المجموعة السياسية الأوروبية ـ تجمع “فضفاض” واستمراره “أمر إيجابي”.
هيمن على الاجتماع الثالث للمجموعة السياسية الأوروبية موضوع واحد، على الأقل في التصريحات العلنية: وهو الحرب الدفاعية التي تخوضها أوكرانيا ضد العدوان الروسي المستمر منذ أكثر من ثمانية عشر شهراً.
وكما كان الحال في يونيو/حزيران في القمة الثانية للمجموعة التي أنعقدت في مولدوفا، كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي هو أكثر الزعماء نشاطاً وعقداً للاجتماعات الثنائية.
ما هي المجموعة السياسية الأوروبية؟
تهدف المجموعة السياسية الأوروبية، التي انطلقت من فكرة طرحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لجمع دول من خارج الاتحاد الأوروبي. وفي هذا السياق دعيت عشرون دولة إلى المشاركة في هذه القمة الثالثة إلى جانب دول التكتل الـ27. وانطلاقاً من هذه الفكرة، تضم المجموعة دولاً ذات مسارات متباينة تماماً تجاه التكتل الأوروبي، بينها دول مرشحة للانضمام، وأخرى على يقين بأن الباب أغلق أمامها لوقت طويل، فضلاً عن المملكة المتحدة التي اختارت قبل سبع سنوات الخروج من الاتحاد.
إن الغرض الحقيقي للمجموعة السياسية الأوروبية ليس اتخاذ قرارات رسمية أو صياغة بيانات، بل العمل كنوع من “البازار الدبلوماسي” والنادي للقاء رؤساء الدول والحكومات.
حلف ضد روسيا؟
باستثناء روسيا وبيلاروسيا، فإن جميع الدول الأوروبية تقريباً حاضرة. الإشارة الواضحة هنا: هذا تحالف مناهض لروسيا.
لكن في قمة غرناطة هذه، كان يسود القلق من تزعزع ذلك التحالف. ومن الممكن سماع الأصوات المنتقدة لمستوى الدعم المقدم لأوكرانيا من المجر، وبولندا، وربما قريباً من سلوفاكيا. ويشير بعض دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي، الذين لا يريدون الكشف عن أسمائهم، إلى أن المزاج العام قد يتغير قريباً، وليس فقط في أوروبا الشرقية والوسطى. وفي إسبانيا، الدولة المضيفة للقمة، من الممكن أيضاً سماع أصوات انتقادية من الناس، الذين يتساءلون متى وكيف ينبغي إنهاء الحرب في أوكرانيا.
ويعول الاتحاد الأوروبي على الوحدة وانتصار أوكرانيا على روسيا. وقد عبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن الأمر بعناية: “التحدي الأكبر الذي نراه هو الحفاظ على الوحدة في أوروبا من أجل ضمان أمن واستقرار بيتنا الأوروبي المشترك”.
انضمام كييف للاتحاد الأوروبي
تحدث زيلينسكي في القمة كما لو كان رئيساً لإحدى دول الاتحاد الأوروبي. وتريد أوكرانيا التي مزقتها الحرب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في أسرع وقت ممكن. وقبل مغادرته إلى غرناطة، أعرب الرئيس الأوكراني عن ثقته في إمكانية بدء مفاوضات الانضمام مع بروكسل في القريب العاجل.
ومن جانبه، وفي مقابلات أجراها هذا الأسبوع، حدد رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل عام 2030 كموعد محتمل للانضمام. وبدأت كل من أوكرانيا ومولدوفا وست دول في غرب البلقان منذ سنوات عديدة في عملية طويلة من التقارب مع الاتحاد الأوروبي. وفي الوقت نفسه، يعترف شارل ميشيل بأن الاتحاد الأوروبي في وضعه الحالي لن يكون قادراً على قبول أعضاء جدد، ناهيك عن أربعين مليون شخص، هو عدد سكان أوكرانيا. ولذلك، ستتم مناقشة خطوات الإصلاح الضرورية في عمليات صنع القرار وقضايا الميزانية في اجتماع قمة لدول الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين في غرناطة.
الدعم الأمريكي لأوكرانيا
التطورات الجارية في الولايات والتي تهدد استمرار الدعم العسكري لأوكرانيا، حاضرة في قمة المجموعة السياسية الأوروبية. ومن الممكن أن تتوقف المساعدات المالية الإضافية التي تبلغ قيمتها المليارات نتيجة النزاع الحاد في الكونغرس بشأن الميزانية.
ومن دون الأموال التي تعهد بها الرئيس الأمريكي مرة أخرى للحلفاء الغربيين وأوكرانيا، لن يكون من الممكن لأوكرانيا أن تفوز بالحرب مع روسيا، كما يقدر خبراء. وحتى الآن، ضخت الولايات المتحدة نحو 75 مليار يورو إلى أوكرانيا، أي نصف المبلغ الذي تعهدت به جميع الدول الأوروبية مجتمعة حتى الآن، وهو 156 مليار يورو. وقال منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إنه بدون الولايات المتحدة لن تتنصر أوكرانيا. وحذر كبير الدبلوماسيين الأوروبيين من أن “كل من يريد ألا ينتصر (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين في هذه الحرب، عليه أن يبحث عن سبل تمكن الولايات المتحدة من استئناف المساعدات. وبطبيعة الحال، يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يفعل المزيد على المستوى المالي، ولكن الدعم الأمريكي لا يمكن لأي طرف تعويضه”.
بيد أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عبر عن ثقته في أنه يستطيع الاستمرار في الاعتماد “بنسبة 100 بالمائة” على دعم البيت الأبيض وغرفتي الكونغرس (مجلس النواب ومجلس الشيوخ).
ناغورني كرباخ وراء غياب علييف وأردوغان؟
بالإضافة إلى العديد من المحادثات غير الرسمية في مركز المؤتمرات الذي يشبه القلعة في غرناطة، لفت الأنظار لقاء لم يحدث بين رئيس الحكومة الأرميني، نيكول باشينيان، والرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، الذي لم يحضر. وهاجمت قوات علييف منطقة ناغورني كاراباخ التي يسكنها الأرمن قبل أسبوعين، مما أدى إلى نزوح جماعي لنحو 120 ألف أرمني. وكان من المقرر بالفعل عقد اجتماع بين الطرفين في غرناطة، بوساطة فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي، لكن بسبب غياب علييف لم يتم ذلك.
وقال رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي شارل ميشيل إنه “صدم” من العدوان الأذربيجاني ووعد أرمينيا بمزيد من الدعم، بما في ذلك في استيعاب اللاجئين.
وقال بوريل لدى وصوله إلى القمة “من المؤسف أن أذربيجان ليست هنا ومن المؤسف أن تركيا، الدولة الرئيسية التي تدعم أذربيجان، ليست هنا أيضًا” مضيفا “لذلك، لن نتمكن من الحديث هنا عن مسألة خطيرة مثل اضطرار أكثر من مئة ألف شخص إلى مغادرة منازلهم على عجل للهروب من عملية عسكرية”.
ويسعى الاتحاد الأوروبي جاهداً إلى تقريب أرمينيا، التي كانت في السابق قريبة من روسيا، من أوروبا.
كوسوفو وصربيا
كما فات الاجتماع فرصة حوار أخرى: صربيا وكوسوفو. وقالت رئيسة كوسوفو فيوسا عثماني إن بلادها تتعرض لهجوم صربي. واشترطت عثماني خلال حديثها في غرناطة قبل القمة اتخاذ إجراءات ضد
بلغراد من أجل أن تلتقى نظيرها الصربي ألكسندر فوتشيتش. وقالت: “لا يوجد ما يدعو للقاء قبل تبني عقوبات ضد فوتشيتش. العقوبات أولاً، وبعد ذلك يمكننا أن نتحدث بشأن البقية”.
وتصاعدت حدة التوترات بين صربيا وكوسوفو، التي تعتبرها بلغراد جزءاً منشقا عن البلاد، بشكل حاد في الأسابيع الأخيرة. وقبل أسبوع، هاجمت 30 ميليشيا صربية قرية في شمال كوسوفو. قُتل ضابط شرطة في كوسوفو. ويقال إن صربيا حشدت قواتها على الحدود مع كوسوفو. ويقوم حلف شمال الأطلسي بتعزيز قوة حفظ السلام في كوسوفو (كفور) التي يبلغ قوامها 3400 جندي لمعالجة التوترات.
وتريد كل من صربيا وكوسوفو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ولكن بينما تجري صربيا بالفعل مفاوضات بشأن العضوية، الأمر ليس كذلك بالنسبة لكوسوفو التي ليست سوى مرشح محتمل للعضوية، ويعود ذلك لأن دول الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين لا تعترف جميعها بدولة كوسوفو، بما في ذلك إسبانيا.
نقاط التفتيش التابعة لقوات حفظ السلام الروسية تكتظ بمركبات مواطنين أرمن يغادرون إقليم ناغورنو كاراباخ
أردوغان الغائب الحاضر
وترك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بصمته الخاصة من خلال غيابه عن القمة في غرناطة. ومن الواضح أنه مستاء من عدم رغبة الاتحاد الأوروبي في إشراكه في المحادثات الخاصة بأذربيجان وأرمينيا حول الصراع في ناغورني كاراباخ. وهذا ما طالبت به أذربيجان، القريبة تقليدياً من تركيا. واكتفى المكتب الرئاسي التركي بالقول إن هناك صعوبات في جدول مواعيد الرئيس.
ورأى سيباستيان مايار من معهد جاك دولور أن “غياب أردوغان للمرة الثانية على التوالي يضعف المجموعة السياسية الأوروبية التي صممت للتعامل مع أنقرة في إطار مختلف عن الاتحاد الأوروبي حيث طلب انضمامها مجمد”. وتابع أنه “بدون تركيا وأذربيجان، تتخذ المجموعة السياسية منحى أوروبياً بمعنى أكثر حصرية وتبدو أكثر معاداة (للرئيس الروسي فلاديمير) بوتين، باستثناء بعض القادة”. وقال “يبقى أن نعرف إن كان هذا الغياب موقتاً أم نهائياً” مشيراً إلى أن الانتماء إلى المجموعة السياسية الأوروبية يبقى مرناً.
وبذلك فاتت فرصة محادثات بين سياسيي الاتحاد الأوروبي والدولة المرشحة تركيا. وتتفاوض تركيا للانضمام للاتحاد الأوروبي منذ عام 2005. وهدد أردوغان مؤخراً بوقف المفاوضات نهائياً، والتي كانت متوقفة لسنوات عديدة بسبب ميول الرئيس الاستبدادية والعلاقات السيئة بشكل متزايد مع الاتحاد الأوروبي.
وعلى الرغم من قلة النتائج الملموسة، يعتقد الخبير السياسي ستيفن بلوكمانز من “مركز دراسات السياسة الأوروبية” (CEPS) في بروكسل في مقابلة مع DW أن “المجموعة السياسية الأوروبية” تجمع فضفاض، ولكن يستدرك: “إن حقيقة استمرار الساسة في الاجتماع وبقاء فرص اللقاءات والنهج البناء المحتمل مفتوحة هو أمر إيجابي”.
المصدر: DW.