رأي

روسيا والغرب.. واللعب بالنار

لا تتوقف الرسائل المتبادلة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي «الناتو»، وأغلبها يمر عبر صندوق الحرب الدائرة في أوكرانيا، فبعد ساعات من إعلان أمين عام الحلف ينس ستولتنبرغ تأييده الهجوم الأوكراني في منطقة كورسك دون المشاركة فيه أو العلم به، ردّت موسكو بنفي أي خطط لديها لمهاجمة أراضي «الناتو»، وذلك رداً على مخاوف غربية تزعم أن روسيا قد تستهدف دول البلطيق.
إدارة التواصل بين موسكو و«الناتو»، الذي يمثل المعسكر الغربي، ما زالت تحت السيطرة، ورغم التوتر الشديد الذي يشوبها في أحايين كثيرة، ظلت الكثير من الخطوات محسوبة بدقة، ومنها الموقف من التوغل الأوكراني في الأراضي الروسية، فقد نأت الدول الغربية بنفسها عن ذلك التطور، وأعلنت أنه قرار اتخذته كييف، وعليها وحدها تحمل تبعاته.
وبالتوازي مع ادعاء الحياد، هناك تشكيك علني في قدرة أوكرانيا على الاحتفاظ بالأراضي التي سيطرت عليها في كورسك الروسية، فضلاً عن أنها عملية تتطلب نفساً طويلاً كي تسفر عن نتائج سياسية وعسكرية، وهو ما لم يتحقق حتى الآن، بل إن هناك قلقاً غربياً من أن يكون ذلك التوغل مجرد حركة دعائية بلا أي فائدة حقيقة أو مكسب، وجرأة دفع إليها اليأس من تحقيق النصر، وهو ما عاد بنتائج عكسية.
منذ السادس من أغسطس/آب الماضي، تفاقمت خسائر أوكرانيا في ميدان الحرب الرئيسي في شرقي البلاد، وبات التقدم الروسي يتسارع نحو المناطق الاستراتيجية، ومنها مدينة بوكروفسك التي سيؤدي سقوطها إلى سيطرة روسيا على دونيتسك، وهي خسارة استراتيجية لا يمكن تعويضها لكييف في المدى المنظور.
التقدم الروسي هنا والاختراق الأوكراني هناك، جزء من هذه الحرب المعقدة، التي ما زال الغرب يحاول إنهاءها بإلحاق هزيمة بموسكو، أو على الأقل إهانتها بمثل التوغل في كورسك، ونظراً لانعدام التكافؤ في القوة، سيتعذر على كييف استعادة ما فقدت، وجاء دخولها إلى كورسك بمثابة الوقوع في فخ لعب فيه التمويه السياسي والعسكري من الجانب الروسي دوراً كبيراً.
ورغم أن الكثير من مجريات هذه الحرب خطرة، فإن الحذر يبقى مطلوباً، خصوصاً في ما يتعلق بالعمليات الأوكرانية التي بدأت تتجاوز، بتحريض غربي، الكثير من الخطوط الحمر الروسية، وهو ما قد يستدعي ردوداً غير متوقعة من موسكو تتجاوز أوكرانيا إلى حلفائها وداعميها الغربيين.
بعد عملية كورسك، قال الكرملين إن التفاوض مع كييف أصبح غير ممكن، إن لم يكن مستحيلاً، وهو ما أثر في الجهود الدولية المحدودة التي تسعى إلى جمع الطرفين على طاولة المفاوضات، وبعد استخدام أوكرانيا صواريخ وأسلحة غربية في استهداف مواقع حيوية في المناطق الروسية المتاخمة للحدود، عادت موسكو تتحدث، مرة أخرى، عن إدخال تعديلات على عقيدتها النووية رداً على تصرفات الغرب بشأن الصراع في أوكرانيا.
مثل هذا الإجراء ليس روتينياً أو طبيعياً، بل يأتي ضمن سياق عام من الإجراءات وردات الفعل الروسية، والمشكلة أن مثل هذه التطورات قد تحدث فجأة، وقد لا تتمكن الرسائل من حملها ولا الخطوط الهاتفية الساخنة من تأمينها، وعندما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إن الغرب بات يلعب بالنار، فإن هناك خشية من عواقب سيئة قد يصبح اللعب فيها ب«النووي» ولن يقتصر على النار.

المصدر: الخليج

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى