رأي

عدوان 2006: فشل رسم خرائط الشرق الأوسط.

كتب علي مطر في صحيفة الأخبار.

لم يكن عدوان تموز، الذي شنّه العدو الإسرائيلي على لبنان، وليد اللحظة. كما لم يكن بمحض الصدفة، فكان التحضير للانقضاض على المقاومة وبيئتها يجري على قدم وساق في الأروقة الداخلية بين واشنطن وتل أبيب، لبناء مشروع الشرق الأوسط الكبير، وإعادة رسم الخريطة التي كانت عليها دول الشرق الأوسط، بما يتناسب والهيمنة الأميركية في المنطقة، ويتقاطع مع مشروع إسرائيل الكبرى.

التحضير الأميركي للحرب
لقد بدأت الولايات المتحدة الأميركية تعدّ العدّة لشرق أوسط جديد، يكون لأمن «إسرائيل» فيه الأهمية الكبرى، بحيث تستطيع الإدارة الأميركية فرض إرادتها على دول المنطقة، للحفاظ على أمن الكيان الإسرائيلي. وبعد الحرب على أفغانستان بحجّة مكافحة الإرهاب، ومن ثمّ غزو العراق لإسقاط النظام العراقي، في مخطط لبقاء دائم للقوات الأميركية في الشرق الأوسط، كانت حرب لبنان، في تموز عام 2006، والتي تعدّ إحدى الحروب بالوكالة عن الولايات المتحدة، بهدف القضاء على حزب الله، وتدمير لبنان اقتصادياً ومحاولة تفتيته.
في الواقع، كانت عملية «إسرائيل» العسكرية في لبنان تعدّ الخطوة الأساس لتحقيق فكرة الولايات المتحدة عن قيام الشرق الأوسط الذي تريده، ليكون الكيان المؤقت فيه المركز السياسي والاقتصادي، مع تحقيق أولوية حماية أمن «إسرائيل».
لا شك أن عدوان تموز كان مخططاً له، وكما وصفه الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك، بأنه حرب لا تختلف كثيراً عن حرب تدمير العراق. إذاً، فالهدف الأميركي – الإسرائيلي المشترك تركّز حول إعادة رسم الخريطة السياسية والجغرافية للمنطقة. وقد أعلن رئيس وزراء العدو وقتها إيهود أولمرت، منذ اليوم الأول لبدء العمليات العسكرية في لبنان، أن هذه العمليات ستستغرق وقتاً، ولن تتوقف حتى تحقيق أهدافها. وهذا يعني أن ما يحددها كان تحقيق أهداف موضوعة سلفاً، ومتفق عليها مع الولايات المتحدة، ويؤكد ذلك الدعم الأميركي المطلق لـ«إسرائيل»، والذي بدا واضحاً منذ اللحظات الأولى لبدء تلك الأزمة، وذلك على النحو الآتي:


أ- تأكيد الرئيس الأميركي جورج بوش الابن أن «إسرائيل» لها الحق في الدفاع عن نفسها.
ب- إعلان وزيرة الخارجية الأميركية، كونداليزا رايس، قبيل توجّهها لحضور مؤتمر روما حول لبنان، ألّا حديث عن وقف إطلاق النار قبل أن ينسحب حزب الله لمسافة 20 كلم بعيداً عن الحدود، وإطلاق الجنديّين الإسرائيليّين، بالإضافة إلى قبول نشر قوات دولية في لبنان على طول الحدود اللبنانية مع «إسرائيل» ومع سوريا.
ج- تأكيد رايس أن «ما يجري هو البداية لشرق أوسط جديد». ولتنفيذ هذا التوجه الأميركي – الإسرائيلي، المتفق عليه مسبقاً، تعمّدت الولايات المتحدة، علناً، عرقلة الجهود الدولية والإقليمية لوقف إطلاق النار.
د- مسارعة واشنطن إلى مدّ «إسرائيل» بجسر جوي عسكري، ففي 22 تموز قامت بإرسال قنابل موجّهة بالليزر إلى «إسرائيل» لدعم حملتها الجوية ضد لبنان.
هـ- قامت واشنطن بحشد الرأي العام الدولي، حكومات وشعوباً، لكي يُتاح لها التدخل لفرض الشروط لإقامة ما سمّوه الشرق الأوسط الجديد، لا مقاومة فيه ضد كل ما هو أميركي وإسرائيلي في المنطقة، والتأكد في الوقت عينه من شلّ قدرة كلّ من سوريا وإيران، وخصوصاً في ما يتعلق بمجال حركتهما الرئيسة تجاه دعم المقاومة.

مراحل تطبيق الأهداف الأميركية الإسرائيلية
لقد أشار الباحثون وقتذاك إلى أنه إثر ما كانت تشهده أميركا من تعثّر واضح في العراق، وعودة لعمليات «طالبان» في أفغانستان، وعناد إيران النووي، وانزعاج عربي من السياسة الأميركية في العراق التي أتاحت لإيران التمدد وزيادة نفوذها، كان على الولايات المتحدة أن تضع حداً لذلك التراجع المتدحرج، ولتزايد الانتقادات لإدارتها السيئة للحرب على العراق، وأن تحقق انتصاراً مدوّياً يعيد خلط الأوراق في لبنان وفلسطين والعراق، ويجعل إيران أكثر انصياعاً للمطالب الأميركية – الأوروبية، ولكي يجعل هذا الانتصار الشرق الأوسط أكثر انسجاماً مع الرؤية الجديدة له (يمكن الرجوع إلى دراسة «التداعيات الإقليمية للحرب الإسرائيلية على لبنان» – مجلة «الدفاع الوطني اللبناني»). وكانت «إسرائيل» في الوقت نفسه تنتظر اللحظة المناسبة لإعادة الاعتبار لهيبة جيشها بعد الاندحار المذلّ من لبنان في عام 2000، وكذلك ترميم قدرتها على الردع.
وأشار بعض الخبراء الأميركيين إلى أن فكرة الشرق الأوسط الجديد تتحقق من خلال حل مشكلات المنطقة برمّتها، والتي تتمّ طبقاً للمراحل الآتية:
– المرحلة الأولى: إطلاق يد «إسرائيل» لتدمير كل الإمكانات العسكرية أو معظمها، والبنى التحتية لحزب الله وحماس، ثم يأتي دور الولايات المتحدة لتزعّم النظام العالمي في إصدار قرارات من مجلس الأمن، ظاهرها حلّ المشكلات وباطنها تدمير ما تبقّى من هذين العنصرين المناضلين، وتفكيك بنيتهما التحتية، والعمل على إقامة أنظمة سياسية في كل من لبنان وفلسطين لها روابط قوية بالولايات المتحدة والحلف الأطلسي.


– المرحلة الثانية: التوجه نحو سوريا وإيران من أجل إجبارهما على الانصياع للنظام العالمي. ويشمل هذا التوجه جميع الآليات الديبلوماسية والحصار الاقتصادي، واستخدام القوة العسكرية فيما لو تطلّب الموقف ذلك.
– المرحلة الثالثة: إعادة تشكيل المنطقة طبقاً للرؤية الأميركية، بدعم الدول الصديقة الموالية للولايات المتحدة ومساندتها.

فشل المشروع الأميركي الإسرائيلي
وفق ما تقدّم، قرّرت الولايات المتحدة إعطاء «إسرائيل» تفويضاً وفرصة أطول للقضاء على حزب الله، وإضعاف سوريا ولبنان كي يستكمل «الشرق الأوسط الجديد» مخاضه، ولكن بالرغم من كل ذلك التحضير، ودخول الحرب بدعم أميركي غير محدود، فقد وضعت الحرب أوزارها في الرابع عشر من آب 2006 بعد ثلاثة وثلاثين يوماً، من دون أن تحقّق «إسرائيل» الأهداف التي وضعت. فلم يُقضَ على حزب الله ولا نزع سلاحه، ولا أوقعت الهزيمة به. وبات من السهل الاستنتاج بأن كونداليزا رايس لم تنجح في التقدّم نحو «الشرق الأوسط الجديد» الذي توقّعت ولادته مع بداية الحرب. وأكثر من ذلك، لقد انفجرت الأزمة في «إسرائيل» بسبب الحرب على لبنان، إذ إن أداء الجيش الإسرائيلي كان مخيّباً لآمال قادته السياسيين والعسكريين، فلم يستطع تحقيق أهدافه العسكرية ضد قوة حزب الله، فلجأ إلى تدمير واسع في لبنان، شمل السكان والبنية التحتية. وعاشت «إسرائيل» وطأة الجدل حول كيفية تشكيل لجنة للتحقيق في مسار الحرب.


لقد تماثلت المصالح الأميركية – الإسرائيلية، خلال حرب تموز، دون أدنى شك، وقد تمثّلت في القضاء على المقاومة، ومن ثمّ تقسيم لبنان إلى دويلات طائفية، في مقدمة لإقامة مشروع الشرق الأوسط الجديد للحفاظ على أمن الكيان الصهيوني. ولكن لم تكن هزيمة أميركا و«إسرائيل» في حرب 2006 هزيمة ميدانية فحسب، بل إنها ارتقت لتكون هزيمة استراتيجية أجبرت أميركا على التقليل من عملها باستراتيجية القوة الصلبة. كما أن العمليات التي أدّت إلى أسر جنود إسرائيليين أوضحت ضعف كفاءة الجيش الإسرائيلي، وإهماله الإعداد المادي والمعنوي للمقاتل، وكذلك الخسائر التي منيت بها القوات الإسرائيلية في مدينة بنت جبيل. وهو أمر أزعج، بطبيعة الحال، الإدارة الأميركية، لأن الأهداف التي رسمتها مع «إسرائيل» لضرب حزب الله لم تتحقق. لذا يمكن القول إن المقولة الشهيرة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله (إن إسرائيل هذه أوهن من بيت العنكبوت) حفرت عميقاً في وجدان الكيان الإسرائيلي من قادته إلى مستوطنيه، فأصبح الرعب يلاحق هؤلاء بمجرد سماعهم اسم لبنان وحزب الله.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى