“تيسلا” صنعت السيارة الكهربائية الأولى… فهل تلحقها بالثانية؟
خلال حدث خاص بقطاع الأعمال أقيم في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أعلن إيلون ماسك بتحد قائلاً: “نحن نصنع أفضل السيارات. وسواء كنتم تكرهونني أو تحبونني أو لا تبالون بي: هل تريدون أفضل سيارة، أم لا؟”.
يبحث عشرات الملايين من الأشخاص في هذا السؤال، إذا سمحت لهم موازناتهم بذلك، أثناء بحثهم عن مركبة جديدة يشترونها. لكن مع احتدام المنافسة في سوق المركبات الكهربائية، هناك سبب متزايد للشك في أن أفضل سيارة كهربائية مقبلة على السوق ستكون من صنع “تيسلا”.
وأفاد المستشار السابق في قطاع تصنيع السيارات، الأستاذ الحالي في كلية كولومبيا للأعمال، لن شرمان، لصحيفة “اندبندنت”: “لا أستطيع أن أخبركم كم عدد الأشخاص الذين اشتروا سيارة من صنع ‘تيسلا’ قبل سنة، من دون أن يساورهم شك ومن دون أي تفكير في بديل – أو قبل خمس سنوات على غراري أنا – والذين هم [الآن] منفتحون تماماً في المرة المقبلة للنظر في شراء سيارة صنعتها علامات تجارية أخرى”.
بعدما كانت “تيسلا” تتربع على عرش المركبات الكهربائية بلا منازع، تواجه الآن منافسة محتدمة متزايدة، ليس فقط من الشركات المتخصصة في تصنيع المركبات الكهربائية مثل “ريفيان” و”لوسيد موتورز”، بل كذلك من العلامات التجارية التقليدية المعروفة من قبل كل أسرة، مثل “تويوتا” و”جنرال موتورز” و”بي أم دبليو” و”فولكسفاغن”. وفي عام 2024، وللمرة الأولى على الإطلاق، جرى تجاوز “تيسلا” في أرقام مبيعات المركبات الكهربائية من قبل شركة “بي واي دي” الصينية العملاقة لتصنيع المركبات الآلية.
وفي الوقت نفسه يتباطأ الطلب العالمي على المركبات الكهربائية إذ لا يزال المشترون الرئيسون يبدون شكاً في هذه التكنولوجيا وحذراً من ارتفاع أسعارها، مما دفع عديداً من الشركات الكبرى لتصنيع السيارات إلى خفض استثماراتها.
يزيد هذا كله من الأخطار المترتبة على المشكلات التي تمر بها “تيسلا” باستمرار على صعيد جودة سياراتها. بعدما بنت بسرعة نظام التصنيع والتوكيل الخاص بها في غضون عقدين، لا تزال تعاني شكاوى من هياكل السيارات المخدوشة والقطع غير المناسبة وأنظمة التحكم المعطلة.
كذلك ليست المشكلات كلها هذه مجرد تذمر في شأن تفاصيل جمالية. وتخضع الشركة، التي لم تستجب لطلب إجراء مقابلة تقدمت به “اندبندنت”، إلى تحقيق تجريه جهات تنظيمية أميركية في شأن مجموعة من المسائل، بما في ذلك إخفاقات مزعومة في التوجيه وحالات “كبح وهمي” [فرملة تلقائية من دون سبب].
في يونيو (حزيران) الماضي، وجد تحقيق أجرته صحيفة “واشنطن بوست” أن تكنولوجيا “السائق الآلي” التي تتباهى بها “تيسلا” تتصل بـ736 من أصل 807 حوادث اصطدام وقعت في الولايات المتحدة وانطوت على تشغيل تكنولوجيات مخصصة لمساعدة السائق منذ عام 2019.
وفي الوقت نفسه تتعرض سيطرة ماسك على “تيسلا” إلى ضغوط بعدما قضت محكمة في ولاية ديلاوير بأنه لا يستطيع الاحتفاظ بمدفوعات مؤسسية تبلغ قيمتها نحو 56 مليار دولار (44 مليار جنيه استرليني). وفي قرار لاذع، قالت القاضية كاثالين ماكورميك إن ماسك استخدم نفوذه على مجلس الإدارة المطيع له لمنح نفسه فعلياً مستوى “غير عادل” من التعويض.
لا تزال “تيسلا” شركة قوية، وتعافى سعر أسهمها إلى حد ما من ضربة عام 2022 القاسية التي خفضت قيمتها السوقية من أكثر من تريليون دولار إلى أقل بقليل من 384 مليار دولار. لكن أنصارها أنفسهم قلقون في شأن التقلبات المقبلة.
يقول روس جربر، أحد المساهمين القدامى في “تيسلا” الذي حدد الشركة حتى وقت قريب كأفضل خيار في صندوق الاستثمار الذي يديره: “من الصعب جداً تحديد المكان الذي ستكون فيه ‘تيسلا’ في العامين المقبلين. يمكنني أن أخبركم قصة رائعة عنها، ويمكنني أن أخبركم قصة مروعة. أنا فقط لا أعرف القصة التي سنشهد فصولها”.
يشعر دوم جيوفاني بالغضب الشديد وهو يشير إلى تفاصيل في سيارة “تيسلا موديل أس بلايد” الجديدة التي يبلغ سعرها 120 ألف دولار.
انتزع عوازل الأبواب المطاطية من قواعدها، وجعل غطاء صندوق السيارة يتمايل على مفصلتيه بإصبع واحدة، وصرخ قائلاً أخيراً: “يبدو أن أطفالاً صغاراً جمعوا هذه السيارة أثناء الاستراحة!”.
عرض فيديو جيوفاني الذي لاقى انتشاراً واسعاً على “تيك توك” عام 2022 أمام عديد من سائقي السيارات غير المصنعة من قبل “تيسلا” المشكلات المتنامية العرضية الخاصة بواحدة من أحدث شركات تصنيع السيارات في العالم.
اليوم، وبينما يقول عديد من المالكين (وماسك نفسه) إن الجودة آخذة في التحسن، لا تزال الشكاوى المتعلقة بالسيارات السيئة التجميع أو الإلكترونيات المشوبة بمشكلات شائعة على وسائل التواصل الاجتماعي ومنتديات المالكين – حتى بالنسبة إلى الطرز الفاخرة ذات الأسعار المرتفعة.
مالكة سيارة مستعملة من طراز “تيسلا موديل إكس” صنعت عام 2021، طلبت عدم الكشف عن هويتها خشية أن تواجه رد فعل سلبياً من ماسك، أبلغت “اندبندنت” كيف أخرت “تيسلا” إصلاح محور غير متحاذ لمدة ثلاثة أشهر لأنها لم تستطع الحصول على قطع غيار لمشكلة منفصلة أقل خطورة، وكيف تلغي أحياناً مواعيد الإصلاح قبل أيام قليلة فقط.
عندما عرضت المالكة السيارة أخيراً على فني، فشل في إصلاح المشكلة، وتسبب في انحراف المحور الأمامي أيضاً، ثم حاولت “تيسلا” في البداية التملص من دفع الثمن، على رغم أن السيارة بيعت بواسطة تاجر سيارات مستعملة معتمد من الشركة وكانت لا تزال قيد الكفالة.
تظهر استطلاعات سنوية أجرتها شركة “جاي دي باور” المتخصصة في معلومات السوق باستمرار أن سيارات “تيسلا” هي من بين السيارات الأقل موثوقية، مع 257 مشكلة لكل 100 سيارة جديدة، مقارنة بالمتوسط القطاعي البالغ 192 مشكلة للعدد نفسه من السيارات. وحققت الشركة أداء أفضل قليلاً مع مؤسسة “تقارير المستهلكين”، إذ حلت في المرتبة الـ14 من أصل 30 مع درجة موثوقية تقل عن 50 في المئة.
لكي نكون منصفين، هذه الأرقام أفضل قليلاً من تلك الخاصة بالسيارات الأخرى التي تعمل بالبطاريات. وفق مدير الاستطلاعات لدى “جاي دي باور” فرانك هانلي، يميل سائقو المركبات الكهربائية إلى الإبلاغ عن مزيد من المشكلات، لأن السيارات كثيراً ما تحوي مزيداً من الميزات التكنولوجية المتقدمة التي يمكن أن تخطئ في شكل واضح ولأن كثيراً من الناس ليسوا على دراية بالخصائص الغريبة والعيوب الخاصة بهذه الميزات (مثل استهلاك مزيد من الطاقة في الطقس البارد).
ومع ذلك، يفيد شيرمان بأن مسائل كهذه تمثل “مشكلة خطرة” لشركة تواجه منافسة أشد في سوق أبطأ نمواً. يقول: “عندما اشتريت [سيارة ‘تيسلا’] الخاصة بي، كان الأمر لا يحتاج إلى تفكير. لم يكن هناك بديل. في شكل عام، أنا سعيد جداً بالمنتج، لكنني أعرف أيضاً عن هذه السلبيات الصغيرة، وأشعر كمالك بأن الشركة لا تهتم حقاً بهذه الأشياء”.
في الواقع، اتهم تحقيق أجرته “رويترز” في ديسمبر (كانون الأول) الماضي “تيسلا” بأنها تقمع في شكل منهجي الأدلة التي تشير إلى وجود عيوب خطرة في التصميم، بينما تحاول دفع كلف الإصلاح إلى السائقين. بل ويقال إنها أنشأت فريقاً سرياً لإلغاء الآلاف من المواعيد المطلوبة لإصلاح أخطاء في تقديرات المسافات التي ستقطعها السيارات قبل الحاجة إلى شحنها مجدداً، من أجل توفير المال وإراحة البنية التحتية الضعيفة الخاصة بالخدمات.
الرئيس التنفيذي لشركة “جي أل جاي للبحوث” غوردون جونسون المتخصصة في بيانات السوق وأحد منتقدي “تيسلا” منذ فترة طويلة، يقول: “ستخبركم أي شركة لتصنيع السيارات أن آخر شيء تريد التلاعب به هو جودة سياراتها”.
ويستشهد بحالة عمر أوان، وهو طبيب من فلوريدا قتل احتراقاً داخل سيارته من طراز “تيسلا موديل أس” بعد تعرضها إلى حادثة عام 2019. وزعمت زوجته أن الشرطة لم تتمكن من إنقاذه لأن الأبواب الإلكترونية للسيارة لم تفتح، وهو ما نفته “تيسلا”.
يقول جونسون: “لن أجلس أبداً في سيارة من صنع ‘تيسلا’، لأن من المرجح جداً أن يكون ذلك على ما يرام، لكنني أعلم أنه خطر”.
كانت مكالمة الفيديو حول أرباح “تيسلا” الفصلية للأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2024، كارثة بالمقاييس كلها. حتى محلل “وول ستريت” دان آيفز، المعروف بتفاؤله في شأن الشركة، وصفها بأنها “قطار محطم”.
كانت المشكلة الكبرى هي خفض الأرباح التشغيلية، مدفوعاً بتخفيضات جذرية في الأسعار اضطرت “تيسلا” إلى تبنيها عام 2023 من أجل الاستمرار في تصنيع السيارات.
وهذا يؤكد اتساع نطاق العواصف التي من المحتمل أن تواجهها “تيسلا”، والتي تتجاوز جودة التصنيع وسلامته. بالنسبة إلى جربر، المشكلة الحقيقية هي أن “تيسلا” تصل إلى الحد الأقصى لعدد الأشخاص الذين يمكنها الوصول إليهم من دون إنفاق أموال جادة على الإعلانات – وهو إنفاق قاومه ماسك دائماً لصالح توليد دعاية شفهية إيجابية من أتباعه المخلصين.
يقول جربر: “لا يزال هناك كثير من المفاهيم الخاطئة حول المركبات الكهربائية بين مشتري السيارات التقليدية. وهكذا، ما حدث هو أن ‘تيسلا’ تصطدم بجدار حيث تضطر إلى خفض الأسعار لتوليد الطلب لأنها لا تعلن”.
وفي الوقت نفسه يخشى شرمان من أن ماسك يبتعد عن “خطته الرئيسة” الشهيرة، التي تهدف إلى إثبات جدوى المركبات الكهربائية بسيارة باهظة الثمن وراقية للمتبنين الأوائل قبل أن تصنع الشركة لصالح السوق الواسعة نماذج أرخص تدريجاً.
بدلاً من ذلك، يشير شرمان إلى أن مركبة الشركة الكهربائية المدمجة المنخفضة الكلفة التي طال انتظارها قد “وضعت في الثلاجة” بينما يركز ماسك على مركبته الجديدة الجذابة “سايبرتراك” وإعادة إطلاق فائقة السرعة لسيارة الشركة الرياضية الأصلية “رودستر”.
يقول شرمان: “لقد حدد [ماسك] أولوية متدنية لمسار نمو الشركة لسنوات عديدة. سيعود هذا الأمر ليقلق راحته”.
جونسون، الذي يعتقد أن سعر سهم “تيسلا” سينخفض من نحو 190 دولاراً اليوم إلى 23.50 دولار فقط بحلول نهاية العام، لا يشارك شرمان إعجابه بماسك كمبتكر يغير السوق. بالنسبة إليه، “تيسلا” مثال على خدعة تحظى بالتصديق، وهي شركة سيارات تعاني، مقيمة لسبب غير مفهوم على غرار شركة تكنولوجيا، بفضل الضجيج والثرثرة.
رئيس “تيسلا” إيلون ماسك يقدم شاحنة “تيسلا سايبرتراك” التي أعلن عنها حديثاً والتي تعمل بالبطارية الكهربائية بالكامل في “مركز تيسلا للتصميم” بهوثورن في كاليفورنيا 21 نوفمبر 2019 (وكالة الصحافة الفرنسية/غيتي)
لكن مهما كانت وجهة نظركم عن “تيسلا”، لا أحد يجادل في أنها على الأرجح ستنهض أو تسقط بالترافق مع رئيسها التنفيذي المتقلب.
يقول شيرمان: “ماسك هو الشخص الوحيد على هذا الكوكب الذي كان بإمكانه بمفرده جر الأرض بأكملها إلى سوق السيارات الكهربائية. المشكلة هي أنها الآن شركة ناضجة، وليست مجرد شركة ناشئة مجنونة… يحتاج المرء عندما يربي مراهقاً إلى مجموعة من مهارات الأبوة والأمومة مختلفة عما يحتاج إليه عندما يربي طفلاً”.
بالنسبة إلى جربر، الذي قام بحملة قصيرة للحصول على مقعد في مجلس إدارة الشركة العام الماضي على أمل إعادة توازنها بعيداً من أهواء ماسك، فإن “تيسلا” عبارة عن “ديكتاتورية” يصعب الاعتماد عليها في المستقبل بسبب هيمنة رجل واحد عليها.
ويجادل بأن حكم المحكمة في ولاية ديلاوير سيعرض الشركة إلى عدد كبير من الدعاوى القضائية الأخرى ما لم تجعل مجلس إدارتها مستقلاً في شكل ذي بال وإلى أن تفعل ذلك. ومع ذلك، من المؤكد أن ماسك نفسه سيقاوم خطوة كهذه، تاركاً الشركة “عالقة” مع قائد غير مرن.
هذا هو السبب في أن صندوق جربر يخفض الآن في شكل حاد استثماراته في “تيسلا”. يقول: “كان علينا حماية عملائنا، للتأكد من أن تقاعدهم لن يعتمد عليها. بمجرد أن أحصل على رؤية واضحة للاتجاه الذي سيسير فيه هذا كله، قد أبيع بقية أسهمي في الشركة – أو أشتري مزيداً منها”.