“المرض البريطاني” يظهر في شكل احتمال ركود تضخمي.
تدل الأرقام والبيانات المتتالية حول الاقتصاد البريطاني إلى أن البلاد بدأت تعاني أعراض ما عرف في سبعينيات القرن الماضي باسم “المرض البريطاني”، حين عانت البلاد من ركود تضخمي عميق.
وأشار أقدم مراكز البحوث الاقتصادية في بريطانيا، المعهد الوطني للبحوث الاجتماعية والاقتصادية، إلى أن الاقتصاد البريطاني “خسر فرص النمو” على مدى الأعوام الخمسة الماضية مع “استمرار ارتفاع معدلات التضخم وما يبدو من عجز في الموازنة شبه دائم”، بحسب ما ذكرت صحيفة “التايمز”.
وقال مدير المعهد “شاغيت شذا” إن “مشكلات البلاد الاقتصادية أدت إلى “عودة المرض البريطاني”، مضيفاً أن “معدل النمو الاقتصادي لن يعود للارتفاع إلى ما كان عليه قبل وباء كورونا”، مما يجعل بريطانيا في ذيل الدول المتقدمة.
وفي أحدث تقرير للمعهد في شأن توقعاته الفصلية خلص إلى أن الاقتصاد البريطاني لن يعود لحجمه السابق على وباء كورونا إلا ربما بنهاية العام المقبل.
ومن غير المتوقع أن تنخفض معلات التضخم إلى النسبة المستهدفة من بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) قبل أربع سنوات، كما أشار تقرير المعهد الذي قدر أن يصل معدل التضخم إلى نسبة 2.2 في المئة بحلول عام 2027.
وهذا التقدير أسوأ من تقدير بنك إنجلترا الذي يتوقع انخفاض معدل التضخم إلى نحو اثنين في المئة بحلول العام بعد المقبل 2025.
العجز والتضخم
بحسب التوقعات والتقديرات، يرجح أن ينخفض معدل التضخم، الذي تصل نسبته حالياً إلى 7.9 في المئة، بنهاية هذا العام إلى نسبة 5.2 في المئة على أن ينخفض إلى نسبة 3.2 في المئة بنهاية العام المقبل 2024، ويستمر معدل التضخم مرتفعاً على رغم رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لنسبة 5.25 في المئة.
يرجع ذلك بالأساس إلى استمرار ارتفاع الأجور في بريطانيا، إذ يظل معدل الارتفاع للعام القادم كما هو هذا العام عند نسبة ستة في المئة. وأيضاً استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية التي وصلت إلى أعلى مستوى لها في 30 عاماً في شهر مارس (آذار) الماضي وما زال معدل ارتفاعها عند نسبة 17 في المئة. وعلى رغم ارتفاع أسعار الفائدة إلا أن المعهد توقع في تقريره أن يظل سوق العمل في بريطانيا في وضع جيد مع وصول معدلات البطالة إلى نسبة 5.1 في المئة بحلول عام 2025.
وتوقع تقرير المعهد أن تتفادى بريطانيا بالكاد الدخول في ركود هذا العام مع احتمال نمو الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط بنسبة 0.4 في المئة ونموه في العام المقبل 2024 بنسبة 0.3 في المئة. يذكر أن محافظ بنك إنجلترا، أندرو بايلي، حذر أخيراً من احتمال وضع “فلتان الأسعار والأجور” معاً، مما يعني صعوبة السيطرة على معدلات التضخم.
وعلى رغم مطالبة كثر من المحافظين في بريطانيا الحكومة بخفض الضرائب لإنعاش النشاط الاقتصادي، إلا أنه من الصعب توقع أن تلجأ حكومة رئيس الوزراء ريشي سوناك ووزير خزاته جيريمي هنت إلى أي خفض للضرائب قبل الانتخابات العامة العام المقبل 2024.
الخروج من مجموعة السبع
مع أعلى معدل تضخم بين الدول المتقدمة، ونسبة عجز موازنة ونسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، يتوقع عدد من المحللين والاقتصاديين أن بريطانيا تتجه نحو أزمة قد تجعلها خارج مجموعة السبع للدول الغنية، “وبدلاً من أن تكون في القاعة ذاتها مع ألمانيا والولايات المتحد تصبح مع دول مثل الأرجنتين وبولندا”، على حد قول شيريل غاكوبس في مقالة لها بصحيفة “الديلي تلغراف” هذا الأسبوع.
وبحسب الكاتبة الاقتصادية فإن “بريطانيا تقترب من حال طوارئ حقيقية”، مضيفة أن “كثيرين يقرون أن البلد مفلس تقريباً، حتى مع رفع الضرائب إلى أعلى مستوى في حال السلم، تقترض الحكومة بكثافة لتمويل إنفاق غير قابل للاستدامة”.
وتستبعد غاكوبس أن يكون لدى أي من الحزبين الرئيسين في البلاد، المحافظين والعمال، من يمكنه مواجهة هذا الخطر.
ويبدو هناك شبه إجماع بين كثير من المعلقين في الصحافة الاقتصادية البريطانية على أن النخبة السياسية لا تدرك مدى خطورة الوضع في البلاد، وأن هناك شبه تجاهل لحقائق تبدو مؤدية إلى طريق في غاية الصعوبة.
وكتب رايان بورن من معهد “كاتو” مقالة في التايمز الخميس حول أزمة الدين العام البريطانية خلاصته أن المسؤولين والنخبة السياسية والاقتصادية في الولايات المتحدة وبريطانيا، وخصوصاً في بريطانيا، تتجاهل أن الاقتراض الحالي ليس مثل المرات السابقة في التاريخ.