عداء إسرائيل للأمم المتحدة
كتب أ. د عبداللطيف بن نخي, في “الراي” :
بعد تصنيف وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في يوليو الماضي منظمة إرهابية، واقتراح قطع العلاقات معها، أقرّ الكنيست الإسرائيلي في يوم الاثنين الماضي مشروع قانون يحظر عمل أونروا في إسرائيل خلال 90 يوماً، بأغلبية 92 صوتاً مقابل 10 أصوات معارضة، كما أقر مشروع قانون يحظر الاتصال والتعامل مع هذه الوكالة الأممية، بأغلبية 87 عضواً مؤيداً مقابل 9 أعضاء معارضين.
العديد من دول العالم حذّرت من مغبّة تطبيق القانونين على الوضع الإنساني الحرج أصلاً والمتسارع في التدهور في غزّة، كالتحذير الذي جاء ضمن البيان المشترك الذي أصدره وزراء خارجية سبع دول، هي أستراليا وفرنسا وألمانيا واليابان وكندا وكوريا الجنوبية وبريطانيا. ولكن التصريح الأهم هو الذي صدر على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر (Matthew Miller) الذي حثّ إسرائيل على تجميد القانونين، محذّراً من الآثار السلبية المحتملة على إسرائيل «بموجب القانون الأميركي» عند تطبيق القانونين. حيث يحظر القانون الأميركي تقديم مساعدات عسكرية للدول التي تُقيّد المساعدات الإنسانية الأميركية.
من جانب أونروا، اعتبر المفوض العام للوكالة فيليب لازاريني (Philippe Lazzarini) أن تشريع القانونين من قبل البرلمان الإسرائيلي سابقة خطيرة، تتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة، وتنتهك التزامات دولة إسرائيل المقرّة بموجب القانون الدولي. وأوضح أن القانونين «سوف يعمّقان معاناة الفلسطينيين، خصوصاً في غزة حيث يعاني سكّانها منذ أكثر من عام من جحيم لا يوصف»، وأن هذين القانونين «سوف يحرمان أكثر من 650 ألف طفل وطفلة هناك من حقهم في التعليم، ما يعرض جيلاً كاملاً من الأطفال للخطر».
ومن جانب الوكالات الأخرى التابعة للأمم المتحدّة، أكّدت العديد منها استحالة إيجاد بديل عن أونروا، ومن بين هذه الوكالات منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف» العاملة في غزّة. حيث صرّح المتحدّث باسمها جيمس إلدر (James Elder) – المتواجد في غزّة منذ بداية الحرب – في مؤتمر صحافي «إنه من المرجح أن نشهد انهيار المنظومة الإنسانية في غزة إذا مُنعت أونروا من متابعة نشاطها»، وأضاف معلّقاً على القانونين بالقول «يبدو أن إسرائيل عثرت على طريقة جديدة لقتل الأطفال».
ومن جانب منظمات حقوق الإنسان الدولية، العديد منها استنكرت القانونين، وكانت من بين أبرزها منظمة العفو الدولية التي اعتبرت أمينتها العامّة أغنيس كالامارد (Agnes Callamard) أن القانونين يُشكّلان اعتداءً صريحاً على حقوق اللاجئين الفلسطينيين، وسيؤديان حتماً إلى تفاقم الأزمة الإنسانية الكارثية المتفاقمة أصلاً. وأضافت أن القانونين يتعارضان مع أمر محكمة العدل الدولية لإسرائيل بضمان وصول مساعدات إنسانية كافية، وتسهيل تقديم الخدمات الأساسية.
عداء إسرائيل لمنظمة الأمم المتحدة قديم ومستمر. حيث إن العديد من رؤساء الحكومات الإسرائيلية في العقود الأخيرة اعتبروا المنظمة معقلاً للمشاعر المعادية لإسرائيل، بل حتى المشاعر المعادية للسامية. ومنذ بداية الحرب في غزة، هذا العداء الإسرائيلي للمنظمة في تفاقم متوالٍ.
وقد يكون أغرب شواهد هذا العداء، قرار منع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (Antonio Guterres) من دخول إسرائيل، الذي صدر بعد الضربة الصاروخية الثانية التي شنتها إيران على إسرائيل، بدعوى أنه «فشل في إدانة» الضربة.
وأمّا الشاهد الأخطر على هذا العداء، فهو الهجمات التي شنها الجيش الاسرائيلي على قوّات حفظ السلام (التابعة للأمم المتحدة) في لبنان، «يونيفيل» (UNIFIL). حيث تعرّضت هذه القوات الأممية لنيران إسرائيلية مرّات عدّة، بذريعة استهداف مقاتلي «حزب الله»، وذلك بالتزامن مع المطالبات الإسرائيلية بإنهاء مهمة «يونيفيل».
لذلك، ينبغي أن نوظّف مظاهر هذا العداء، لاحتواء الدولة المارقة، من خلال مضاعفة الجهود الدبلوماسية والإعلامية الرسمية والشعبية الكاشفة والمستنكرة خروقاتها للنظام الأممي… «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».