رأي

تداعيات أميركا… أولًا

كتب سلطان إبراهيم الخلف في صحيفة الراي.

أميركا أولاً، هو الشعار الذي رفعه الرئيس الأميركي ترامب، وكان سبباً في وصوله إلى سدة الرئاسة للمرة الثانية. كان شعاراً شعبوياً بامتياز مع ما يتميز به من نفس عنصري وتديّن خادع. نجح ترامب في إيهام قاعدته الانتخابية بأن أميركا باتت ضحية للابتزاز التجاري من قبل دول العالم، الذي جعلها في مؤخرة الركب، وكان لا بد من إعادتها للصدارة، ومواجهة هذا الابتزاز بقوة، من خلال إعلان حرب اقتصادية، بفرض ضرائب عالية دون تمييز بين عدو وصديق، عدا الكيان الصهيوني الذي يتمتّع بدعم أميركي مجاني، حتى أن وزير التجارة هوارد لاتنك، أشار إلى الكويت من بين دول العالم، واتهمها بفرض رسوم هي الأعلى على المنتجات الأميركية.

تصريحات ترامب الشعبوية التي يطلقها باستمرار هي في الحقيقة فارغة، إذ لا يمكن أن تكون دولة مثل أميركا ضحيّة اقتصادياً، وهي تمتلك أكثر من 750 قاعدة عسكرية في جميع أنحاء العالم، وتعتبر من أقوى دول العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وتتمتّع بقوة اقتصادية هائلة، وتعتبر عملتها هي العملة شبه الرئيسية المتداولة في أنحاء العالم، وتعتبر من أقوى العملات الصعبة، التي تحلم باقتنائها الدول الفقيرة والنامية.
من الطبيعي أن يكون الرئيس ترامب، قد تأثر بالموجة الشعبويّة التي تجتاح أوروبا في الوقت الحاضر، والتي لم تستثن كبرياتها، مثل فرنسا وألمانيا. وكانت فرصة ثمينة أن ينتهزها ترامب ويوظفها في المعترك السياسي وهو رجل أعمال لم يمارس السياسة في أروقة الحزب الجمهوري، حتى أن قراراته التنفيذية المتعلقة بحربه الاقتصادية لا تخضع للدراسة، أو استشارة الخبراء، بل هي عبارة عن تصوراته الفردية، ولعل تهديده بإقالة مدير الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، الذي يرفض خفض الفائدة بشكل سريع وكاف خير دليل على ذلك.

في الداخل، شن ترامب حرباً على المهاجرين واللاجئين، والطلبة الأجانب، وهدّد بطردهم من الولايات المتحدة إذا قاموا بالاحتجاج على حرب الإبادة التي يشنها الصهاينة على غزة. هنا تستطيع القول بأنه تمادى في شعبويته، ووظفها في ما يعتقد أنه تطهير المجتمع الأميركي الأبيض من الأجانب الذين يريدون اختطافه، لكنه تعدّى على الدستور الأميركي الذي يمنح الحرية في التظاهر والتعبير، وأصدر أوامره باعتقال المتظاهرين الأميركيين، وغير الأميركيين، المطالبين بوقف حرب الإبادة على غزة، ولم يسلم من ذلك طلبة الجامعات، وأمر بتجميد منحة 2.2 مليار دولار كانت تُقدم لجامعة هارفارد، لأنها رفضت إملاءاته بوقف الاحتجاجات الطلابية، وكانت مهزلة أن يتدخّل ترامب بشؤون جامعة أميركية مرموقة مثل جامعة هارفارد العريقة، من أجل إرضاء اليهود الصهاينة الذين ساهموا بتقديم عشرات الملايين من أجل فوزه في الانتخابات، وهو ما يعني أن جامعة هارفارد أفشلت محاولة ترامب توظيف «معاداة السامية» في قمع الاحتجاجات الطلابية، وهو ما أثار حفيظته وجعله يدخل في مواجهة مباشرة معها، حيث كشفت نواياه الدكتاتورية التعسفية وخطورتها على الوسط الأكاديمي الأميركي. وقد أشار إليها رئيس الرابطة الأميركية لأساتذة الجامعات تود ولفسون، وحذّر من خطورة سياسة ترامب على الدمقراطية في أميركا.

تشعر وكأن الولايات المتحدة في حالة حرب مع العالم عندما يصرّح المتحدّث باسم السفارة الأميركية في الكويت «إلغاء تأشيرة مَنْ ينتهك القوانين… لحماية بلدنا».

انتهاك القانون أمر مفهوم، لكن إلغاء التأشيرة بشكل مزاجي وبدون سبب، أو انتهاك خصوصية الشخص بتسليم تلفونه والاطلاع على محتوياته من قبل المسؤولين الأميركيين، فهذا أمر تعسفي غير مقبول.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى