي يمثلها اليمين المتطرف. وهناك احتمال لنجاة الحكومة حتى عام 2023 حيث سيحل محله يائير لابيد، الذي يمثل تيار الوسط. ومنذ البداية كانت إدارة بايدن مصممة للرهان على بينيت، ولم ينتظر بايدن طويلا للإتصال به وتهنتئه، مع انه انتظر بعد تنصيبه رئيسا للإتصال بنتياهو بعد تنصيبه رئيسا. وكان بينيت المسؤول الأجنبي الوحيد الذي زار بايدن أثناء الفترة المحفوفة بالمخاطر في آب/أغسطس 2021، وفترة الإنسحاب الفوضوية من أفغانستان. ووصف بايدن أثناء اللقاء العلاقات الأمريكية- الإسرائيلية بـ “الشراكة التي لا تتزعزع”.
وعلى مدى العام الماضي، كان لدى بايدن استعداد، مثير للدهشة، لمنح بينيت فضيلة الشك وهامش مناورة وتجاوز الخلافات في القضايا الأساسية.
ويبدو أن بايدن تعلم من رئيسه السابق باراك أوباما الأ يضغط على إسرائيل علنا في القضايا المتعلقة بالتسوية مع الفلسطينيين. ورغم التزام بايدن بإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس، التي كانت بمثابة السفارة الأمريكية لدى الفلسطينيين وأغلقها ترامب عام 2019 إلا أنه كان بطيئا بتنفيذ قراره خشية التأثير على ائتلاف بينيت. ولا تزال مغلقة بعد عام من حكم بايدن. وفي موضوع النشاطات الإستيطانية، وحتى في عمق الضفة الغربية، لم تغير الإدارة من الواقع، والتزمت بالكلام المكرر وابتعدت في الوقت نفسه عن أي حديث لتجميد الإستيطان، والإبتعاد عن أي حديث يربط نشاطات إسرائيل الإستيطانية بالمساعدات الأمريكية. والعلامة الرئيسية في تعامل إدارة بايدن مع حكومة بينيت هي استمرار التنسيق والتأكد من عدم وجود تداخل أو خلافي علني.
وعلى خلاف التعامل بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو التي اتسمت بالخلافات والفوضوية، تبدو علاقة بايدن مع الحكومة الحالية ثابتة بدون أية مشاكسات. وفي كل يوم يزور مسؤول إسرائيلي واشنطن ومسؤول أمريكي يصل إلى إسرائيل. وهذا صحيح في الملف الإيراني حيث أطلعت إدارة بايدن إسرائيل على تطوراته وإمكانية العودة إليه لو نجحت المحادثات. وفرحت إسرائيل بموقف الإدارة عدم شطب الحرس الثوري الإيراني عن قائمة المنظمات الراعية للإرهاب، وهو مطلب إيراني رئيسي في المفاوضات.
يايدن منشغل بالقضايا المحلية، وآخر شيء يريده هو رئيس وزراء إسرائيلي يتدخل في السياسة الأمريكية ويقف مع الجمهوريين ويبدأ بطرح الملف النووي الإيراني.
وحتى في أوكرانيا، أعطت إدارة بايدن إسرائيل مساحة كبيرة للمناورة، فقد منعت المصالح الإسرائيلية في سوريا ووجود أعداد كبيرة من اليهود الروس في إسرائيل من إغضاب فلاديمير بوتين وتنفيره بفرض عقوبات عليه أو دعم أوكرانيا بأسلحة فتاكة. وعبر السفير الأمريكي في إسرائيل توماس نايدز، بمقابلة مع الكاتب وبشكل واضح أن الإدارة الحالية “تحب في الواقع هذه الحكومة” في إسرائيل. و”هذا جيد جميل”، مؤكدا أن المواقف الأمريكية والإسرائيلية متوافقة تماما في الموضوع الأوكراني.
ويرى الكاتب أن الحفاظ على حكومة بينيت ومنع عودة نتنياهو أولوية لإدارة بايدن. إلا أن وضع الحكومة التي تقف على حافة الإنهيار يعني أن جهد بايدن قد فشل. ولو افترضنا أن الحكومة لم تنهر وبقيت حتى زيارة بايدن الشهر المقبل، فربما رغب الرئيس الأمريكي بدعم وتقوية بينيت قدر المستطاع. وربما ساعد التقارير التي تتحدث عن علاقة تدريجية إسرائيلية – سعودية برعاية أمريكية. لكن الرحلة نفسها هي رسالة بحد ذاتها، فالإسرائيليون يمنحون رصيدا لقدرة رؤوساء وزرائهم على إدارة العلاقات الأمريكية- الإسرائيلية، مما يعني ان بينيت سينتفع من زيارة وتبني بايدن له، مع أنه لن يكون كاف لإنقاذ حكومته.