رأي

المصالحة الفلسطينية في الصين

كتب فارس الحباشنة في صحيفة الدستور.

يصعب القفز الى استنتاجات اخيرة لما قد يحدث بعد اتفاق المصالحة الوطنية الفلسطينية في الصين. و في بكين توصل 14 فصيلا فلسطينيا الى اتفاق مصالحة.
و اتفقت «الفصائل الفلسطينية» على رسم خارطة طريق لتحقيق المصالحة المنشودة. و يحقق الاتفاق الفلسطيني في بكين صناعة اختراق في جدران الانقسام والفرقة الفلسطينية منذ حوالي 20 عاما. و كما انه يحمل آمالا في الدفع نحو تشكيل حكومة وفاق وطني مؤقتة، ولادارة الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة بعد الحرب.
يبدو ان ثمة تناقضات فلسطينية واقليمية ودولية تطرح تساؤلات وتحديات تتجاوز الرغبة المشتركة وحدها في طي صفحة الانقسام والفرقة الفلسطينية.
و التقاط صور تذكارية بالعاصمة الصينية بكين التي احتضنت المبادرة واتفاق الفصائل الفلسطينية. خطوة المصالحة تطور جوهري هام، وفي اجواء فلسطينية واقليمية ملبدة بالمفاجآت وانقلاب بالمواقف والتحالفات.
و من واشنطن، خرج رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو ليبشر بقرب التوصل الى اتفاق مع المقاومة وحركة حماس لوقف اطلاق النار، وتبادل الاسرى المحتجزين لدى المقاومة. و زيارة نتنياهو الى واشنطن، كان عنوانها الافتراضي البحث وطلب مزيد من الدعم الامريكي والاسناد العسكري لتحقيق النصر المطلق في حرب غزة، واستعادة اسرائيل لقوة الردع على جبهتي لبنان واليمن. و في الاثناء، احتضنت العاصمة العمانية، مسقط اتفاقا سعوديا / يمنيا. وهو ثمرة مساعي سياسية ودبلوماسية لانهاء حالة الحرب. وتوخيا سياسيا واعيا لعدم استغلال اسرائيل لحروبها وصراعاتها وازماتها في الاقليم وجر دول اخرى، وذلك من باب التصعيد اليميني / الاسرائيلي.
وكم طالب نتنياهو من امريكا ودول صديقة لتوريطها في الاشتراك مع اسرائيل في حروبها، ومواجهة محور المقاومة ومحاولة « نتنياهو الشيطانية» لجر الاقليم الى حرب كبرى. المصالحة الفلسطينية في بكين ليست مفاجأة كاملة. وقد جاءت في موعدها فلسطينيا واقليميا، وتدق على عقارب ساعة غزة، ومالات ما بعد الحرب واليوم التالي، وبعدما وصل نتنياهو الى درجة صفر استراتيجيا وعسكريا وسياسيا في حرب غزة. و المبادرة الصينية تم بناؤها على اطر سابقة للمصالحة الوطنية الفلسطينية، وحيث استندت الى اتفافية الوفاق الوطني، واعلان الجزائر 2022.
و تمخض عن « المبادرة الصينية « اتفاق الفصائل الفلسطينية على الاليات لتنفيذ بنود الاتفاق، ووضع اجندة زمنية لتطبيق الاعلان.
المبادرة الصينية تعاكس اتجاهات ونوايا المبادرات الغربية : الامريكية والاوروبية. وتستند على توحيد الفصائل الفلسطينية، وتسعى الى ترميم الانقسام والفرقة، وعوضا ارادات غربية من مصلحتها تكريس الخلافات والانقسام الفصائلي الفلسطيني دعما وخدمة لاسرائيل.
بضغوطات وحسابات امريكية واسرائيلية فان مسارات التصالح الفلسطيني قد تعطلت ودخلت « غرف التبريد»، ورغم ان الفصائل الفلسطينية في جولات ومحطات من التفاوض اقتربت كثيرا من اعلان توافق ومصالحة وطنية.
أفضل ما ينسب للمصالحة الوطنية الفلسطينية في بكين انضواء الجميع تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية. والموافقة على الالتزامات القانونية الدولية لمنظمة التحرير، والتزام في القانون الدولي، وحل الدولتين.
المبادرة الصينية للمصالحة الفلسطينية متقدمة سياسيا. والصين قادرة على صناعة وفاق ومصالحة فلسطينية، ولما تملك من ارث ورصيد طيب وكبير لدى الفصائل الفلسطينية. و الاتفاق في بكين يمهد ويفرش ارضية فلسطينية لانهاء حرب غزة، وتقديم وصفة سياسية تصالحية فلسطينية لليوم التالي في غزة، والاتفاق على ان الفلسطينيين يحكمون غزة، ولا احدا اخر.
المصالحة الفلسطينية اكثر ما تحتاج الى التزام فلسطيني، وتحتاج الى دعم سياسي عربي واقليمي. و» اتفاق بكين « يؤسس لدور صيني سياسي في القضية الفلسطينية، ويؤسس لكسر قواعد الاحادية والاحتكار الامريكي للصراع العربي / الفلسطيني. و في الدور الصيني. هذا ما نبحث عنه فلسطينيا وعربيا واقليميا. وبمثابة زلزال سياسي يبشر في مرحلة كسر الاحادية الامريكية في الشرق الاوسط والعالم.
دخول الصين على خط المصالحة الفلسطينية بدا اختراقا جديا لحسابات وموزاين القوى في عالم يتغير. و الصين في ثنايا ازمات وصراعات الشرق الاوسط استطاعت ايصال السعودية وايران الى اتفاق ومصالحة بين البلدين.
و الصين بحكم علاقتها الطيبة والايجابية والتشاركية اكتسبت ثقة الانظمة السياسية والشعوب. وثقة ترجمت سياسيا لتعلب دور الضامن في المصالحة الفلسطينية ومن قبلها في المصالحة الايرانية / السعودية، وتدخلها للوساطة في حرب اوكرانيا.
نحن امام «صين جديدة» تتقدم الى المسرح العالمي بثقل سياسي، وقوة اقتصادية ووزن عسكري، وصفة دولة عظمى، وفراغ مدوٍ بالنظام العالمي، وصعود لقوى ومحاور وتحالفات دولية جديدة، وانكسار للاحادية الامريكية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى