جولة بلينكن وإفريقيا المتغيرة
كتب مفتاح شعيب في صحيفة الخليج:
لم تجد جولة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في دول إفريقية ما يفترض من متابعة وتسليط للأضواء، ليس لانشغال العالم بالحرب الإسرائيلية على غزة والصراع الدائر في أوكرانيا، ووقوف الغرب في مفترق طرق بسبب التقلبات الجيوسياسية المتسارعة، وإنما لأنه وصل متأخراً، فإفريقيا باعتبارها جزءاً من هذا العالم، لم تعد كسابق عهدها، وانخرطت في موجة التغيير، وتعيش ثورات، غير ملونة، للتحرر من حقبة الإقصاء والتهميش.
قبل عشرة شهور زار وزير الخارجية الأمريكي دولاً إفريقية بجنوب الصحراء، منها النيجر، التي أشاد بها كحليف ديمقراطي، وبعد مغادرته بأربعة أشهر أطاحت مجموعة عسكرية الرئيس محمد بازوم، لتشكل النيجر مع مالي وبوركينا فاسو المجاورتين رأس حربة في وجه النفوذ الغربي، وتمردت الدول الثلاث على فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، وطردت قواتها وبعض شركاتها الاستثمارية، وحظيت بالمقابل بدعم عسكري غير محدود من روسيا، واقتصادي من الصين. وقبل جولة بلينكن، كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد زار شمال إفريقيا، وبعده بأسابيع زار وزير الخارجية الصيني وانغ يي مصر وتونس وتوغو وساحل العاج، ولم تكن هذه الجولات للسياحة والنزهة، بل لتمتين روابط المحور الشرقي مع الدول الإفريقية كافة، لا سيما في هذه المرحلة التي تشهد نفور دول الجنوب العالمي من سياسات القوى الغربية التي ظلت أسيرة أوهامها بالسيطرة المطلقة على العالم، بينما الواقع عكس ذلك تماماً، فالحضور الأوروبي والأمريكي في إفريقيا يتدهور بشدة، بينما الدور الروسي الصيني يحظى بمصداقية وارتياح، رغم حملات التشويه والتحريض التي يقوم بها الإعلام الغربي.
الهدف المعلن لجولة بلينكن كان التصدي لنفوذ موسكو وبكين المتنامي في إفريقيا، إضافة إلى تعزيز الشراكات الأمنية والاقتصادية مع الدول التي استضافته، الرأس الأخضر وساحل العاج ونيجيريا وأنغولا، وهي دول لا تتمتع بعلاقات استراتيجية مع واشنطن، لكنها تقف في منتصف الطريق بين الشرق والغرب، وتخشى من رياح التغيير التي تجتاح القارة بأكملها، وهي تطورات تنظر إليها الولايات المتحدة بتخوف كبير.
لن تفضي جولة بلينكن إلى تحقيق الأهداف المرجوة، تماماً كجولاته الماضية، وكنتائج الجولة التي قامت بها نائبة الرئيس كامالا هاريس في مارس (آذار) الماضي، وكما فشل الرئيس جو بايدن نفسه في الوفاء بوعوده لقادة أفارقة استضافهم في واشنطن عام 2022، فالولايات المتحدة، المشتتة على أكثر من أزمة عالمية وإقليمية وداخلية، لم تعد لها حظوة في إفريقيا، وخسرت الكثير من الحلفاء الذين بدأوا يتطلعون إلى الشرق بحثاً عن شراكات جديدة ومختلفة لا تحمل نكهة استعمارية.