طموحات إيرانية على مشارف الخط 23
العميد خالد حمادة – اللواء
في خطابه الذي سبق وصول الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الى بيروت أعلن أمين عام حزب الله أنّ الحزب يقف خلف الدولة اللبنانية وله كامل الثقة بمن يقوم بمهمة ترسيم الحدود البحرية. أسقط الرئيس ميشال عون الخط 29 من دائرة التفاوض وأثنى حزب الله على ذلك. وصلت الرسالة الى الوسيط الأميركي فلبّى الدعوة لزيارة بيروت. رئاسة الجمهورية التي انتظرت جواباً على مبادرتها لأكثر من أسبوعين تلقّت إتصالاً هاتفياً من الوسيط الأميركي، أتبعته السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا بجولة على المسؤولين الذين اكتفوا بوصف أجواء المفاوضات بالإيجابية دون أيّة تفاصيل إضافية. عدم حضور هوكشتاين الى بيروت عَنى أنّ ليس لديه ما يناقشه بل ما يمليه، وجولة شيا على المسؤولين عنت أنّ هناك ما يتجاوز الترسيم.
مسيّرات حزب الله التي حلّقت جنوباً وفقاً لبيانيْن – صادرين عن كلّ من الجيش الإسرائيلي وحزب الله ــ لم يتطرقا الى تجاوز المسيّرات للخط 23 ، بل شكّلا منصّة إعلانية لاستعراض القوة لكلّ من الطرفين، العدو الإسرائيلي عبر تهديد لبنان برد مدمّر وحزب الله بالتأكيد أنّ «الرسالة وصلت». الرسالة التي يؤكّد الحزب وصولها برغم سقوط المسيّرات والتي يجهل اللبنانيون مضمونها، تبدو لغة معتمدة بين مرسلٍ ومتلقٍ، تعيدنا بالذاكرة الى نماذج البيانات المتبادلة حول مزارع شبعا التي غالباً ما استُخدمت لمواجهات استعراضية متبادلة واستنفار المزاج الراكد لدى جمهور كلّ من الفريقين ليس أكثر.
أما التفسيرات التي طلبها الوسيط الأميركي حول معرفة الدولة اللبنانية وموقفها من إطلاق المسيّرات والتي لاقاها وزير الخارجية عبدالله بوحبيب بالإعلان: « أنّ إطلاق المسيّرات جرى خارج إطار مسؤولية الدولة وأي عمل خارج مسؤولية الدولة والسياق الدبلوماسي غير مقبول»، فهي ليست سوى تأكيد على التنصّل من المسؤولية وتجهيل الفاعل وعدم إعلان الرغبة في اتّخاذ أي اجراء، وهي دعوة مفتوحة للوسيط الأميركي لتشريع استقدام شريك من خارج إطار الشرعيّة اللبنانية يضمن نجاح المفاوضات ويؤمّن سلامة واستدامة الإستخراج والتطوير لأجلٍ طويل.
بهذا المنطق يمكن تعليل أسباب إطلاق المسيّرات من قَبيل إيجاد المقدّمات والظروف الموضوعية لتبرير المكتسبات التي تسعى طهران لتحقيقها لقاء وقوف حزب الله وراء الدولة اللبنانية والتسليم بإسقاط الخط 29 في مفاوضات الترسيم. وكذلك يمكن فهم تساؤلات الوسيط الأميركي من قَبيل التسويق لدور لطهران. ومن هذا المنطلق يمكن أيضاً القول أنّ عملية الترسيم التي تبدو متسارعة لتزويد أوروبا بالغاز قبل حلول الشتاء المقبل ستستكمل بتطوير القرار 1701 نحو خط أزرق بحري وإجراءات ميدانية معدّلة تقوم بها قوات اليونيفيل، وطبعاً لن تفوّت طهران الفرصة للعب دور الوسيط والإستثمار وربما الشراكة في الوضع الجديد.
وعلى خطٍ موازٍ تخوض طهران في سوريا وساطة أخرى مزدوجة المعايير عبْر وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان. اللهيان الذي تنتشر ميلشيات بلاده في سوريا منذ أكثر من عشر سنوات أمضى خلال الأسبوع المنصرم أربعة أيام في أنقرة قبل الإنتقال الى سوريا، في محاولة لإيجاد حلّ سياسي يثني تركيا عن شنْ عملية عسكرية جديدة لطرد قوات سوريا الديمقراطية الذراع الأميركية في شمال سوريا . تحاول طهران إجتراح دور يجمع بين عدائها للإنفصاليين الأكراد وطمأنة الولايات المتّحدة على حلفائها في سوريا ، وبين تحالفها مع النظام السوري والحفاظ على علاقتها مع تركيا.
تُظهر ايران سعيّاً للملاءمة مع الظروف الدولية الجديدة عبر تجديد وظيفتها الإقليمية، لكن حظوظ النجاح في ذلك لا تبدو كبيرة، فدون ذلك عقبات إسرائيلية وعربية ستكشف عنها الأسابيع القليلة القادمة. الجواب الإسرائيلي على الحراك الإيراني في سوريا تمثّل بقصف طرطوس بالتزامن مع وجود اللهيان في سوريا، التي وصلها عبر مطار دمشق الذي أُعيد للخدمة قبل أيام من وصوله نتيجة تعرّض منشآت عسكرية إيرانية لضربات جويّة إسرائيلية.
أما في شرق المتوسط فبالرغم من تحفيز الدول العربية على استخراج الغاز وضخّه نحو اوروبا لما لذلك من إنعكاس إيجابي على مصر التي ستستفيد من الإسالة وإعادة التصدير، إلا أنها في الوقت لن تقف مكتوفة الأيدي أمام محاولات واشنطن تطوير النفوذ الإيراني في شرق المتوسط تحت أي وازع كما وإعطاء المزيد من الأوراق لإيران في لبنان. هذا أيضاً ما تحاذر الولايات المتّحدة الوصول إليه لعدم إضافة مزيد من التعقيد الى علاقاتها العربية وهذا ما عبّرت عنه إسرائيل بإسقاط المسيّرات حفاظاً على تموّضعها الجديد في المنطقة.
لقد أقصى الإلتزام بالخط 23 لبنان عن المطالبة بحقوقه في غاز المتوسط ولكن مفهوم الخط المتعرّج في الترسيم أسقط مفهوم المنطقة المتنازع عليها التي لم تعدْ موجودة عملياً . ومقابل استخراج الغاز في كاريش برعاية أميركية، ستشارك الطموحات الإيرانية لبنان حقوقه في التنقيب عن الغاز والنفط شمال الخط 23.