تايم: مسلمو الهند يحتاجون حماية أكثر من غضب العالم الإسلامي المؤقت
نشرت مجلة “تايم” تقريراً لديباسيش روي تشاودري، ومؤلف كتاب “أن تقتل ديمقراطية: طريق الهند نحو الاستبداد” علق فيه على ردود أفعال العالم الإسلامي على التعليقات الصادمة التي أطلقها عنصران من حزب بهارتيا جاناتا (بي جي بي) الحاكم في الهند، قائلا إن غضب العالم الإسلامي لن يحمي مسلمي الهند. وقال إن دولا مثل السعودية وإيران مع طالبان أفغانستان لا تسنح لها الفرصة كل يوم لكي تحاضر بالآخرين حول التسامح، لكن بي جي بي بزعامة ناريندرا مودي الداعي للتفوّق الهندوسي، فعلَ المستحيل ونجحَ في توحيد كل العالم الإسلامي في شجبه للهند.
ووجدت الدول الإسلامية المتنافسة، تركيا والسعودية وإيران قضية مشتركة، مما أدى إلى موجة شجب لم يشهدها العالم الإسلامي منذ الجدل الذي أحدثته مجلة “شارلي إبيدو” عندما نشرت صورا مسيئة للرسول، مما وضع الحكومة الهندية في وسط معركة دبلوماسية تندلع نيرانها منذ أسبوع. وكان مصدر الغضب هو نقاش تلفازي مسيء لصورة النبي. وكرّرت نافين جيندال، وهي متحدثة أخرى، نفس الكلام في تغريدة حذفتها الآن.
وجدت الدول الإسلامية المتنافسة قضية مشتركة، مما أدى إلى موجة شجب لم يشهدها العالم الإسلامي منذ الجدل الذي أحدثته مجلة “شارلي إبيدو” عندما نشرت صوراً مسيئة للرسول.
وبدأت موجة الغضب الدولية بعد أسبوع، ففي 5 حزيران/يونيو استدعت قطر والكويت وإيران سفراء الهند لتقديم احتجاج والمطالبة باعتذار. وتوسّعت القائمة إلى 15 دولة، بمن فيها أفغانستان وإندونيسيا وماليزيا والعراق وباكستان والبحرين وعمان والسعودية وليبيا وتركيا. وقدّمت منظمة التعاون الإسلامي بأعضائها الـ 57 احتجاجاً منفصلاً. وردّت السفارات الهندية المحاصرة بطريقة غير مقنعة، وهي أن “الآراء لا تعكس موقف الحكومة”، وأن الآراء التي صدرت عن متحدثتين باسم الحزب الحاكم لا تعبّر إلا أن عن جماعة هامشية.
وتم فصل كل من شارما وجيندال من عملهما، وعلّقت عضوية شارما في الحزب. وفي بيان صحافي، أكد الحزب أنه “يحترم كل الأديان”، وأن بهارتيا جاناتا “يقف، وبقوة، ضد أي أيديولوجية تهين أو تقلّل من قيمة طائفة أو دين”. ولا شيء أبعد عن الحقيقة، فجي بي جي لديه تظلّمات مفتوحة ضد الديمقراطية الجامعة، وهدفه الرئيسي هو تحويل البلد إلى دولة هندوسية. واعتمد في صعوده إلى السلطة على تعبئة الناخبين الهندوس في البلد مستخدماً الأقليات في البلد كبعبع.
وكان المسلمون في الهند، والبالغ عددهم 200 مليون نسمة، الهدف الرئيسي للسياسة الداعية لتفوّق الهندوس. وقام الحزب بعسكرة قضايا اجتماعية حسّاسة، وقامت قيادته وبشكل منتظم بشيطنة والحطّ من إنسانية المسلمين، واستخدموا الرسائل السياسية المعادية للإسلام، وتشجيع الرعاع لارتكاب العنف ضد المجتمع المسلم. وتم توجيه آلة الدولة نحو تعذيب المسلمين والتوحّش ضدهم. ففي يوم الإثنين علّقت كلّية حكومية دراسة 24 مسلمة حضرن بالحجاب إلى الفصول الدراسية. وقبل يوم أدين خمسة رجال شرطة بتعذيب شاب مسلم عمره 22 عاماً حتى الموت. وقالت والدته “لقد أدخلوا عصا في مؤخرته، وعرّضوه لصعقات كهربائية متكررة”.
وتحدّثَ تقرير وزارة الخارجية الأمريكية السنوي “الحرية الدينية الدولية”، عن “الهجمات على المجتمعات الدينية، بما في ذلك القتل والهجمات والاستفزازات طوال العام”. وعلّق وزير الخارجية الأمريكي، أنطوني بلينكن، على صدور التقرير، الأسبوع الماضي، قائلاً إن “الهجمات على الناس وأماكن العبادة تتزايد”. وعادة ما تستخف حكومة مودي بالانتقادات الأجنبية، واعتبرت تعليقات بلينكن بأنها “غير مدروسة”. وأدارت النقد نحو الولايات المتحدة التي قالت إن “هناك قضايا مثيرة للقلق”، مثل “الهجمات المدفوعة بالعنصرية والعرق وجرائم الكراهية وعنف السلاح”.
ومع انتصارات مودي الانتخابية فقد ضاعف الحزب من مشروعه الداعي لحماية الأغلبية. فمن دعوات الإبادة المفتوحة، إلى أغاني البوب المعادية للمسلمين، والشائعات التي يطلقها مقدّمو برامج التلفزيون والتشهير بالمسلمين، الذي يقوم به قادة الحزب، بشكل جعل خطاب الكراهية في كل مكان. وحفّز الحزب الكراهية، وكافأ الموهوبين في نشره، ولهذا السبب صعدت كل من شارما وجيندال في المنظمة.
ويحتاج الأمر إلى موهبة كبيرة لكي تطلق حكومة طالبان أفغانستان على حكومة الهند بالمتعصبين. ومع زيادة الدعاية عن مودي ومناعته المفترضة وصعود الهند إلى مرتفعات عالية في ظل قيادته الفولاذية، فإن عدداً من أنصاره لا يفهمون قراره للتضحية بنسائه لكي يرضي حفنة من الدول المسلمة.
وتطالب التغريدات على تويتر بشنّ حرب على قطر والمقاطعة التجارية، والتي انتشرت مثل النار في الهشيم على منصات التواصل الاجتماعي. وانتشرت هاشتاغات عن شارما وبهارتيا جاناتا على المنصات، وأخذ عدد من أنصار الحزب يصفون مودي بالجبان.
الدول المسلمة معنية بالنمو الاقتصادي الهندي، ولا تريد أن تتأثر علاقتها مع نيودلهي. ولم تهتم بزيادة قهر واستهداف المسلمين خلال سنوات حكم مودي السابقة.
ويقول الكاتب إن توقعات أنصار مودي منفصمة عن التزامات الهند الاقتصادية والإستراتيجية. وتمثل الدول الخليجية الست، السعودية والإمارات وقطر والبحرين والكويت وعمان نسبة 15% من تجارة الهند الخارجية، وتقدّم لها نسبة ثلث احتياجاتها من الطاقة وتشغّل 9 ملايين هندي، يحولون نسبة 65% من تحويلات الهنود من الخارج، وحوالي 80 مليار دولار سنوياً. لكن وحاولت بعض الدول، مثل الإمارات والسعودية، جذب مودي، وقوّت علاقاتها مع نيودلهي. لكن هذه الدول ربما أجبرت على التحرك كخطوة وقائية تمنع من ردة فعل المحافظين في داخلها.
ووصف الأزهر تعليقات المتحدثة باسم بي جي بي بأنها “إرهاب حقيقي”، ويمكن أن تغرق كل العالم في “حرب مهلكة”. ووصف مفتي عُمان القوي تعليقات المتحدثة باسم الحزب الهندوسي بأنها “فحش وقح” تجاه الإسلام، وشكلٌ من الحرب، وأعلن عن حرب لمقاطعة المنتجات الهندية.
عندما ينجلي غبار الجدل فإن التجارة مع الهند تتفوّق على المخاطر التي تواجه مسلميها. ستعود حكومة مودي لعادتها القديمة، وسترمي قلة من المسلمين في السجون لكي تؤكد أن المؤامرة الخبيثة هي السبب.
وتم سحب البضائع الهندية من متاجر دول الخليج. وفي مالديف، أحيت التعليقات الحملة السياسية القديمة ضد الهند، حيث ألصق المحتجون صورة مودي على سلال القمامة. وتحاول الحكومات وبقلق منع تحوّل الغضب إلى اضطرابات واسعة، كما حدث في العالم الإسلامي قبل عقد، عندما تم عرض فيلم معاد للمسلمين “براءة المسلمين” واحتوى على تعليقات فاحشة عن النبي. ويقول الكاتب إن مسلمي الهند يأملون أن يمنحهم الشجب العالمي المضاد نوعاً من الحماية من كابوس لا ينتهي على يد المتطرفين الهندوس. فهم ملاحقون وبشكل دائم من الحزب الحاكم، وتخلّت عنهم الأحزاب العلمانية التي لم يتجرأ أي منها للرد على التعليقات المسيئة للنبي، إلا عندما ردّت الدول المسلمة بعد أسبوع، ومن المنطقي أن يشعر المسلمون المحاصرون أن الغضب الدولي قد يساعدهم، ولكن المساعدة ستكون مؤقتة. وعندما ينجلي غبار الجدل فإن التجارة مع الهند تتفوّق على المخاطر التي تواجه مسلمي الهند. وستعود حكومة مودي لعادتها القديمة، وسترمي قلة من المسلمين في السجون لكي تؤكد أن المؤامرة الخبيثة هي سبب هذه الحادثة الدنيئة. وستطلق جماعات الرعاع التي توقفت في الوقت الحالي العنان لملاحقة مزيد من المسلمين. وسيعود مودي لعناق ملوك المسلمين في زياراته الخارجية.