رأي

سوريا والأكراد.. بين التنافس الأمريكي – التركي

كتب محمد السعيد إدريس في صحيفة الخليج.

السؤال المثير الذي لم يجد له إجابة صريحة حتى الآن هو كيف ولماذا تسرع رئيس المرحلة الانتقالية الجديد في سوريا أحمد الشرع في التوقيع على ما سمى ب «الإعلان الدستوري» يوم الخميس الماضي (13/3/2025) الذي يتضمن بنوداً تخالف ما اتفق عليه الشرع مع مظلوم عبدي قائد قوات «سوريا الديمقراطية» الكردية (قسد) يوم الاثنين (10/3/2025) الذي ينص على دمج «قوات سوريا الديمقراطية» في مؤسسات الدولة السورية بما فيها المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز، أي قبل ثلاثة أيام فقط من التوقيع وإصدار الإعلان الدستوري؟
السؤال يزداد غموضاً إذا عرفنا أن أحمد الشرع أشرف على تأسيس لجنة موسعة «للحوار الوطني» تضم معظم ممثلي المكونات العرقية والدينية والطائفية السورية لوضع أسس متفق عليها للحكم في سوريا ومنها بالطبع مسودة دستور سوري دائم.
لماذا تعجل الشرع في التوقيع على مسودة «الإعلان الدستوري» الذي أعدته لجنة مصغرة خلال أيام معدودة مضحياً بأهم إنجاز جرى تحقيقه منذ سيطرته على الحكم في سوريا وهو إعادة دمج مناطق شرقي الفرات التي تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) بواسطة جناحها العسكري المسمى ب «وحدات حماية الشعب» المدعومة من الولايات المتحدة والتي تسيطر على أهم مناطق الثروة المعدنية والنفطية والزراعية في سوريا؟
رد الفعل المباشر الذي أعلنت عنه «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) والذي تضمن رفضاً صريحاً للالتزام بهذا الإعلان الدستوري يمكن أن يؤدي إلى «نسف» الاتفاق الذي وقعه الرئيس أحمد الشرع مع مظلوم عبدي بدعم وضوء أخضر أمريكي. فقد وصفت الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرقي سوريا ذلك الإعلان الدستوري بأنه «تضمن بنوداً ونمطاً تقليدياً يتشابه مع المعايير والمقاييس المتبعة من قبل حكومة البعث، وأنه يتنافى مع حقيقة سوريا وحالة التنوع الموجود فيها، وأنه «يفتقر لمقاييس التنوع الوطني السوري ويخلو من حالة المشاركة الفعلية لمكونات سوريا الوطنية»، وأنه «يقوض جهود تحقيق الديمقراطية الحقيقية في سوريا».
وسارع «مجلس سوريا الديمقراطية» (قسد) إلى اعتبار «الإعلان الدستوري» لا يتماشى مع اتفاق «الشرع – عبدي»، ويشكل تراجعاً عن التفاهمات السابقة، في حين أعلن «المجلس الوطني الكردي» رفضه لهذا الإعلان «لأنه مكتوب بعقلية (أمة واحدة ودين واحد من دون ضمان حقوق المكونات القومية والدينية المتنوعة في البلاد».
وانضمت النخب الوطنية الكردية ورموز المجتمع الكردي إلى موكب رفض «الإعلان الدستوري» كونه، أي الإعلان الدستوري، «إعادة لإنتاج الديكتاتورية»، وأن أي «إعلان دستوري» يجب أن يكون «نتاج توافق وطني حقيقي وليس مشروعاً مفروضاً من طرف واحد».
هل يمكن أن يتطور موقف الرفض الكردي للإعلان الدستوري إلى انسحاب كردي من «اتفاق التفاهم» بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي الذي ينص على إعادة دمج مناطق شرق وشمال شرقي سوريا الواقعة تحت سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)؟ الإجابة حتى الآن غير محسومة على الرغم مما ورد على لسان زعيم المعارضة التركية رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال من أن «هناك خلافات بنيوية كبيرة فيما يتعلق بمحتوى الاتفاق»، واستناداً إلى تصريحات وردت على لسان المتحدث باسم «قوات سوريا الديمقراطية». وتحدث أوزال عن أنه «بحسب الاتفاق المعلن بين الشرع ومظلوم عبدي، سيتم تحول موارد النفط إلى الحكومة المركزية في دمشق وستنضم (قوات سوريا الديمقراطية) إلى الجيش السوري».
ولكن بحسب تصريح المتحدث باسم «قوات سوريا الديمقراطية» فإن «كل موارد النفط ستبقى معهم، ولن يدخل الجيش السوري المركزي مناطقهم أبداً، وسيتم رفع العلم السوري رمزياً في مناطقهم».
ما ذكره زعيم المعارضة التركية يكشف عن توجس تركي من الاتفاق، ناهيك عن تأكيدات مخاوف تركية من عدم التفكيك النهائي ل «وحدات حماية الشعب» الكردية الجناح العسكري لقوات سوريا الديمقراطية والتي تعتبرها تركيا إرهابية وأحد أجنحة حزب العمال الكردستاني التركي المعارض المصنف إرهابياً.
هذا الموقف التركي المتوجس من اتفاق الشرع مع عبدي، يضع تركيا وجهاً لوجه مع الولايات المتحدة التي رعت الاتفاق الذي جرى التوصل إليه بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي، ما يعني أن تركيا ضغطت على حليفها أحمد الشرع للإسراع بإصدار الإعلان الدستوري الذي يرسي قواعد دولة مركزية سورية ويقطع الطريق على حلم الدولة السورية الفيدرالية.
الخلاف الكردي مع دمشق من شأنه أن يتطور إلى خلاف تركي- أمريكي، الأمر الذي يضع علامة استفهام مهمة حول ما سيحدث مستقبلاً في سوريا.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى