“صاندي تايمز”: الهاربون من طالبان وجدوا أنفسهم بمنتجع باذخ على الأدريكاتيكي وانتظار طويل للتأشيرة الأمريكية
كان الأفغان الذين تجمعوا في مطار كابول الدولي للهروب من بلادهم بعد انسحاب القوات الأمريكية وسيطرة حركة طالبان على العاصمة الأفغانية يأملون بالوصول إلى الولايات المتحدة والإقامة فيها وبدلا من ذلك تلقوا ضيافة باذخة من أفقر دول أوروبا.
وكتب مراسل صحيفة “التايمز” ماثيو كامبل من ألبانيا قائلا إن سارة قادري كانت عالقة مع عائلتها في فوضى مطار كابول عندما أعلن مسؤول أمريكي أنهم يستطيعون ركوب الطائرة ولكن ليس إلى الولايات المتحدة.
وتقول قادري “بحثت عن المكان من خلال محرك غوغل” و”لم أسمع أبدا بألبانيا من قبل” وأخبرت العائلة أن الوجهة ستكون مؤقتة بانتظار استصدار تأشيرات السفر إلى الولايات المتحدة قريبا. وبعد خمسة أشهر لا تزال العائلات في ألبانيا، ولكنها ليست متذمرة. ففي الوقت الذي وصلت فيه عائلات أفغانية أمريكا قبلهم في سباق مع الزمن للهروب من طالبان، فقد وجدت عائلة قادري ومئات من العائلات الأفغانية ملجأ غير متوقع، ويمكن أن يوصف بأنه من مخيمات اللجوء الأكثر رفاهية في العالم، منتجع صحي وفندق على البحر الأدرياتيكي. وفيه ثلاثة مسابح وأجنحة فندقية مزودة بشاشات تلفزيون ضخمة مسطحة حيث تذوقت قادري طعم الحياة الجديدة بعد أفغانستان. و”لم أر البحر من قبل وكانت مثل إجازة”.
ويقول مجيب ميهرداد (36 عاما)، الذي كان يعمل محررا صحافيا “هنا نأكل وننام ونذهب إلى الشاطئ” و”هي راحة جيدة بعد ما شاهدناه في كابول” متذكرا التهديد بالقتل من متشددي طالبان الذين أغلقوا الصحيفة التي كان يعمل فيها. وبالنسبة لـ”الضيوف” الأفغان البالغ عددهم 1.600 أفغاني بمنتجع رفائيلو شينغجين، الواقع في شمال- غرب ألبانيا كانت الأيام الأولى فيه بمثابة صدمة ثقافية.
وأضاف ميهرداد “في الصيف كانت هناك نساء شبه عاريات بالبيكيني في المسبح وعلى الشاطئ وهو منظر غريب ومفاجئ للكثير من أبناء بلدي الذين جاءوا من ثقافة إسلامية تقليدية لا تسمح بهذا كله”. وينتظر وزوجته مولودا بعد 3 أشهر حيث يقول “آمل أن تلد في بلد يحقق أحلامها”.
وتعلق الصحيفة أن أمريكا وبريطانيا تخلصتا من شبح الانسحاب الفوضوي الفاشل من كابول في آب/ أغسطس العام الماضي حيث خلفتا وراءهما الكثير من الأفغان ممن عملوا مع الغرب تحت رحمة طالبان، لكن القصة المثيرة التي ظهرت من الفوضى والفشل هي ألبانيا، الدولة الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها الـ2.8 مليون نسمة والدولة الأفقر في أوروبا ترحيبا راقيا “ديلوكس” لأكثر من أربعة آلاف لاجئ أفغاني.
وقال سفير غربي في العاصمة تيرانا “لقد أخجلتنا ألبانيا”. وفي الوقت الذي ترددت دول باستقبال اللاجئين الأفغان، علاوة على وضعهم في فنادق من الخمس نجوم، فألبانيا الموالية لأمريكا والتي عاشت عقودا تحت نظام شيوعي صارم لديها تقاليد في تقديم العون للمحتاجين، من اليهود الفارين من النازية إلى اللاجئين من كوسوفو في التسعينات من القرن الماضي.
وجاء الدور اليوم على الأفغان الذين فروا من قسوة طالبان وهم مجموعة متعلمة وساسة وناشطات في العمل المدني. وكان رئيس الوزراء إيدي راما على مدرج المطار ليرحب بالقادمين. وقال للصحيفة “نعرف أن الحرب ليست أفلام نتيفليكس ولا أرشيف أسود وأبيض بل هي حقيقية” و”الهروب من السفاحين الذين يتمسكون بالسلطة أمر جربناه نحن”.
وأضاف أن الأفغان مرحب بهم لو أرادوا البقاء في ألبانيا حالة لم تف أمريكا بوعدها “أمر أمريكي عادي نسيان الأزمة بعد اختفائها عن سي إن إن وفوكس نيوز”.
وعبر الرأي العام الألباني عن ترحيبه أيضا باللاجئين الأفغان. وقالت أولتا جاكا، وزيرة الخارجية “هذه تقاليدنا ونريد نقلها للأجيال القادمة”. وبسبب الترحيب الغامر من الألبان فقد أغري البعض بالبقاء في البلد مثل نجيب هاشمي (38 عاما) وطبيب الأسنان الذي وجد عملا كمساعد في عيادة بتيرانا متخصصة بتوفير العناية للسياح الإيطاليين. وفي المنتجع خصصت مساحة للصلاة وممارسة الرياضة وتتوفر الفصول الدراسية لتعليم الإنكليزية للأطفال وهناك طبيب أفغاني من بريطانيا يقدم دورات في الإسعافات الأولية.
وتعلمت بعض النساء ركوب الدراجات الهوائية، وهي رياضة غير محبذة للنساء في المجتمع الأفغاني. ومهما كان امتنانهم فلا يريد اللاجئون في المنتجع الراقي البقاء منسيين في البلقان وبدأ الحماس للراحة على الأدريكاتيك بالتلاشي.
وتقول قادري التي عمل والدها طيارا مع الأمريكيين: “في البداية بدت كعطلة” ولكنها “أصبحت مملة”. ولتخفيف الملل رتبت الحكومة الألبانية لقادري وصديقتها هوسي أحادي وعدد من اللاجئين الشباب للدراسة في جامعة تيرانا حيث يواصلون دراساتهم في الزراعة بالإنكليزية وهم ينتظرون التأشيرة الأمريكية. وأوضحت قادري أنها كانت تعرف مصير عائلتها لو بقيت في أفغانستان نظرا لعلاقة والدها مع الأمريكيين، أما اليوم فتشعر براحة اللباس والنساء يخرجن بحرية دون حجاب. ولكنها تشعر بالإحباط من انتظار التأشيرة والأمر سيان لو انتهت في قاعدة عسكرية في قطر أو على متن رحلة تجارية للبلقان، وبناء على الفوضى والعشوائية التي شهدها مطار كابول.
ويبدو أن الأمريكيين يعطون الأولوية لمن نقلوا إلى قطر على من نقل إلى الملاجئ الراقية في البلقان، فقد وصلت عمة قادري إلى كاليفورنيا مع أنها غادرت بنفس الوقت. وفي أيلول/ سبتمبر قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن إن المسؤولين الأمريكيين سيرسلون إلى ألبانيا للبدء في التعامل مع تأشيرات اللاجئين، ولم يحدث أي شيء.
وقال جعفر، وهو أستاذ جامعي “توقفت العملية بسبب وجود طلبات متأخرة” و”يقولون إن العملية قد تستغرق عاما أو أكثر”. وأضاف “كل ما أردناه هو مغادرة أفغانستان” و”هذا أفضل من مخيم لاجئين، لا إطلاق رصاص أو طالبان”.
وغادر سياح الصيف حيث خلفوا الأفغان وحدهم وتقدم لهم وجبات الطعام في واحد من مطاعم المنتجع وتوفرها منظمات مثل “سبيرت أوف أمريكا” والوقفية الوطنية للديمقراطية.