رأي

حراك أميركي كثيف في ليبيا بلا نتائج واضحة

كتبت منى المحروقي في صحيفة العرب.

قد تبدو ويليامز ظاهريا فشلت في تحقيق الهدف الذي جاءت لأجله وهو ضمان إجراء الانتخابات في ليبيا لكن هذا الهدف لا يبدو أولوية أميركية على عكس ما يتواتر من تصريحات.

جانبت السفيرة الأميركية المعينة حديثا جينيفر جافيتو الواقع عندما تحدثت عن غياب دبلوماسي لبلادها في ليبيا بسبب عمل السفارة من تونس بدل طرابلس. فمنذ سنوات وقبل حرب طرابلس بقليل قررت الولايات المتحدة التخلي عن سياسة الانكفاء الدبلوماسي التي انتهجتها عقب مقتل سفيرها في بنغازي كريستوفر ستيفنز.

هذا القرار لا تعكسه فقط تحركات المبعوث الأميركي ريتشارد نورلاند والقائم بأعمال السفارة جيرمي برنت، وإنما أيضا الاختراقات الأميركية المتتالية للبعثة الأممية التي يبدو أن واشنطن تريدها مظلة لتحركاتها.

بدأ الأمر مع تعيين الدبلوماسية الأميركية ستيفاني ويليامز في 2018 نائبة لرئيس البعثة الأممية آنذاك غسان سلامة. غطت أنشطة ويليامز وتحركاتها على حضور سلامة الذي اضطر لاحقا للاستقالة وهو ما أفسح الطريق أمامها للسيطرة بشكل مباشر على البعثة الأممية.

عملت ويليامز أثناء وبعد حرب طرابلس جنبا إلى جنب مع نورلاند وبدا أنهما المتحكم الرئيسي في العملية السياسية رغم التغيرات التي طرأت على الأرض وتزايد نفوذ كل من روسيا وتركيا بعد تدخلهما العسكري.

هندست ويليامز ملتقى الحوار الوطني وانتزعت هيمنة مجلسي النواب والدولة عليه من خلال إشراك أطراف اجتماعية وقبلية في عملية انتخاب سلطة جديدة بعد حرب طرابلس التي انتهت باختيار عبدالحميد الدبيبة رئيسا للحكومة ومحمد المنفي رئيسا للمجلس الرئاسي.

يرى الجميع أن مهمة ويليامز انتهت مع انتخاب رئيس جديد للبعثة الأممية قبل أن تعود في 2021 بصفتها مستشارة خاصة للأمين العام للأمم المتحدة. قد تبدو ويليامز ظاهريا فشلت في تحقيق الهدف الذي جاءت لأجله وهو ضمان إجراء الانتخابات في ليبيا، لكن هذا الهدف لا يبدو أولوية أميركية على عكس ما يتواتر من تصريحات. الوضع الأمني والعسكري هو الأكثر أهمية لدى واشنطن.

ضمنت ويليامز أهم شيء قبل مغادرتها لمنصبها وهو منع سيف الإسلام ابن العقيد الراحل معمر القذافي من الترشح والعودة إلى حكم ليبيا من جديد. لا ينبع رفض الأميركيين والغرب بشكل عام لعودة سيف القذافي من اعتباره ورقة محروقة بعد سقوط نظام والده، ولكن أيضا لتقاربه مع روسيا التي يقال إن “الأزلام” ومن خلفهم سيف الإسلام بالتأكيد هم من ضغط على حفتر خلال حرب طرابلس للاستعانة بفاغنر وتعزيز العلاقات مع موسكو.

تستكمل اليوم الأميركية من أصل لبناني ستيفاني خوري التي عينت مؤخرا ما بدأته ويليامز. جاء تولي خوري لمنصبها قبل أشهر بالتزامن مع استقالة المبعوث الأممي عبدالله باتيلي من منصبه وهو ما يخول لها قيادة العملية السياسية.

 تتحرك خوري التي يأتي تعيينها استكمالا للاختراقات الأميركية للبعثة الأممية واضعة الملف الأمني والعسكري على رأس أولوياتها، وهو ما تعكسه اللقاءات المكثفة مع القادة العسكريين والأمنيين.

افتتحت خوري مهمتها باجتماع مع اللجنة العسكرية 5+5 في تونس. هذه اللجنة أسستها ويليامز خلال مؤتمر برلين سنة 2020 وتضم 5 قيادات عسكرية تابعة للجيش بقيادة خليفة حفتر و5 قيادات عسكرية تابعة للجيش الموالي لحكومة طرابلس.

أما بالنسبة إلى نورلاند فلا يفوت أسبوعا تقريبا دون أن يجري لقاءات واجتماعات مع أطراف ليبية أو سفراء دول أخرى في ليبيا. يتدخل في أشياء كثيرة ويحاول طوال الوقت الظهور كما لو أنه طرف محايد يمسك عصا الأزمة من المنتصف فتراه حينا يوجه بكيفية صرف المصرف المركزي للموازنات وحينا آخر يرتب لاجتماعات تتعلق بتوحيد الجيش.

لكن اللافت أكثر هو تراجع حدة الغضب الأميركي من حفتر رغم تقارير كثيرة عن تطور الوجود الروسي شرق ليبيا، من وجود غير مباشر عن طريق مجموعة فاغنر إلى وجود شبه معلن قد يتحول إلى معلن في أي لحظة في ظل ما يتواتر من أنباء عن قرب نشر عناصر من الفيلق الأفريقي الروسي ووصول أسلحة ومعدات روسية.

من الواضح أن هناك توجها أميركيا نحو احتواء حفتر واسترضائه سواء من خلال اتخاذ خطوات نحو تشكيل حكومة جديدة أو عن طريق حث المصرف المركزي على تحويل مبالغ للسلطات في المنطقة الشرقية وهو ما يقوم به، على ما يبدو، المحافظ الصديق الكبير، حيث تم رصد البدء في تنفيذ عدد من المشاريع سواء المتعلقة بإعادة الإعمار أو مشاريع تنموية. ويأتي ذلك بينما أوقف الكبير التحويلات لحكومة عبدالحميد الدبيبة وهو مطلب كثيرا ما كرره مسؤولون من شرق البلاد، معتبرين أن الدبيبة يستخدم المال العام لاستمالة الشارع في سياق حملة انتخابية مستمرة تجعله جاهزا للترشح في أي لحظة يتم فيها التوافق على موعد للانتخابات.

وينضوي استرضاء حفتر ضمن سياسة أوسع للولايات المتحدة تهدف إلى منع توسع النفوذ الروسي في ليبيا حيث تأكدت أن العناد وتجاهل مطالب المنطقة الشرقية لن يكونا في مصلحتها. لكن هذا الاسترضاء غير معروف ما إذا كان سيأتي بنتيجة، حيث لا تتوقف التقارير الغربية عن الحديث عن اقتراب الإعلان عن دور عسكري روسي رسمي في ليبيا على ضوء الزيارات المتكررة لنائب وزير الدفاع الروسي يونس بيك يفكيروف.

لكن المشاكل الأميركية في الحقيقة لا تتمثل فقط في النفوذ الروسي أو الصيني الذي أشارت إليه جافيتو خلال بيان أمام لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ بل أيضا في الهيمنة العسكرية التركية على غرب ليبيا حيث تحتل تركيا عددا من القواعد غرب البلاد وهو وضع بالتأكيد لا يروق لا للولايات المتحدة ولا الغرب ومن غير المستبعد أن يكون الأتراك هم من يعطل مشروع الفيلق الغربي- الليبي في المنطقة الغربية الذي تحدثت عنه تسريبات كثيرة الفترة الماضية.

تلك التسريبات بالإضافة إلى الحديث عن نشر عناصر من شركة أمنتيوم في مواقع في طرابلس مثل مطار امعيتيقة أثارت ضجة كبيرة في ليبيا وأججت المخاوف من اندلاع حرب جديدة تقودها قوات المنطقة الغربية بدعم أميركي – أوروبي على المنطقة الشرقية والجنوب بهدف طرد قوات فاغنر التي من المفترض أن يتغير اسمها قريبا إلى الفيلق الأفريقي – الروسي.

لكن تلك الضجة سرعان ما تبددت مع توقف الحديث عن الفيلق الغربي – الليبي ليحل محلها الحديث مرة أخرى عن محادثات لتشكيل حكومة جديدة تشرف على إجراء الانتخابات تدعمها الولايات المتحدة.

الولايات المتحدة تتحرك في ليبيا أكثر من أي بلد آخر ويباشر فريقها الدبلوماسي العمل من العاصمة طرابلس، لكن الحكم على نتائج هذه التحركات يبدو صعبا. ففي حين أنها لا تحقق نتائج واضحة وحاسمة وهو ما يعده البعض فشلا خاصة أمام تمدد نفوذ روسيا وتركيا، إلا أن تحكّم واشنطن بزمام العملية السياسية يمكّنها بالتأكيد من لعب دورها المفضل بإدارتها الصراعات بدل حلها.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى