بلنكين في تل أبيب ونتنياهو في واشنطن وورطة خطة بايدن
كتب فارس الحباشنة, في “الدستور” :
في زيارته الثامنة الى الشرق الاوسط منذ 7 اكتوبر، يصل وزير الخارجية الامريكية انتوني بلنيكن الى تل ابيب اليوم.
ويسعى بلنيكن الى الدفع باتفاق تبادل ما بين اسرائيل والمقاومة الفلسطينية، وما يشمل وقفا مطولا لاطلاق النار وتبادل الاسرى. و تتعرض حركة حماس الى ضغوطات هائلة من الوسطاء العرب لقبول بالمقترح الاسرائيلي / الامريكي. و المفارقة ان المقترح مازال ينتظر موافقة الجانب الاسرائيلي، على الرغم من ان اسرائيل من اودعت المقترح لدى الادارة الامريكية.
و لا يعني اعلان الرئيس الامريكي عن المقترح انه ليس مصدره وابوه الشرعي هو اسرائيل. وقد قدم الاتفاق الى واشنطن برضا ومباركة وقبول نتنياهو، ولاسباب عسكرية وسياسية، وترتبط في تطورات المعركة وحرب غزة، والحرب العالقة، و فشل اسرائيل في تحقيق اهداف الحرب، والبحث عن سقف سياسي للعدوان، والتآكل في المستوى التكتيكي العسكري الاسرائيلي.
بايدن سارع في اعلان الاقتراح الاسرائيلي، وقبل ان ينضج في مراكز القرار الاسرائيلي، وقبل ان يعرض ويطلع على تفاصيله وزراء الحكومة ومجلس الحرب، وذلك للضغط على نتنياهو، وحشره في زاوية لانجاح الاقتراح الاسرائيلي. وزيارة بلينكن ليست الا خطوة سياسية امريكية في اتجاه انجاح الاقتراح الاسرائيلي.. ومن تل ابيب، فان ادارة بايدن معنية في حماية تنتياهو، وتوفير شبكة امان لحكومة نتنياهو، وفي حال انسحب حزب اليمين المتطرف بن غفير وسموتيرتش من الحكومة وافقدها النصاب..
فان الاغلبية في الكنيست تتجه بوصلتها نحو تطويع وتليين معارضة الليكود. و لذا، فان ثمة تطمينات امريكية الى نتنياهو، ولا تدفع باتجاه سيناريو استبداله بشخصية اخرى.. واول امس كان الوزير غانتس عضو مجلس الحرب قد اعلن عن تعليق عقد مؤتمره الصحفي، وكان من المزمع ان يعلن به عن انسحابه من مجلس الحرب.
وفي عملية استعادة الاسرى الاربعة جاءت كغطاء لتجاوز الازمة السياسية الداخلية الاسرائيلية، ولتفادي انهيار مجلس الحرب. والعملية وما بعدها دفعت غانتس الى تعليق عقد المؤتمر الصحفي، والامتثال الى الرغبة الامريكية في ترميم العلاقة مع نتنياهو وحكومته، و»كابينت» مجلس الحرب.
وحماية نتنياهو غدت هدفا سياسيا امريكيا.. واذا ما وافق نتنياهو على الاقتراح، فان مراوغة فرقائه ومعارضيه سوف تبقيه اطول على رأس القرار السياسي في تل ابيب،
و تعطل اي مسارات ومسارب اخرى لانهاء نتنياهو سياسيا واسقاط حكومته، والتسريع في اجراء انتخابات مبكرة.
و في عملية استعادة 4 اسرى اسرائيليين انكشف الدور والتدخل الامريكي. والاعلام الاسرائيلي اول من كشف عن الدور الامريكي في العملية، والمشاركة الامريكية تعدت التخطيط والاستخبار، وقدمت خدمات لوجستية وعسكرية مباشرة الى جيش الاحتلال. و لربما لاحقا يكشف عن دور عسكري امريكي ميداني وعملياتي واستخباري اكبر في حرب غزة. ووفقا للرواية الاسرايلية، فقد تم الاعتماد كثيرا على الرصيف البحري الامريكي في عملية استعادة الاسرى.
و عملية استعادة الاسرى ذاتها، وان حاولت حكومة نتنياهو تسويقها على اعتبارها نصرا عسكريا. ولكن لا يعني ذلك اغلاق ملف التفاوض وتبادل الاسرى، ووقف مطول لاطلاق النار. وعملية استعادة الاسرى لن تغيير من معادلة استراتجيات الحرب. والصورة الكلية للحرب كما هي. واسرائيل تعجز عن تحقيق اهدافها العسكرية والسياسية.
و مشهد عملية الاسرى في سياقها السياسي الاوسع تعتبر بمثابة مناورة اسرائيلية لارباك حماس والمقاومة وقبولها للضغوطات الامريكية وصفة تبادل الاسرى ووقف اطلاق النار. نهاية الشهر المقبل سيزور نتنياهو واشنطن، وسيلقي خطابا امام الكونغرس الامريكي. و الزيارة بمثابة رد اعتبار امريكي لنتنياهو ضد مذكرات اعتقال دولية صدرت بحق رئيس الحكومة الاسرائيلي، وعلى خلفية ارتكاب جرائم حرب في غزة.
و لا شك ان الزيارة سوف تأتي في سياق اعلان نتنياهو الموافقة على المقترح الاسرائيلي / الامريكي لوقف اطلاق النار.
و من واشنطن.. هل سوف يعلن نتنياهو في خطابه انتصار اسرائيل في حربها على حماس وغزة ؟ يستبعد ان يتحدث نتنياهو عن نهاية الحرب ما دام ان هناك اسرى إسرائيليون في قبضة المقاومة.
وما يرجح ان يتم الاتفاق على صفقة التبادل قبل زيارة تننياهو الى واشنطن، وذلك سواء عبر الاتفاق او الخيار العسكري، والاخير من الصعب الرهان عليه، ومع تعقيدات مسارات الحرب ميدانيا.
واذا لم يتحقق اي من الخيارين..فماذا سوف يقول نتنياهو ويعلن من واشنطن ؟ واي ازمة تنتظر اسرائيل، وسوى ازمة اسرائيلية داخلية او ازمة في العلاقة مع واشنطن، والى جانبها تفاقم عزلة ومقاطعة اسرائيليا دوليا.
نهاية الحرب ليست قرارا اسرائيليا.. ولابد من موافقة حماس والمقاومة. وواشنطن تدرك ماذا يعني ذلك. ولذا فانها لا تفرغ من ممارسة ضغوط على الوسطاء والاصدقاء لكي يقنعوا حماس بضرورة وقف الحرب والموافقة على المقترح الاسرائيلي.
حرب 7 اكتوبر، ومن يومها الاول حبلى بالمفاجات. وقد مرت 9 شهور على اندلاعها، وكل يوم تزداد تعقيدا، والثوابت السائدة تنقلب على كل الوجوه.. وما هو مؤكد ان استمرار الحرب قرار عبثي وعدمي، وان الحرب قد انتهت واستمرارها ضرب من الجنون