جولة آسيوية لترامب: احتواء الصين يظلّل «العراضات» الدبلوماسية

استهل دونالد ترامب جولته «الآسيوية» بـ«عراضات» دبلوماسية، من دون أن يُظهر أي تغيير فعلي في سياسته التجارية العدوانية تجاه بلدان المنطقة، فيما بدا واضحاً أن الهدف الرئيس من الرحلة هو احتواء الصين.
وصل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى ماليزيا أمس، في جولة «آسيوية» تمتدّ نحو أسبوع، من المتوقّع أن يحضر خلالها قمّتين، ويعقد سلسلة من اللقاءات الثنائية. وستكون البداية مع قمّة «رابطة دول جنوب شرق آسيا» (آسيان)، في العاصمة الماليزية كوالالمبور، والتي تُعقد بحضور كل من بروناي وكمبوديا وإندونيسيا ولاوس وماليزيا وميانمار والفيليبين وسنغافورة وتايلاند وفيتنام. وفي وقت لاحق، من المقرّر أن يصل ترامب، إلى كوريا الجنوبية، الأربعاء، لحضور «منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ» (أبيك)، ولقاء نظيره الصيني، شي جين بينغ، لأول مرة منذ بدء ولايته.
وفي أثناء توقّفه للتزوّد بالوقود في قطر، التقى ترامب، لمدّة وجيزة على متن طائرته بالأمير تميم بن حمد آل ثاني ورئيس الوزراء محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، معلناً أنه تحدّث معهما عن «التقدّم المحرز في الترتيبات الأمنيّة في غزة». وإذ زعم أنّ الأمور تسير «بسلاسة»، اعتبر أنّ «الولايات المتحدة لا تحتاج إلى التدخّل كثيراً».
وحرص ترامب، عقب وصوله إلى ماليزيا، على استهلال الجولة بترؤّس حفل للتذكير باتفاق السلام الذي أُبرم بين كمبوديا وتايلاند – في تموز -، اللتين نسب الفضل في حلّ حربهما القصيرة آنذاك إلى نفسه. وإذ كان من المفترض أن تبدأ المراسم في وقت لاحق من اليوم، فقد تمسّك ترامب، باستعراض مهاراته المزعومة في «إحلال السلام» وحلّ النزاعات، وهو أكثر ما يحتاجه في الوقت الراهن، على ضوء استمرار حرب أوكرانيا، وهشاشة الاتفاقات التي تمّ التوصّل إليها في غزة ولبنان.
ومنذ اللحظة التي وصل فيها إلى مطار كوالالمبور، حيث «رقص» على أنغام قرع الطبول، بدا ترامب، عازماً على إظهار بعض الودّ إزاء منطقة هزّتها تعريفاته الجمركية العدوانية. على أنّه بعيداً عن العراضات الدبلوماسية، يرى العديد من المراقبين أنّ نهج ترامب، تجاه دول المحيطَين الهندي والهادئ، لم يشهد أي تغيير جوهري. ذلك أنّ الاتفاقيات التي أبرمها مع العديد من دول جنوب شرق آسيا، وعلى رأسها كمبوديا وتايلاند وماليزيا، بدت مصمَّمة بشكل أساسي لاحتواء الصين، لا سيّما في ما يتعلّق بـ«حرب المعادن النادرة» (عبر تنويع سلاسل إمدادات هذه المعادن)، في حين أنها لم تشمل أي تعديل في معدّل التعرفات الجمركية الأميركية البالغة نسبتها 19%.
وأظهرت البيانات المشتركة التي أصدرها البيت الأبيض، أنّ الولايات المتحدة، ستبقي على معدّل الرسوم الجمركية على الدول الثلاث المشار إليها، على أن تخفّض الضريبة إلى صفر لبعض السلع. أيضاً، أعلنت واشنطن، عن اتفاق إطاري مماثل مع هانوي، التي تواجه صادراتها إلى الأميركيين رسوماً جمركية بنسبة 20% بالمئة. وتعهّدت فيتنام، التي سجّلت فائضاً تجارياً بقيمة 123 مليار دولار مع الولايات المتحدة العام الماضي، بموجب الاتفاق، بزيادة مشترياتها من المنتجات الأميركية بشكل كبير، لتقليص الفجوة التجارية بين البلدين.
يحاول ترامب، في أثناء جولته استعراض مهاراته المزعومة بـ«إحلال السلام» وحلّ النزاعات
وعلى غرار ما كان يتوقّعه العديد من المراقبين الغربيين والصينيين على حدّ سواء، أظهرت المواقف الأميركية، قبيل اللقاء المرتقب بين ترامب ونظيره الصيني، تراجعاً أميركياً جديداً في ما يتعلّق بفرض تعريفات جمركية بنسبة 100% على بكين، مع اقتراب انتهاء صلاحية الاتفاقية التجارية بين الطرفين، مع بدء الشهر القادم. وفي هذا السياق، قال ترامب، من على متن الطائرة الرئاسية في أثناء توجّهه إلى كوالالمبور، إنّه يتطلّع إلى «لقاء جيّد جدّاً» مع شي، متوقّعاً التوصّل إلى اتفاق مع الصين، لتجنّب فرض الرسوم الجمركية.
كما أعلن المتحدّث باسم وزارة الخزانة الأميركية، أنّ المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، كانت «بنّاءة جدّاً»، وذلك عقب الاجتماع بين وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسنت، ونائب رئيس الوزراء الصيني، هي ليفينغ. ورجّح بيسنت، بدوره، أن تتراجع الولايات المتحدة، عن خطط فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على الصين، في إشارة إلى أنّ الإجراءات «الهجومية» التي اتّخذتها «الجمهورية الشعبية»، والتي شملت قيوداً على صادرات المعادن الأرضية النادرة واستيراد فول الصويا من الولايات المتّحدة، قد بدأت تؤتي ثمارها.
وطبقاً لما نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال»، أثار وضع ترامب، الاتفاق التجاري مع الصين، على قمّة أجندة رحلته الأخيرة، مخاوف بين حلفائه الآسيويين، من أن تعقد الصفقة «على حسابهم». ونقلت الصحيفة عن كريغ سينغلتون، الدبلوماسي الأميركي السابق، الذي يدير برنامج الصين، في «مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات»، قوله إنّ «الحلفاء الآسيويين يعانون صدمة استراتيجية»، وإنّ «قلقهم الرئيس الآن يتمحور حول ما إذا كانت غرائز ترامب، المعاملاتية يمكن أن تؤدّي إلى صفقة كبرى مع شي، تهمّش تايوان، أو تخفّف من نفوذ الحلفاء».
المفارقة أنّ ساكن البيت الأبيض سافر إلى ماليزيا، مخلّفاً وراءه العديد من الأزمات الدولية والمحلّية، بعدما قطع بشكل صارم المحادثات التجارية مع كندا، عشية رحلته، ونشر حاملة طائرات لمواجهة فنزويلا، ودفع بجنوده في المدن الأميركية، في وقت أعلن فيه وزير خزانته أنّ العقوبات على روسيا، تشكّل «حملة ضغط قصوى، وستنجح ونستطيع أن نخفّض أرباحها من النفط بشكل كبير». وفي هذا الإطار، ندّدت روسيا، بمحاولات تقويض حوارها «البنّاء» مع الولايات المتحدة، والهادف إلى إيجاد تسوية للنزاع في أوكرانيا.
وقال موفد الكرملين للشؤون الاقتصادية، كيريل دميترييف، في رسالة مصوّرة، أمس: «نشهد محاولات هائلة لتقويض أي حوار بين روسيا والولايات المتحدة»، مؤكّداً «أننا مستعدّون لإجراء حوار بنّاء وتواصل واضح حول موقف روسيا، بشأن العديد من القضايا»، في حين يواصل دميترييف، منذ الجمعة، لقاءاته مع مسؤولين في إدارة ترامب، في واشنطن.
وبعدما كان الرئيس الأميركي، قد أبدى انفتاحه على لقاء الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، في أثناء الجولة الأولى له في المنطقة منذ عودته إلى السلطة في كانون الثاني، أكّد مسؤول أميركي، في حديث إلى شبكة «PBS» الأميركية، أنّ مثل هذا الاجتماع ليس مدرجاً في جدول أعمال ترامب، لهذه الرحلة. وكان الأخير قد لمّح، الجمعة، إلى صعوبة الوصول إلى كيم، قائلاً: «لديهم الكثير من الأسلحة النووية، ولكن ليس الكثير من الخدمات الهاتفية».




