جاذبية دول الآسيان
كتب د. عبدالله الردادي في صحيفة الشرق الأوسط.
اختتمت قبل أيام قمة الرياض بين مجلس التعاون لدول الخليج العربي ورابطة الآسيان، هذه هي القمة الأولى بين الكتلتين بعد سنوات طويلة من العلاقات التجارية المتنامية. جُدولت هذه القمة منذ فترة طويلة، وهدفت إلى وضع إطار عمل للتعاون بين الكتلتين بما يخدم مصالحهما المشتركة في عالم أصبح يدرك كما لم يدرك من قبل أهمية التحالفات والشراكات الاستراتيجية. ولكن لماذا دول الآسيان تحديداً؟ وما هي المميزات والاستراتيجية الاقتصادية التي تمتاز بها هذه الدول وتصب في مصلحة دول الخليج؟
تنامت أهمية دول رابطة الآسيان الاستراتيجية في السنوات الأخيرة، لأسباب منها أن العديد من الدول – والغربية تحديداً – أصبحت ترى فيها بديلاً للصين بما يعرف باستراتيجية الصين 1. وهو أسلوب تتبعه العديد من الدول التي تريد تقليل أخطار الاعتماد على الصين، سواء في الواردات أو سلاسل الإمداد. واستطاعت بعض دول الرابطة – ومنها إندونيسيا وتايلند وماليزيا – جذب رؤوس الأموال مستفيدة من فارق أجرة اليد العاملة بينها وبين الصين التي تصل إلى نسب تتراوح بين 10 و15 في المائة. ويخدم دول الآسيان في رأس المال البشري عدد سكان يربو على 700 مليون نسمة، نسبة كبيرة منهم تحت سن الخامسة والثلاثين. وانعكست هذه الأسباب على الاستثمار الأجنبي المباشر، فوصلت في دول الآسيان عام 2022 إلى نحو 174 مليار دولار، ولم تؤثر الجائحة في معدلات هذا الاستثمار، إذ عادت مستوياته إلى ما قبل الجائحة خلال عام واحد فقط، وفي ذلك انعكاس للتفاؤل السائد بشأن دول الرابطة.
ولهذا التفاؤل ما يبرره، فخلال السنوات الأخيرة أثبتت الإحصائيات أن دول الآسيان تفوق الكثير من غيرها في نمو التبادل التجاري. فبين عامي 2017 و2021، نمت التجارة العالمية بنسبة 24 في المائة، بينما نمت تجارة الآسيان بنسبة 33 في المائة، وبين عامي 2017 و2022، توسعت التجارة بين الولايات المتحدة والصين بنسبة لا تزيد على 6 في المائة، في المقابل ارتفع التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والآسيان إلى الضِعف، ونمت التجارة الثنائية بين الآسيان والصين بنسبة 95 في المائة. وقد نما القطاع الصناعي في 2021 بنسبة 134 في المائة ليصل إلى 45 مليار دولار في صناعات مثل السيارات الكهربائية، والإلكترونيات، والصناعات الطبية والدوائية. ويشكل قطاع الخدمات أكثر من 50 في المائة من الناتج القومي للكتلة الشرق آسيوية، بينما الصناعي 36 في المائة، والزراعي 10.5 في المائة، النسبة الأخيرة تحديداً دليل على تحول اقتصادات هذه الدول التي كانت في الأساس زراعية. ومن حيث الصادرات العالمية، فقد شكلت صادرات دول الآسيان في ذلك العام نحو 17 في المائة من الإلكترونيات الاستهلاكية، و12 في المائة من الملابس، و9 في المائة من منتجات السيارات.
ويُتوقع أن نمو دول الآسيان لا يزال في بداياته حتى مع كون نموها السنوي 5.7 في المائة. فقد أشارت دراسة إلى إمكانية زيادة صادرات الآسيان بنسبة 90 في المائة لتصل إلى 3.2 تريليون دولار سنوياً بحلول عام 2031، بينما قد لا تزيد التجارة العالمية في هذه الفترة على 30 في المائة. ويدعم هذه التوقعات ما تقوم به دول الرابطة من نشاط في اتفاقيات التجارة الحرة الدولية، مثل الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، التي شملت دولاً إقليمية مثل الصين، واليابان، وكوريا الجنوبية، وأستراليا، ونيوزيلندا، وفُعّلت في مستهل 2022 لتصبح أكبر اتفاقية تجارة حرة في العالم بناتج قومي يعادل 30 في المائة من الناتج العالمي.
هذه الأرقام والتوقعات توضح أن التعاون بين رابطة الآسيان ودول الخليج تعاون واعد. فالطرفان طموحهما عالٍ من الناحيتين الاستراتيجية والاقتصادية. والتعاون التجاري بينهما في ازدياد مطّرد خلال السنوات الأخيرة. وقد بلغ حجم التجارة بينهما نحو 137 مليار دولار، وهو ما يشكل 8 في المائة من إجمالي تجارة دول مجلس التعاون. ولا يزال لدى الطرفين الكثير لتقديمه لبعضهما البعض، لا سيما أن التعاون بينهما هو تعاون استراتيجي مبني على مصالح مشتركة، لا تدخل فيها الأجندات السياسية، وهو ما أصبح اليوم شديد الصعوبة في عالم تعصف به الأزمات الجيوسياسية، وتُقدم فيه الآيديولوجيات على الازدهار الاقتصادي.
إن امتداد أفق الشراكة بين الطرفين دفع وسائل إعلام دول الآسيان إلى الابتهاج بهذه القمة التاريخية، فقد عدتها علامة فارقة تفتح فرصاً جديدة للارتقاء بالعلاقات بين الطرفين إلى مستوى جديد من التعاون والتنمية المتبادلة. والإعلان عن «إطار التعاون بين مجلس التعاون ورابطة الآسيان» للفترة (2024 – 2028) يعني مزيداً من الازدهار للكتلتين. ودخول دول الخليج بصفتها كتلة واحدة لهذا الاتفاق مؤشر يؤكد أن أبعاد التضامن الخليجي متعددة.