خنجر هندي في ظهر إيران؟

كتب عبد المنعم علي عيسى في صحيفة الأخبار.
قد تكون العلاقة ما بين تل أبيب ونيودلهي من أكثر العلاقات التي تثير كمّاً من التساؤلات وإشارات الاستفهام يكاد لا ينتهي.
فالبلدان متباعدان جدّاً بعوامل الجغرافيا. أمّا العوامل التاريخية، فلا وجود لها أساساً، بل على العكس فإنّ هذي الأخيرة يفترض أن تلعب عاملاً سلبياً في تلك العلاقة قياساً للمشتركات القائمة ما بين الهند وبين العرب، خصوصاً أن الطرفين جمعهما، منذ الربع الأول من القرن العشرين، الحراك من أجل الاستقلال ضد مستعمر واحد هو بريطانيا.
في العموم، يمكن القول إن العلاقات الإسرائيلية – الهندية مرّت بمرحلتين اثنتين، أولاهما تمتدّ من مرحلة نشوء الكيان أيار 1948 وتنتهي مع أفول نجم حزب «المؤتمر الوطني» أواخر الثمانينيات من القرن الماضي. والثانية، تبدأ مع وصول حزب «بهاراتيا جاناتا»، إلى سدّة السلطة في نيودلهي شهر تموز من عام 2014.
إذ دائماً ما عُرف ذاك الحزب القومي الهندوسي الذي لا يخفي عداءه للإسلام والمسلمين، بعلاقاته الوثيقة مع الأحزاب والتيارات السياسية الإسرائيلية مع طغيان واضح لعلاقته مع «الموساد». والجدير ذكره هنا أنّ جذور تلك العلاقة تمتدّ إلى عام 1965، كما تشير آلاف الوثائق الإسرائيلية التي أفرج عنها وأصبحت متاحة قبل سنوات عدة، والتي عرض لأهمّها تقرير موسّع لصحيفة «هآرتس» كانت قد نشرته شهر آذار من عام 2024.
رسم جمال عبد الناصر أطر العلاقات العربية الهندية ومساراتها منذ مطلع الخمسينيات، والشاهد هو أنها شهدت تحسّناً كبيراً في أعقاب تأسيس منظمة «دول عدم الانحياز» الذي جرى عام 1955 على أرض هندية، ورغم أن زعماء «المؤتمر الوطني» كانوا معجبين بـ«النموذج» الإسرائيلي.
حتى أن أشهرهم، أنديرا غاندي، كانت تردّد عبارة والدها الشهيرة: «إسرائيل مثال يحتذى في مكافحة الاستعمار، وقد شكّلت حركة التحرّر الصهيونية مصدر إلهام وقدوة للشعب الهندي خلال سنوات كفاحه للتحرّر من الاستعمار البريطاني».
ورغم أيضاً أنّ واشنطن كانت ترى في تلك المنظمة «أداة» مفيدة، حيث سيرد في تقرير لجهاز «السي آي إيه» أن «منظمة دول عدم الانحياز هي أكبر خدمة لمصالح الولايات المتحدة كونها أبعدت أكثر من نصف العالم عن خطر الشيوعية»، إلا أن عبد الناصر كان يرسم علاقاته الدولية، وفقاً لما رواه محمد حسنين هيكل، انطلاقاً من نظرية بسيطة يتبنّاها أهل الصعيد في مصر في مداواة أنفسهم، وهي تقوم على ربط شعرة من ذيل الحصان حول «البثور» التي تنشأ على الجلد، الأمر الذي يؤدّي، بمرور الوقت وانقطاع الدم عنها، إلى تساقطها تلقائياً. وفي النهاية، لم تكن العلاقة الهندية الإسرائيلية، في ذلك الوقت، وفقاً لرؤية ناصر، ذات طابع «خطر» على ذلك «التبنّي»، أقلّه في الملامح التي كانت تطفو على السطح.
كشفت وثائق جهاز الاستخبارات في ألمانيا الديموقراطية «شتازي»، والتي أفرج عن الكثير منها ما بعد سقوط جدار برلين عام 1989، عن أن علاقة «الموساد» مع الهند كانت قد بدأت صيف عام 1967، وأن أنديرا غاندي، التي كانت رئيسة لوزراء الهند آنذاك، هي من طلبت من إسرائيل «بناء جهاز مخابرات وطني هندي على غرار الموساد»، وأن ذلك الجهاز، الذي عرف باسم «جناح البحث والتحليل»، سيرى النور عام 1968. وتشير الوثائق إلى أن هذا الأخير كان له، من حيث التركيب وآليات العمل، شبيهان فقط: «الموساد» الإسرائيلي و«السافاك» الإيراني.
وتعرِض إحدى الوثائق لتعاون «الموساد»، وكذا «الشاباك»، مع «جناح البحث والتحليل»، فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، على «قتال وسحق الحركات الفلاحية الهندية (التي كانت تسمّيها السلطات الهندية بالماوية) التي تتصدّى لحكم الأوليغارشية الهندي والشركات المتعددة الجنسيات في مقاطعة نكسالباري شمال شرق الهند».
ما بعد عدوان 13 حزيران الجاري على إيران، أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية، نقلاً عن مصادر أمنية رفيعة، أن «الموساد» كان قد «أنشأ قاعدة عسكرية داخل إيران»، وقد تم «تخزين مسيّرات مفخخة فيها منذ وقت طويل»، وإنّ هذه الطائرات «استُخدمت في الهجوم على منشآت عسكرية ونووية في إيران يوم 13 حزيران».
كما ذكر عماد آبشناس، الباحث الإيراني، أنّ «معظم عمليات الاغتيال التي نفذتها إسرائيل، خاصة في طهران، تمّت عبر المسيرات التي هرّبها عملاء إسرائيل إلى الداخل الإيراني». والجدير ذكره هنا في هذا السياق أنّ مصادر أوروبية كانت قد ذكرت أن «جهوداً استخباراتية إسرائيلية بذلت منذ سنوات في الداخل الإيراني، وهي التي ساعدت في الإطباق المبكر على مجموعة من الأهداف الإيرانية البشرية والعسكرية».
قد يحتوي الكثير ممّا سبق على جانب غير قليل من الحقيقة التي راح يعمل على خلطها بالزيف لكي يصبح «الخليط» الناتج عنهما من النوع الخادم لعملية «الأسطرة» التي تغوص عميقاً في الذات الجمعية للإسرائيليين، ولكن اللافت هنا هو أن ثمّة تقارير تفيد بأن ثمة هنوداً يعملون مع الموساد أو جهاز الاستخبارات الهندي بين مَن جرى ضبطهم حتى الآن في أقبية سرّية جنوب طهران، وأماكن أخرى، ممّن كانوا يقومون بتصنيع الدرونات الانتحارية للتخريب الداخلي.
يمكن الجزم، استناداً إلى ما قد يمثّل حلولاً لكلمات متقاطعة في لوحة شديدة التعقيد، أن انحياز الهند إلى إسرائيل في صراعها المزمن والراهن مع إيران، هو خيار إستراتيجي تطمح نيودلهي عبره إلى إيجاد تلاقيات مشتركة مع تل أبيب ضد المشروع النووي الباكستاني.
كما يمكن الجزم بأن الهدف التالي، وفقاً لذلك الطموح، هو «منشأة كويتا» النووية الباكستانية، التي سبق أن جرى طرح عملية استهدافها بين البلدين منذ ثمانينيات القرن الماضي، وفقاً لوثائق جهاز الاستخبارات الألماني الشرقي آنفة الذكر.



