كتب د. محمد السعيد إدريس في صحيفة الخليج.
يبدو أن رئيس مجلس النواب الأمريكي السابق، كيفين مكارثي، لم يكن واثقاً، بما فيه الكفاية، بالأدلة التي يضغط بها عليه زملاؤه من الجمهوريين اليمينيين المتشددين الموالين للرئيس السابق، دونالد ترامب، بخصوص ارتكاب الرئيس الأمريكي جو بايدن، مخالفات تستوجب البدء بإجراءات عزله عن منصبه، لذلك قال مقولته التي حفرت مكانها المميز في سجل المنازلة الانتخابية التي بدأت صاخبة بين الرئيس الحالي جو بايدن، والرئيس السابق دونالد ترامب، باعتبارهما المرشحين الأقرب إلى التزكية من حزبيهما لخوض المعركة الانتخابية الرئاسية التي ستجرى في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. قال مكارثي تعبيراً عن «عدم اليقين» بتلك الأدلة: «سنذهب إلى حيث تأخذنا الأدلة»، كأنه يقول: «سنذهب إلى حيث تأخذنا الأقدار».
وعلى العكس منه، جاءت مواقف الرئيس الجمهوري الجديد لمجلس النواب، مايك جونسون، حيث ذهب إلى أقصى مدى بالانخراط في عملية «عزل» الرئيس بايدن، في وقت عصيب من الحملة الانتخابية الرئاسية، اعتقاداً من الجمهوريين بأنهم بالانخراط في عملية العزل هذه سيكون بمقدورهم تحقيق أحد نجاحين؛ إما النجاح في عزله، ومن ثم يفتح الطريق على مصراعيه أمام مرشحهم الجمهوري دونالد ترامب، وإما إشغال بايدن بمعركة الدفاع عن نفسه ضد العزل، كي لا يتفرغ لمهامه التي عليه أن يقوم بها في الحملة الانتخابية التي يأمل الفوز فيها.
مايك جونسون مأخوذ بهذا الطموح، غير عابئ بما سبق أن أبداه الرئيس السابق للمجلس، كيفن مكارثي، من تشكك في أن «ادعاءات إساءة استخدام السلطة والعرقلة والفساد الموجهة ضد بايدن غير كافية وتستدعي إجراء المزيد من التحقيقات من جانب مجلس النواب»، لذلك تعجّل في الدفع بالتصويت في مجلس النواب للبدء بإجراءات العزل الرسمية بحق بايدن، وفعلاً صوت 221 نائباً لمصلحة مشروعه القاضي بالبدء بإجراءات العزل، وعارضه 212 نائباً.
وبهذه الخطوة يفتتح الجمهوريون موسم الحملات الانتخابية، التي يبدو أنها ستكون ضارية، حيث أصدر الرئيس بايدن بياناً مباشرة عقب إجراء ذلك التصويت في مجلس النواب، هاجم فيه الجمهوريين واتهمهم بالتقاعس عن القيام بواجباتهم التشريعية، كإقرار مساعدات خارجية، وحل أزمة الحدود، والتركيز على الأوضاع الاقتصادية. وقال بايدن في بيانه «بدلاً من القيام بأمور تحسّن حياة الأمريكيين، يركزون على مهاجمتي بالأكاذيب، وبدلاً من القيام بعملهم، يختارون إضاعة الوقت على هذه الحيلة السياسية التي يعترف الجمهوريون في الكونغرس بأنها غير مدعومة بالحقائق».
جونسون رفض توصيف البدء بإجراءات العزل بالمسيّسة، مؤكداً أن التصويت الذي أجراه مجلس النواب «قرار قانوني بحت»، وقال في مؤتمر صحفي عقده في الكونغرس «نحن لا نتخذ قراراً سياسياً… إنه قرار قانوني. يجب أن نتبع الحقيقة.. وهذا بالضبط ما نفعله».
العبارة الأخيرة تعيدنا إلى مقولة سلفه كيفين مكارثي: «سنذهب إلى حيث تأخذنا الأدلة»، إذ ربما يكون المتشددون من الجمهوريين في مجلس النواب على يقين بأن «عزل» بايدن لن يحدث، إما لعدم التوصل إلى «تلك الأدلة»، وإما للسبب الأهم، وهو أن «العزل» للرئيس يفترض، وكما ينص الدستور الأمريكي، إثبات حدوث «خيانة الأمانة والرشوة»، ما يستلزم موافقة مجلس الشيوخ لإقراره، وهذا لن يحدث لأن الديمقراطيين لهم الأغلبية في هذا المجلس.
الأرجح أن تتكرر تجربة الديمقراطيين السابقة في محاولة عزل الرئيس دونالد ترامب. فقد صوت مجلس النواب بأغلبيته الديمقراطية حينئذ مرتين لعزل ترامب، رسمياً، وبسبب الفشل في الحصول على دعم كافٍ من مجلس الشيوخ لم يحدث العزل، ولذلك، فإن أقصى ما سيحققه الجمهوريون من هذه الإجراءات هو فرض بداية صاخبة للحملة الانتخابية الرئاسية تعيد ترامب مجدداً إلى وهج المنافسة على الرئاسة مجدداً.