غزة تصغر.. والمأساة تكبر

كتب وليد عثمان في صحيفة الخليج.
سواء بقيت غزة على مساحتها، أم صغرت إذا نُفّذ المخطط الذي أعلنه يسرائيل كاتس، وزير الجيش الإسرائيلي، والقاضي بتقليص مساحة القطاع وجعله أكثر عزلة، فإن هذه المساحة المكلومة من الأرض ستبقى عنواناً لواحدة من أكبر المآسي الإنسانية.
هذه المأساة لا أحد يعرف آفاقها ولا ملامح نهايتها، خاصة أن النهاية الوحيدة المجمع عليها، وهي نهاية الحرب، لا تبدو وشيكة وسط مراوغات أطراف كثيرة معنية بها، وإمعان بعضهم في تضييع الوقت واستنزاف جهود التفاوض والوساطة من دون أن تفضي إلى شيء ذي معنى.
والمعنى المرتجى هو توفير الحد الأدنى من صور الحياة للفلسطينيين في غزة ومنحهم أملاً في لملمة جراح تتراكم منذ عام ونصف العام، بينما فرص وقف هذه الحرب العبثية تُهدر الواحدة تلو الأخرى لأغراض في نفس المنتفعين من استمرارها، والمنتظرين لأهداف أكبر وأعمق أثراً عند نهايتها.
يبدو الجانب الإسرائيلي الآن الأكثر إصراراً على إطالة أمد الحرب وقطع الطريق على أي توصل إلى أي اتفاق، لا لتحقيق أهداف تخفّى فيها منذ البداية مثل استعادة الرهائن وإنهاء وجود «حماس» في غزة، وإنما لإفراغها من بشرها مهما كانت الوسائل المؤدية إلى ذلك.
الثابت أن إسرائيل تضيّع الوقت في التفاوض ومناقشة اقتراحات ورفضها حتى يتحقق الهدف الأكبر، وهو تهجير سكان غزة، وهو هدف، كما هو معلوم، مدعوم أمريكياً، وتستخدم فيه الإدارة الأمريكية بدورها المراوغة القائمة على التأرجح بين موقف ونقيضه وفق رد فعل بقية الأطراف.
هذا الوقت الضائع في ما لا يؤدي إلى شيء ينهي مأساة الغزيين تستخدمه إسرائيل في توسيعها ووضع من تبقى منهم بين خيارين: الموت، والفرار.
وفي سبيل ذلك، لا تتورع إسرائيل عن أي فعل، سواء منع دخول المساعدات إلى القطاع أو الإجهاز على ما تبقى من نظام صحي فيه، بدءاً من ترويع المسعفين وقتلهم، وصولاً إلى العودة إلى قصف المستشفيات، أو بقاياها التي عادت إلى العمل رغم ضربها مرات قبل ذلك، في محاولة تقديم خدمة طبية للجرحى والمشرفين على الموت.
لا تنزعج إسرائيل من ردود الفعل الدولية الرافضة لاستهدافها المستشفيات وطواقمها، فهي ردود بدأت منذ اشتعال الحرب ولم تمنع يوماً الضرب المتعمد للمنشآت الطبية واعتقال بعض مسؤوليها وتعليل ذلك بأنها تخفي مسلحين أو أسلحة.
حين تمنع إسرائيل الآن تعافي مستشفيات في القطاع وتحجب خدماتها عن المصابين، فإنها ستكون أكثر استهتاراً بالإدانات وما تنطوي عليه من مواد القانون الدولي الإنساني والمواثيق والأعراف المجرّمة لهذه الأفعال. ولن تبرر إسرائيل تصرفاتها بتستّر المستشفيات على شيء أو أحد، فجغرافيا غزة التي تسعى إلى اجتزائها أو تصغيرها لم تعد قادرة على مداراة أي أمر إلا أنها عنوان مأساة كبرى.
لا تريد إسرائيل حلاً من خارج ثنائيتها: موت الغزيين، أو فرارهم، لتكتمل المأساة.