ترشيحات “التيّار”: خلافات بسبب “ديمقراطية باسيل”!
كتبت جوزفين ديب في أساس ميديا: “بعد الانتهاء من المرحلة الثانية للانتخابات الداخلية في التيار الوطني الحرّ، برز تململ من بعض “الأوائل” في مناطقهم، بسبب ما اعتبروه “استنسابية بقناع ديمقراطي” مارسها رئيس التيار جبران باسيل، عبر زجّهم في معارك كانوا وكان التيار بغنى عنها، وكان الهدف منها إقصاء بعض الوجوه والأسماء التي يُراد إضعافها. لكنّها أثبتت جدارتها وشعبيتها، في ما يشبه الهجمة المرتدّة، رغم كلّ الحملات عليهم.
فالحملات الداخلية التي تعرّض لها نواب أساسيّون في التيار، والتي لم تخلُ من حملات تشكيك أو تجريح أو تحامل، كما حصل مع سيمون أبي رميا في جبيل، وسيزار أبي خليل في عاليه، وغسان عطالله في الشوف، وغيرهم من زملائهم البارزين، لم تحُل دون تصدّرهم الاستطلاعات في مناطقهم، وبفرق شاسع أحياناً، وتثبيت أنفسهم مجدّداً نواةً صلبةً أساسيةً للتيار الوطني الحر في مناطقهم. لذلك من الأجدر مساندتهم بدل التعرّض لهم باستمرار وبشتّى وسائل الاستهداف، وإن كان ذلك تحت عنوان “ديموقراطية الانتخابات” التي لا تخلو من الحسابات الخاصة أحياناً.
دورة العام 2018 انتهت بأقلّ خسائر ممكنة للتيار الوطني الحرّ. هكذا اعتقد المراقبون. لكن ما لم يكن في حسبانهم أن تكون معركة انتخابات 2022 أشدّ وطأة وخطورة. وقد تكون من أكثر المعارك مفصليّة في مسار التيار الذي حصر به يوماً الغالبية المسيحية.
فهل يخوض التيار معركته بالعجينة والخميرة الصلبة ويصبّ أصواته لدعمها مُسقطاً الاعتبارات الأخرى؟ أم يغرق مجدّداً في ما يحبّ أن يسمّيه “معركة ديموقراطية” يعتبر البعض أنّها ليست إلا غطاء للاستنسابية في اختيار المرشّحين؟
على الرغم من محاولة قيادة “التيار” تسويق الانتخابات، والإحصاءات التمهيدية في التيار لاختيار مرشّحي الانتخابات النيابية المقبلة، على أنّها ظاهرة نوعيّة وسبّاقة وفريدة، إلا أنّ هذا لم يستطع أن يُخفي كمّاً كبيراً من السلبيّة يشوب هذه العمليّة ويترك آثاراً مؤذية داخل الجسم الحزبي.
وعلى عكس اعتقاد القيّمين على التيار، فإنّ تقييم المرشّحين، والشورى مع القواعد، وإجراء الإحصاءات، هي ليست حكراً عليهم، بل هي وسائل تعتمدها العديد من الأحزاب في اختيار مرشّحيها، وأبرزها حزب الله والقوات اللبنانية، وإن اختلف الأسلوب. وهي تجري بعيداً عن الضجيج والأضواء، ليس تهرّباً أو خوفاً من نتائجها، بقدر الرغبة في حماية تلك الأحزاب من التداعيات السلبية التي تتركها إن كان على المرشّحين والطامحين من جهة، أو على تماسك القاعدة الحزبية من جهة أخرى.
فالمؤشّرات إلى قدرات النواب الحاليين في معظم الكتل النيابية يمكن أن تكون ظاهرة للعموم ومتداولة في معظم الأوساط السياسية والإعلامية والشعبية، ولا تحتاج الأحزاب إلا إلى بعض عمليّات جسّ النبض أو إحصاءات موضوعية للتأكّد منها، من دون أن تدخلهم في متاهات وتجاذبات داخلية لا تفيد الحزب بقدر ما تترك ندوباً تؤثّر سلباً على مجريات المعركة الانتخابية لاحقاً.
أمّا البحث عن بدائل ودراسة ترشيحات جديدة وتقييمها فيجري حصرها فقط في النواب الذين فشلوا في ترك أيّ علامة فارقة أو أيّ بصمات نجاح. وهذا لا يؤثّر على العملية الانتخابية لاحقاً لأنّه يأتي منسجماً مع إرادة التغيير لدى القاعدة الحزبية والأوساط الشعبية.
هذا ما يفسّر مثلاً محافظة حزب الله على مجموعة من النواب تستمرّ في صفوفه منذ سنوات لأنّها تشكّل النواة الصلبة له بما تمتلك من حضور ومشاركة قويّة وفاعلة، إن على الساحة التشريعية أو تلك السياسية، من دون أن يُقفل أبواب التغيير في باقي كتلته التي تخضع للتجدّد بشكل مستمرّ.
وكما حزب الله، كذلك الأحزاب الأخرى، كالحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية، التي لا تتوانى في المحافظة على أركانها الأساسيّين وحمايتهم ومساندتهم للاستفادة من تجربتهم ودورهم المحوري داخل كتلهم الشعبية، وداخل المجلس النيابي، بدل إدخالهم في دائرة من التجاذبات والاختبارات الداخلية التي تضعف الحالة الحزبية وتضعضعها.
دورة العام 2018 انتهت بأقلّ خسائر ممكنة للتيار الوطني الحرّ. هكذا اعتقد المراقبون. لكن ما لم يكن في حسبانهم أن تكون معركة انتخابات 2022 أشدّ وطأة وخطورة
تململ في “التيّار”
في معلومات “أساس” أنّ حالة تململ واسعة وصلت إلى حدّ الغضب تملأ أوساط المرشّحين الذين يُعتبرون نواة صلبة في التيار الوطني الحر. إذ بدل أن تعتبرهم قيادة التيار الخميرة التي ستخوض بها الانتخابات النيابية في أسوأ ظروف يمرّ بها التيار، تأخذهم إلى معارك عبثيّة مع شخصيات أخرى من التيار غالباً ما تخرج مستاءة وينعكس ذلك سلباً على صورة التيار في الدوائر والأقضية والمناطق.
وفي المعلومات أيضاً أنّ مشادّة كلامية حصلت في الأيام الماضية على خلفيّة انتهاء المرحلة الثانية من الانتخابات الداخلية في التيار، بين رئيس التيار جبران باسيل وأحد المقرّبين منه. وذلك على خلفيّة اضطرار النواة الصلبة في التيار إلى خوض معارك علنيّة تضعفها وتُدخلها في متاهات محرجة بحجّة ديموقراطية التيار في اختيار مرشّحيه. بدل أن تنكبّ هذه النواة على المعركة الحقيقية المقبلة في أيار المقبل.
وبينما تستعدّ الأحزاب الأخرى للمعركة بهدوء وثقة قويّة بأحصنتها، يجازف التيار بدخوله في استنزافات داخلية. لأنّه على الرغم من حصوله على الكتلة المسيحية الأكبر في انتخابات 2018، يجدر به الالتفات والاعتراف بحقيقتين أساسيّتين:
أولاً: أنّ هذه الكتلة أتت بشكل أساسي بفضل زخم بداية العهد الرئاسي للعماد عون، وقد بقي حجمها على ما كان عليه في انتخابات 2009. لكنّ هذه الظروف لم تعد قائمة اليوم في نهاية العهد الرئاسي الذي عانى من إخفاقات وانتكاسات كبيرة.
ثانياً: أنّ المفاجأة الكبرى في انتخابات 2018 لم تكن في حجم تكتّل العهد بقدر ما كانت في صعود القوات اللبنانية بشكل كبير ومضاعفة حجم كتلتها، ليس فقط بفضل القانون النسبي الذي عكس صحّة تمثيلها على الساحة المسيحية، بل أيضاً لأنّها اختارت الاستراتيجية الانتخابية الفضلى التي ثبّتت وفقها مرشّحيها الأساسيّين وساندتهم وتفرّغت لاستنهاض قاعدتها واستقطاب الناخبين المستقلّين، فيما غرق التيار في معارك داخلية ضمن لوائحه، استنزفت مرشّحيه وقواعده. وقد كان الحزب الوحيد، ويا للمفارقة، الذي ارتكب ذلك بحقّ نفسه في انتخابات 2018!”