بو حبيب يترأس الدورة العادية لمجلس جامعة الدول العربية في القاهرة… ماذا قال؟
افتتح وزير الخارجية والمغتربين الدكتور عبدالله بوحبيب الدورة العادية لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري (157)، بصفته رئيسا للدورة الحالية. وألقى كلمة، قال فيها:
“يشرفني ان أتقدم بجزيل الشكر والتقدير لدولة الكويت الشقيقة ومعالي الأخ الشيخ الدكتور احمد ناصر المحمد الصباح، وزير الخارجية ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء في دولة الكويت، لرئاسته القيمة للدورة السابقة (156) لمجلسكم الموقر، كما أعرب عن تقديري للجهود التي بذلها من اجل تدعيم العمل العربي المشترك والسعي لرأب الصدع في العالم العربي وقد طالت بلدي لبنان. ويطيب لي ان اشيد بدور الأمين العام لجامعة الدول العربية معالي السيد أحمد أبو الغيط وجهوده لتفعيل دور الجامعة إقليميا ودوليا، وكذلك حرصه على تعميم لغة الحوار في مقاربة القضايا العربية المشتركة. ونرحب كذلك بمشاركة سعادة وكيل الأمين العام والمفوض العام لوكالة الأونروا السيد فيليب لازاريني”.
اضاف: “فرضت الحرب الروسية الاوكرانية نفسها على العالم أجمع، حيث أن تداعياتها لن توفر أحدا خصوصا وانها اندلعت والعالم لم يتعاف بعد من الآثار الخطيرة لجائحة الكورونا على الدول والمجتمعات والافراد. ولقد كشفت سياقات الحرب ومجرياتها أن تفاديها لم ينجح بسبب التناقض الواضح بين نظرة الدول الغربية إلى قيمها ودورها ومصالحها من جهة، ونظرة روسيا إلى أمنها القومي ودورها ومصالحها من جهة أخرى. إن مجرد نشوب الحرب في أوروبا، مع ما يستدعيه من ذكريات الحربين العالميتين السابقتين، يؤشر إلى أن منطق الحروب لم يتغير وهو واحد، للأسف، لدى جميع المجتمعات والحضارات والثقافات. ووقوع هذه الحرب على هذا النحو يشير الى اننا في قلب مخاض نظام عالمي جديد قيد الانبثاق، يمكن، لا بل ينبغي، ان يكون لنا، كدول عربية، دور في صياغته ورسم معالمه من موقع الشراكة الفعلية لا الإسمية. ومن أجل النجاح في ذلك، لا نحتاج سوى الى توفر الارادة الجادة، مشفوعة بتسريع الخطى من أجل استعادة وحدة الموقف العربي الحقيقي والممكن، بما يؤهلنا للدور الذي يليق بنا بين الامم. فمن الواضح أننا أمام مرحلة جديدة تستدعي منا حرصا مشتركا على التعامل مع تحدياتها بأعلى درجات التنسيق والتضامن”.
وتابع: “لا شك أن التداعيات الإقتصادية للحرب قد تكون الأقوى تأثيرا على شعوب العالم، بما في ذلك منطقتنا، إبتداء من أزمة الطاقة والغذاء وإرتفاع أسعارها عالميا. ويتطلب هذا الأمر مزيدا من التنسيق والتعاون في ما بيننا من أجل تأمين الحد الأدنى من مقومات الأمن الغذائي والطاقوي لكل من دولنا، فلم نعد نملك ترف التفرج على مزيد من الأزمات في الوقت الذي تنتظر فيه شعوبنا ان ننجح في معالجة ما هو مستعر منها.
وفي الواقع فإن جميع دولنا، دون إستثناء، تواجه تحديات كبرى وصعوبات عديدة تختلف من دولة لأخرى، تشمل مجالات التنمية أو الأمن الغذائي أو الإستقرار السياسي والأمني أو الوضع المالي والنقدي وغيرها. وهذا النوع من التحديات في عالم معولم وشديد الترابط، لا يواجه بشكل أحادي، بل يتطلب جهودا مشتركة وتعزيزا للتنسيق. ورغم بعض الجهود المتفرقة، فإن الواقع يقول أن الإستجابة العربية المشتركة لهذه التحديات لا تزال دون المأمول. ولطالما سمعنا من جهات دولية عديدة دعوات لتحمل المسؤولية المشتركة في معالجة هذه التحديات. إن الإعتراف بتقصيرنا، في هذا المجال سواء كان جزئيا أو محدودا هو ضروري من أجل فهم الأسباب ومعالجتها بالجرأة والكفاءة المطلوبتين. وفي هذا السياق ندعو الى ما يلي:
1- ضرورة تغليب المشتركات على التباينات أو الخلافات؛ فهذه الأخيرة لن تختفي في يوم من الأيام. يستدعي ذلك ضمان استمرار التعاون، وانسيابيته، في مختلف المجالات وخصوصا الاقتصادية، وصولا إلى التكامل، بمعزل عن تباعد السياسات. فهذه الأخيرة، بطبيعتها، تميل للتكيف والتغير بينما يحتاج التعاون الاقتصادي إلى تمتين وتصليب أرضيته، وهو الأساس المادي الضروري لتطور السياسات المشتركة.
2- ضرورة تغليب لغة الحوار الأخوية بين الدول العربية والحرص على التواصل المباشر في ما بينها، لمعالجة التباينات. والتأكيد على وجوب وإعلاء شأن المصالح الوطنية والمشتركة والإحترام المتبادل للسيادة والمصالح والكرامة الوطنية. ويتلازم ذلك مع الحرص على خصوصية المجتمعات ودعم جهود الحفاظ على تماسكها الداخلي للتمكن من مواجهة التحديات الخارجية. إن التمسك بإحترام ميثاق جامعة الدول العربية، بما فيه المادة الثامنة، وكذلك الحرص على أن يكون الإجماع العربي ملزما كحصيلة لنقاشات شفافة وصريحة، من شأنه الإرتقاء بالعمل العربي المشترك وتحصين مستوى جديته وتأكيد جدواه.
3- مضاعفة جهود التوصل إلى وحدة الموقف العربي والفهم الموحد للمصالح المشتركة تمكينا لنا من النجاح في إقامة علاقات متوازنة ومؤثرة، إقليميا ودوليا.
4- تطوير عمل جامعة الدول العربية والنهوض بمختلف أشكال العمل العربي المشترك وكذلك العلاقات العربية البينية، وفق أسس عقلانية ورشيدة والتزام ضوابط عمل متفق عليها وبرامج تعاون تنفيذية قابلة للتطبيق وغيرها من الآليات، ويمكن الاسترشاد في هذا المجال بما طورته هيئات دولية وإقليمية أخرى ترتبط معظم دولنا بعلاقات تعاون معها.
5- النظر في كيفية تفعيل الآليات القائمة وبلورة آليات جديدة لمتابعة تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بمنطقتنا، كالقرارات الخاصة بالقضية الفلسطينية وبالصراع العربي – الإسرائيلي عموما”.
واعتبر الوزير بو حبيب “ان التطورات الاقليمية والدولية الجارية سوف تلقي بظلالها على ما نواجهه من تحديات جسام، كما سوف يكون لها آثارها على النظامين العربي والاقليمي في سياق ما يشهده النظام العالمي نفسه. فإلى الحروب والأزمات التي تعيشها عدد من الدول العربية، تحمل الأسابيع القليلة المقبلة نتائج جيوسياسية للحرب الروسية الاوكرانية وكذلك نتائج منتظرة على صعيد الاتفاق النووي مع ايران”.
وقال: “ان هذه التطورات ودقة المرحلة تتطلب منا جميعا ان نعمل سويا، أكثر من ذي قبل، من أجل التوصل الى مقاربات مشتركة وموحدة للتعامل مع التحديات التي قد تنشأ بفعل تطورات هاتين القضيتين.
وباعتقادنا فإن الحوار الشفاف والتفاعلي والقائم على تفهم الهواجس والاهتمامات واحترام المصالح، يمكننا جميعا من التوصل بشكل جدي، وليس صوريا، الى ما يصبو اليه عالمنا العربي. وباستطاعة الأمانة العامة لجامعة الدول العربية نظرا لأهليتها ولخبرتها، أن تلعب دورا رياديا في هذا المجال، هو من صلب مسؤولياتها، في اطار تفعيل دور الجامعة وتعزيز حضورها اقليميا ودوليا. وسوف نسعى، من خلال رئاستنا للدورة الحالية من المجلس الوزاري العربي، بحدود امكانياتنا المتواضعة، للدفع بمسيرة العمل العربي المشترك وتسليط المزيد من الضوء على القضايا العربية الداهمة، والتقدم على صعيد التقريب بين وجهات النظر وبناء رؤى تستلهم ميثاق جامعة الدول العربية وضرورات التضامن العربي المشترك من اجل تحقيق آمال شعوبنا وطموحات دولنا. ويندرج في هذا السياق عقد الاجتماع التشاوري المقبل في لبنان، تأكيدا على أهمية هذا النوع من الاجتماعات التي أثبتت جدواها على صعيد ما تتيحه من امكانية لتبادل الآراء والأفكار والهواجس بصراحة وشفافية، وهو ما لمسناه مؤخرا في الاجتماع التشاوري الذي استضافته دولة الكويت. وفي اطار نفس هذا الاهتمام والحرص على دور الجامعة، نولي أهمية كبيرة للتقدم في مجال التحضير وخلق المناخ الملائم لانعقاد القمة العربية التي تستضيفها الشقيقة الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية التي تبدي كامل الحرص على إنجاحها بما يرضي طموحاتنا وآمالنا جميعا”.
اضاف: “أبت الأبجدية إلا أن تكون صلة وصل طيبة، ففيما حكمت انتقال رئاسة الدورة من الشقيقة دولة الكويت إلى لبنان، كنا قد تشرفنا بإستقبال معالي الأخ الشيخ الدكتور احمد ناصر المحمد الصباح وزير خارجية الكويت حاملا مبادرة طيبة تكبد عناء قيادتها ولقيت من لبنان الترحيب والتجاوب. واني اذ اغتنم المناسبة لأشكره على جهوده الطيبة والاخوية الصادقة أرغب في مخاطبتكم قليلا عن وطني لبنان الذي أعرف أنكم لطالما أحببتموه واعتبرتموه بمثابة بلدكم الثاني. بعيدا عن منطق الوطنية الشوفينية، أسمح لنفسي بالقول أن لبنان يشكل، عن حق، تجربة فريدة من نوعه. فهو، واحة للحريات ومركز لتلاقي وتفاعل الحضارات والعقائد والأفكار. هو ايضا نمط حياة يستحق ما يبذله اللبنانيون من أجله. وهو، نموذج مميز لعيش واحد بين المسيحيين والمسلمين، في إطار لا يميز في الحقوق والواجبات بينهم بل يراهم على سوية واحدة. فليس شعرا القول، ان لبنان في جوهره رسالة، وليس تبريرا القول، ان نجاحه في أداء رسالته، يواجه بتحديات كبيرة: ولعلني لا أبالغ ان قلت ان المخاطر الكبرى التي عصفت في منطقتنا خلال العشرية القاتمة التي انقضت هي، في أحد تجلياتها، انفجار عاصف في وجه تحدي ادارة التنوع والارتقاء بالعيش الواحد، اللذين يشكلان جوهر رسالة لبنان”.
وتابع: “ونحن في لبنان نجحنا في الحفاظ على وحدة بلدنا، رغم عظيم التحديات والصعوبات، ومصرون على حماية تماسك مجتمعنا وحفظ تنوعه. وهذا الأمر لا يمكن تحقيقه دون تعزيز مناخ الحريات فيه. ففي بلادي حيويات وديناميات اجتماعية في حراك مستمر وشعب حي مصمم على أفضل مستويات العيش وعلى ترك بصمته في مختلف مجالات الانتاج والابداع. لذلك، ايها الأخوة الزملاء، أدعوكم بكل صدق ومحبة إلى تفهم جوهر التجربة اللبنانية ورسالتها، والنظر الى ما قد يعتريها، كما تنظرون الى ما يعتري تجارب البلدان الأخرى. فجميعنا نواجه تحديات في مسيرتنا لتحقيق التنمية والرفاه والاستقرار لدولنا وشعوبنا والتماسك لمجتمعاتنا”.
وأردف: “واليوم، ورغم ما نحن فيه من انهيار شبه كامل للأوضاع الاقتصادية والمالية، وما نواجهه من تحديات للدور والموقع، لا نزال مصممين على النهوض مجددا والمضي قدما على طريق تحقيق رسالتنا وامتشاق الدور الذي يليق بتضحياتنا واسهاماتنا. وما نرجوه من الأشقاء العرب، في هذا السياق هو، في العمق، مساندة لبنان في عروبته ووحدته وحفظ رسالته وتجربته، لأن دعمهم ضروري لصون فرادته”.
وقال: “يحفل جدول أعمال مجلسكم الوزاري الموقر، على جري العادة، بالعديد من البنود التي تعالج قضايا ومسائل استراتيجية تتصل بالأمن القومي العربي وبالحروب والأزمات في أكثر من بلد عربي، وبما يتعلق بالتعاون والتكامل العربيين على أكثر من صعيد، وكذلك بالشؤون المتعلقة بجامعة الدول العربية. وأننا على ثقة ان مجلسكم الموقر سوف يحرص على تبني القرارات المناسبة التي تعكس الموقف العربي المشترك من الأزمات والقضايا والتحديات التي تواجهها منطقتنا وبلداننا. فلا أجد حاجة، في كلمتي هذه، لاستعراض موقف لبنان من كل واحدة فيها. واستعيض عن ذلك بتجديد الدعوة الى تجاوز حالة الفرقة والتباين، وتمتين وحدة الصف العربي من أجل تماسك الموقف ازاء التحديات والفرص وتوليد الارادة المشتركة لتحويل هذه الفرص الى نجاحات واقعية. فمن دون وحدة ومن دون تعاون فعلي وملموس، لن يكون ممكنا لنا التقدم الى الأمام”.
وختم: “أدعو، ختاما، الى أن نتعاون جميعا بكل حرص ومسؤولية من أجل لم كامل الشمل العربي ضمن اطار الأسرة العربية الواحدة التي تجسدها جامعة الدول العربية، وتشكل استعادة سوريا اليها واستتباب الأمن والسلام في كل قرنة من عالمنا العربي، عنوان نجاح أكيد. ان وحدتنا هي شرط ضروري لفعاليتنا على الصعيدين الإقليمي والدولي وللحفاظ على موقعنا بين الأمم”.