دولة لا تتدخل بشؤونها حتى تتدخل بشؤون الآخرين.
كتب طوني فرنسيس في صحيفة نداء الوطن.
أطرف ما يمكن أن يقوله مسؤول في الحكم، إنّ لبنان حريص على عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، خصوصاً الدول العربية الشقيقة!
جانب من هذا الكلام صحيح. لبنان لا يتدخل إنما يُمعن في إدخال الآخرين في شؤونه واستجرار إهتمامهم بشجونه. والدليل الدامغ هو تخلي الممسكين بخناقه عن واجبهم في انتخاب رئيس للجمهورية بانتظار أن تجد الدول الخمس «متصرفاً» مناسباً يتولى إدارته، وهذه مهمة باتت تلك الدول نفسها عاجزة عنها، بسبب تمسّك الدولة السادسة برؤيتها ومشروعها اللبناني، من دون أن يصدر عن جماعة عدم التدخل أي إشارة إلى دورها وتدخلاتها، مع أنّه في جعبتها الكثير لتقوله استناداً إلى تجربة رئاسيات 2016، ونتائجها التي أثارت الفرح في إيران بذلك النصر لـ»محور المقاومة» والهزيمة الكاسحة لـ»السعودية».
طبعاً الدولة السادسة المقصودة هي إيران التي يبحث مسؤولو الحكم عن موقعها على الخريطة ولا يجدونه. إنّها الأقوى في ميزان القوى الداخلي أمنياً وعسكرياً، وهي لا تبحث في تسوية تعيدها إلى ما قبل 2016، بل عن ترجمة مكتسبات حققتها في بنية السلطة وتكريسها في قضم مزيد من المواقع، وفي الوقت نفسه تجعل من نفوذها مدخلاً لابتزاز «الخماسية»، مجموعةً ودولاً، في عناوين تخصّها مباشرة، تتعلق بدورها في سوريا ومواقع عربية أخرى، وبعلاقاتها مع أميركا وأوروبا والأمم المتحدة، وقبل ذلك بدول المجموعة العربية والخليجية.
لم يعد سراً أنّ العلاقات الإيرانية مع الأطراف المذكورة تشهد توترات جديدة، وتبلغ هذه التوترات ذروتها في 18 تشرين الأول المقبل، موعد انتهاء مفاعيل عقوبات الأمم المتحدة المفروضة على إيران.
وحتى ذلك الموعد ليس في يد إيران، كما اعتادت وعوّدت، سوى تصعيد التوترات سعياً للحصول على مكاسب تنعكس انفراجات في اوضاعها الداخلية، ولبنان الذي لا يزال يثير اهتمام العرب والعالم، ليس سوى ساحة ملائمة لممارسة الضغوط وإرسال الرسائل، وهذا ما نشهده الآن في ظل «الدولة التي تحرص على عدم التدخل في شؤون الاخرين».
كان الأفضل عدم اللجوء إلى ذلك التعبير الفضفاض، الذي يتم اللجوء إليه، فقط، في حالة «الاعتذار» عن شيطنة بعض الأبناء ضد الدول الخليجية، وكان مستحباً بدلاً منه الاعتراف بأننا دولة، لكثرة طيبتها، تنأى بنفسها عن التدخل في شؤونها الخاصة، وهذا ما هو مطلوب منها أولاً وأخيراً، حتى يأتي الوقت الذي يفوز فيه لبنان بدولته وبعودة مؤسساته إلى الحياة.