
تيريز القسيس صعب.
خاص رأي سياسي…
لم يتمكّن اجتماع مجلس التعاون الخليجي الذي انعقد نهاية الأسبوع الفائت في جدة من الخروج بقرار موحد وحاسم يتعلق بمسالة إعادة سوريا إلى الجامعة العربية، بل طالب بيانها الذي صدر بعد الاجتماع التشاوري بضرورة عودة دمشق إلى محيطها العربي.
وكان لافتا ما صدر بعد الاجتماع من مواقف لبعض وزراء الخارجية المشاركين لاسيما الكويت وقطر، اللذين رفضا عودة سوريا بعيدا عن الاجماع والتوافق العربي، ما يدل على أن شرخا كبيرا ساد النقاشات، وان التباينات في وجهات النظر حول هذه القضية ما زالت هي المسيطرة، وان كل المساعي السعودية التي تبذل لحلحلة هذه القضية لم زالت تصطدم بحائط صلب يرفض العودة حاليا.
وقد اكد مرجع ديبلوماسي عربي شارك في اللقاء أن النقاشات والحلول التي طرحت بين المجتمعين كانت متنوعة ولم تقتصر فقط على موضوع عودة سوريا بل تخطتها لتتناول الاحداث في الأراضي الفلسطينية والاعتداءات الاسرائلية في المسجد الاقصى، وذلك بناء لطلب من وزيري خارجية الأردن ومصر اللذين اعتبرا أن القضية الفلسطينية هي قضية أولوية ومحورية بالنسبة إلى الدول العربية نظرا لخطورتها وتداعياتها على المنطقة.
وكشف المصدر الذي لم يشأ ذكر اسمه لموقع “رأي سياسي” أن وزراء خارجية الدول التسع اتفقوا فيما بينهم على أحقية كل دولة عربية في حرية تنشيط او اعادة تفعيل العلاقات الثنائية مع سوريا من باب المصلحة السيادية.
اما الكلام عن احتمال إعادتها إلى الجامعة العربية، ومشاركتها في أعمال القمة العربية المقبلة في السعودية، فهذا الامر مرتبط بشكل مباشر بالحل السياسي وبالخطوات التي من المفترض ان تبادر سوريا الى تنفيذها اولا لا سيما ما يتعلق بمسالة اعادة اللاجئين السوريين الى اراضيهم والمشتتين في دول الجوار لاسيما في الاردن ولبنان وتركيا وغيرها من الدول الاوروبية ايضا، والذين اصبحوا عبئاً ثقيلا ومكلفا على الدول المضيفة. هذه الاولوية يجب ان تنطلق منها دمشق اولا لتظهر حسن نواياها، وتعيد بناء ثقة المجتمع العربي فيها.
وأكد المرجع اعلاه ان الاتصالات والمشاورات واللقاءات الثنائية التي تحصل اليوم بين سوريا وعدد من الدول العربية لم تفض حتى الساعة الى إعطاء إشارة الموافقة الحتمية والنهائية للانطلاق في مطالبة سوريا العودة الى ملئ كرسيها الشاغر في الجامعة العربية منذ اكثر من عشر سنوات.
لكن هذا الامر لا يمنع اطلاقا اي دولة عربية من استئناف علاقاتها الديبلوماسية اذا ارتأت أن هذا الامر ضرورة ويصب في مصلحة البلدين.
جهود متواصلة
في المقابل يُلاحَظ ان السعودية، وبعد دخول الاتفاق السعودي- الايراني حيز التنفيذ، تقود جهودا جبارة لإعادة سوريا إلى حضن جامعة الدول العربية، وهي لحينه تحاول التفاوض عبر إقناع المعارضين لهذه العودة من تخفيض شروطهم وانتزاع موافقة مبدئية على حضور سوريا القمة ممثلة بالرئيس بشار الاسد او بوزير الخارجية فيصل المقداد.
وبحسب آخر المعطيات والاتصالات، فإن السعودية تحاول التفاوض مع الدول العربية المعارضة للعودة السورية، وذلك عبر عدم الامتناع على التصويت عند رفع الايدي في حال عرض هذا الامر في الاجتماع الوزاري المقبل لوزراء الخارجية العرب الذي سيعقد قبيل انعقاد القمة بايام، والاكتفاء بعدم التأييد، او الصمت.
الا ان هذا الطرح او هذه الرغبة السعودية تواجه برفض كلي قطري وكويتي، وتاييد أردني ومصري، وصمت من دول عربية أخرى، وتربطها بالحل السياسي الشامل لسوريا.
وفي هذه الحال يتوقع المتابعون ان تستمر السعودية في مساعيها إلى حين موعد انعقاد القمة، وهي تعول على الجهود “الديبلوماسية الصامتة” التي يقودها الوزير بن فرحان وفريقة قبل الوصول إلى مرحلة توجيه الدعوات العربية لحضور قمة الرياض.
كذلك الامر فان المعارضة العربية الجزئية للعودة تتقاطع مع مصالح دولية واقليمية، وضغوط خارجية داعية للاستمرار بعزل الأسد وفرض مزيد من العقوبات عليه جراء اعماله الوحشية بحق شعبه.
وفي حال نجحت السعودية باحداث تقدم في الايام والساعات التي تفصلنا عن موعد التاسع عشر من ايار المقبل، وتمكنت من خرق جدار المعترضين على عودة سوريا ومشاركتها في أعمال القمة، فإن الرسالة الوحيدة التي تستنتج من وراء ذلك، توافقات سعودية ايرانية في المنطقة قيد التنفيذ، وتراجعات للدور وللسياسات الأميركية في المنطقة، وانتصارات للدعم الروسي الايراني الذي وقف إلى جانب سوريا منذ اندلاع الحرب على اراضيها.
فالسعودية تسعى اليوم إلى طي صفحة النزاعات والحروب، وان تكون من اوائل الدول العربية الراغبة بتهدئة كل الصراعات المتأججة في المنطقة، وذلك لتمكنها من إنجاح مخطتها وجهودها ونظرتها التغييرية للشرق الاوسط.
غياب لبناني
على خط آخر، وعلى الرغم من ان اجتماع جدة كان مخصصا للبحث في عودة سوريا إلى الجامعة العربية، الا ان مواضيع عربية حساسة وملحة استجدت وطرحت من خارج جدول الأعمال وتضمنت البيان الختامي الذي صدر عن المجتمعين.
واستغربت مصادر سياسية في بيروت الغياب الكلي لذكر الوضع الداخلي اللبناني في بيان مجلس التعاون، مع العلم ان المسالة الفلسطينية وغيرها من المواضيع العربية كانت مدار مناقشة وتداول بين الوزراء العرب.
وقالت لموقعنا، بات مؤكدا ان الملف اللبناني وعلى الرغم من حركة الاتصالات والمساعي العربية، السعودية والفرنسية القائمة حاليا، فان معالجته لن تكون من الاولويات، نظرا لتقدم ملفات اقليمية اكثر دقة وحساسية لها تداعيات دولية واقليمية في الشرق الاوسط.
وعزت المراجع عدم تطرق البيان للوضع اللبناني بالقول: الاجتماع في جدة لم يكن مخصصا لذلك، وبالتالي هناك لجنة عربية ودولية تتابع المسالة الرئاسية اللبنانية، والديبلوماسيون المختصون بهذا الملف على تواصل مستمر، ومن المرجح أن تعقد اجتماعا آخر لها الشهر المقبل اذا كانت هناك من معطيات او اشارات متقدمة في الملف الرئاسي اللبناني .