أبرز

    توطين اللاجئين السوريين ..شمّاعة أم ابتزاز ؟

 نائلة حمزة عبد الصمد

 في ظلّ أسوأ أزمة اقتصادية وسياسية في تاريخ لبنان، يبدو أن ملف اللاجئين السوريين عاد الى الواجهة من جديد من باب التوطين ، في حين تزداد حياة اللاجئين السوريين صعوبة في ظل الأزمة الاقتصادية وخطر الترحيل، خصوصاً أنهم باتوا ورقة تفاوض سياسية لجلب الأموال وأداة لتخفيف الاحتقان الداخلي .

 هذه الممارسات تأتي في إطار الضغط على الجهات المانحة لزيادة المساعدات وتقديم دعم للبنان كبلد مضيف، لا سيما أنه يمر بانهيار اقتصادي ومالي غير مسبوق. هذه الضغوط، وإن كانت محقّة في مكان ، إلا أن ضحيتها غالباً ضحايا أبرياء هربوا من الحرب التي اقضت على كل ما لديهم.

 ويشكل مليون لاجئ سوري نحو 20 بالمئة من سكان هذا البلد الصغير جغرافيا. ويعد لبنان واحد من أصغر البلدان مضيفة لأكبر عدد من النازحين في العالم، ولكن السلطات ترفض الاعتراف بهم رسميا كلاجئين وطالبي لجوء بزعم أن لبنان ليس طرفا في اتفاقية اللاجئين لعام 1951، بحسب معهد واشنطن للشرق الأوسط، اذ انهم سيعودون في وقت ما إلى ديارهم أو عليهم المغادرة إلى بلد آخر.

دور المصارف

وتُتهم المصارف اللبنانية منذ فترة بـ”ابتلاع” ما لا يقل عن 250 مليون دولار من أموال المساعدات الإنسانية الأممية المخصصة للاجئين والمجتمعات الفقيرة في البلاد.

وكانت تقارير صحافية أشارت الى أنه خلال عام 2020 والأشهر الأربعة الأولى من عام 2021، “استبدلت البنوك الدولارات التي استلمتها من وكالات الأمم المتحدة بما يعادلها بالليرة اللبنانية على سعر صرف أقل بمعدل 40 بالمائة في المتوسط من سعر السوق.

مصدر في جمعية المصارف اللبنانية ، نفى ل”رأي سياسي” علمه بما يجري، مشيراً الى أن المسؤولية تقع على المصارف التي تلقت الأموال من منظمات ومؤسسات دولية .

ومن هنا يلفت حقوقيون الى ان الأصول في تعاملات الاستلام والتسليم يجب أن يكون بنفس العملة، فعندما ترسل جهة معينة المال بالدولار يجب تسليم الطرف المستلم بنفس نوع العملة لا أن يتم تبديلها بعملة أخرى لأن هذا الأمر يفقدها قيمتها ، متهمين المصارف والسلطات اللبنانية بالاستفادة من الدولار القادم من المنظمات الدولية للاجئين السوريين لزيادة رصيده من الدولار فهو يستغل هذا الأمر لصالحه بعد ظل حالة الإفلاس في الخزينة التي يعيشها.

 فإنّ جُلّ ما يقوم به المصرف المركزي هو لعبة اقتصادية من أجل توفير القطع الأجنبي والاستفادة من فرق سعر الصرف، وهذا الأمر يضرّ كثيرا بالسوريين وهو تصرّف ظالم من قبل المصرف المركزي.

 من جهته، الخبير الاقتصادي والمصرفي ​نسيب غبريل اعتبر ان دور المصرف يقتصر فقط على كونه الوسيط بين المؤسسات الدولية واللاجئ الذي تحوّل له المساعدات المالية ويقبضها مباشرة. مؤكدا في الوقت عينه ، أن معدل فائض بند حساب رأس المال الجاري في ميزان المدفوعات في لبنان ارتفع بشكل كبير سنوياً منذ العام 2013 نتيجة المساعدات المالية التي كانت تأتي إلى النازحين السوريين والمجتمع اللبناني الذي يحتضنهم، بينما لم يتجاوز الفائض في 2012 أي بُعيد اندلاع الأزمة السورية 169 مليون دولار.

سوريون ينتظرون قبض المساعدات المالية

عائدات وجود اللاجئين

ضخ اللاجئون السوريون في لبنان، منذ العام  2013 مبالغ كبيرة في المتاجر اللبنانية الشريكة مع برنامج الأغذية العالمي، عبر نظام قسائم الأغذية الإلكترونية، والذي يتم من خلاله توزيع البطاقات الإلكترونية على الفئات المستضعفة من السوريين، كما أنعش وجود السوريين سوق العقارات أيضا، إذ أنفقوا 78 مليونا و700 ألف دولار أميركي في شراء العقارات ، بالإضافة إلى 378 مليون دولار لاستئجار مساكن وأغراض تتعلق بالإيجار.

وبلغت مساعدات المجتمع الدولي لدعم جميع الفئات الضعيفة من السكان 9 مليارات دولار أميركي منذ عام 2015 وحتى عام 2021 بحسب خطة لبنان للاستجابة للأزمة لعام 2022-2023، وتقدم هذه المبالغ إلى لبنان بالدولار الأميركي، نتيجة ما تقدمه المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، وأبرزها مساعدات نقدية شهرية تبلغ مليون ليرة لبنانية لـ 55% من العائلات السورية اللاجئة الأشد ضعفا، ويتلقاها القطاع المصرفي في لبنان بالدولار ولاحقاً يسلمها إلى اللاجئين السوريين بالليرة اللبنانية.

التوطين شمّاعة

 رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان وديع الاسمر وفي حديث لموقعنا اعتبر ان من واجب الدولة اللبنانية  تقديم الحد الأدنى من الحماية للاجئين السوريين.

 وفيما أشار الأسمر الى أنه باستطاعة السلطات السماح للاجئين بالعودة الى ديارهم، يحق لها في الوقت عينه عدم السماح لهم بالرجوع الى لبنان مستبعداً حصول محاولات لعمليات توطين لهم حالياً، الاّ من خلال بعض السياسييين اللبنانيين الذين يحاولون استهلاكها اما شعبوياً أو من أجل الابتزاز المادي .واعتبر انها محاولة لتخويف الناس وشمّاعة استخدمت في السابق مع اللاجئين الفلسطينيين وها هي اليوم تعود الى الواجهة مع السوريين المتواجدين في لبنان.

  الأسمر قال إنّ المساعدات التي تأتي للسوريين في لبنان ساهمت بشكل او بآخر بتطور الاقتصاد اللبناني وضخت دولار فريش في السوق ، واستفادت منها المصارف بشكل كبير . واكتفى بالقول إنها قليلة بالمجمل وليست كما  يصوّرها البعض، ولافتاً الى انها ليست السبب الحقيقي لبقائهم في لبنان بل يعود ذلك للوضع السياسي القائم في  سوريا . وشدد على ان عملية احتيال المصارف على المساعدات تؤثر سلباً على اللاجئين السوريين نظرا الى الازمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان ، في وقت ان بين 17 و 30 % فقط من السوريين الذين يحصلون على مساعدات ، فيما انخفضت الارقام بعد القرار الأخير لمفوضية شؤون اللاجئين من قوائم المساعدات.

 ورغم كل المآسي التي تواجه اللاجئ ، بات من الواضح أمام الجميع أن طوابير السوريين أمام آلات الصراف الآلي في المصارف عند بداية كل شهر، كفيلة وحدها لتأكيد أن ما يحصل غير منطقي، ومؤذٍ للاقتصاد اللبناني، كي لا نقل أنه خطة ممنهجة لبقاء هؤلاء النازحين هنا.فهل المطلوب ان يصبح اللاجئ مواطناً، والمواطن اللبناني مهاجراً باحثاً عن لقمة عيشه؟

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى