رأي

الكيزان صناع الأزمات

الحلول في السودان تتطلب فهم جذور الأزمة وفهم دور الكيزان السلبي والمفاوضات تتطلب فهم الآليات السابقة والتي تلتها مع تحديد أهداف تتلاءم مع ديناميكيات الصراع دون الانحياز إلى طرف على حساب الآخر. زيارات هؤلاء المسؤولين.

تدخل الأزمة السودانية عامها الثاني، ولا يزال الصراع السياسي معقدا بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ولن أحصره في نزاع على السلطة وحسب، بل أيضا نتيجة لتاريخ طويل من التوترات، تستغله أطراف مندسة تريد العودة إلى السلطة واستغلال مواردها، وظهرت خستها ودناءتها بوضوح عندما حاول تنظيم الإخوان في السودان والذي يعرف باسم “الكيزان” قلب الحقائق وتشويهها، وزرع الفتنة والهروب من الفشل عبر لوم الآخرين وتحميلهم المسؤولية، خاصة دولة الإمارات.

وهو ما يفسر المشهد الدرامي الذي لعبه مندوب الجيش السوداني في مجلس الأمن، حين وجه اتهامات لدولة الإمارات بدون أدلة مقنعة، ومجرد خرافات وأكاذيب الآلة الإعلامية الإخوانية في وسائل التواصل، والتي وصفها مندوب الإمارات السفير محمد أبوشهاب “بالسخيفة والباطلة”، فهذه الاتهامات مجرد كلمات فارغة تأتي ضمن مشروع إعادة تصدير نموذج الإخوان، لتعود السودان ممرا للإرهاب كما كانت خلال حكم البشير الذي استضاف أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي، وهي سياسات تسببت في عزلة السودان، وأدت إلى أوضاع اقتصادية وأمنية سيئة نزح وهاجر وتشرد بسببها مئات الآلاف من الشعب السوداني، وهي ذاتها السياسات التي تتلاءم الآن مع تلقي الجيش السوداني دعما عسكريا من إيران، ما يعكس حالة الإحباط التي وصل إليها الجيش في ظل الهزائم المتعددة على الأرض، كما أن علاقة الإخوان مع طهران ليست بجديدة أو غريبة.

◄ الدولة في السودان أصبحت محصورة في كيان الجيش الذي يستخدم الخارجية السودانية في توجيه خطاب مشوه، يحمّل أطرافا خارجية المسؤولية بهدف تطويل أمد الحرب

مزاعم مندوب الجيش السوداني في مجلس الأمن تهدف إلى تشتيت الانتباه عن الانتهاكات الجسيمة التي تحدث في مسارح العمليات العسكرية، وتأتي ضمن حملة تشويه ممنهجة تجاه دور الإمارات الإنساني، فكلما مني الجيش بهزيمة عسكرية، أو فقد مناطق لصالح الدعم السريع، أو اقترب من خسارة مناطق كما يجري في الفاشر عاصمة إقليم دارفور، يقوم بتغطية الفشل عبر لوم الآخرين، والترويج أن الدعم الإنساني هو دعم عسكري! متناسيا أن جميع المساعدات الإنسانية الإماراتية تأتي عبر الجهات الأممية الرسمية، في استمرار لسياسة كيزانية تشوه صورة الأطراف الإقليمية الفاعلة، وتعرقل جهود محادثات السلام على الصعيد الأفريقي وجدة.

وتعتبر الإمارات من أكبر الدول المانحة للمساعدات الإنسانية في السودان، في توقيت تتعاظم فيه معاناة المدنيين، وفي أشد الحاجة إلى مساعدات الإغاثة العاجلة، يصرح مندوب الجيش في مجلس الأمن “لا نريد مساعدات من الإمارات”، ناسيا أنه لا يمثل الدولة ولا الشعب السوداني، بل يمثل أحد أطراف الصراع، والمساعدات الإماراتية لا تقدم عبر كيانه المخترق من الكيزان، بل عبر وكالات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة التابعة لها.

وعندما يكذب مندوب الجيش في مجلس الأمن، فلا أستغرب أنه يتجاوز الأدب واحترام الدول عند حديثه عن بناء نهضة الإمارات، التي لم تنكر جهود كل من ساهم في بناء تنميتها الثقافية والتعليمية والاقتصادية منذ عهد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. والتمنن آفة مريضة، فمن الأولى على من ادعى مساهمته في بناء النهضة الإماراتية أن يبني نهضة بلاده أولا! فنجاح النموذج الإماراتي المتفوق جاء بتوفيق من الله، وجهود القيادة الإماراتية، والشعب الإماراتي، والمقيمين على أرض الإمارات.

◄ الاتهامات مجرد كلمات فارغة تأتي ضمن مشروع إعادة تصدير نموذج الإخوان، لتعود السودان ممرا للإرهاب كما كانت خلال حكم البشير

تحالف قائد الجيش عبدالفتاح البرهان مع قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو عندما أراد الإطاحة بنظام البشير عام 2019، ثم مر السودان بمراحل انتقالية لم تصل إلى نتيجة بسبب التنافس على النفوذ والسلطة، والجيش يحاول عزل الدعم السريع عن المسار السياسي والعسكري لينفرد وحده بالسلطة، كما يعزل الدولة المدنية بأكملها وحصرها في كيانه فقط، وهي سردية أدت إلى فقدان الجيش العديد من القوى في الداخل السوداني وخارجه، والتي كانت تحاول البقاء في الحياد.

وأصبحت الدولة في السودان محصورة في كيان الجيش الذي يستخدم الخارجية السودانية في توجيه خطاب مشوه، يحمّل أطرافا خارجية المسؤولية بهدف تطويل أمد الحرب، وتعطيل مبادرات السلام، فالجيش يتحدث كدولة وهو لا يمثل إلا كيانا عسكريا وأحد أطراف الصراع، ما يؤكد اختراقه من الكيزان ولهم تاريخ طويل في التغلغل داخل مؤسسات الدولة خلال حكم البشير أو بعده، واليوم تحولوا إلى موقف دفاعي للحفاظ على ما تبقى من نفوذهم، والعودة من جديد إلى المشهد عبر زرع الانقسامات وترويج فكرة وجود مؤامرات خارجية، وهي جميعها أكاذيب كيزانية غايتها تحقيق أجندات محددة.

الحلول في السودان تتطلب فهم جذور الأزمة وتداخلاتها المعقدة، والأهم فهم دور الكيزان السلبي، والمفاوضات تتطلب فهم الآليات السابقة والتي تلتها مع تحديد أهداف واضحة، تتلاءم مع ديناميكيات الصراع دون الانحياز إلى طرف على حساب الآخر، للوصول إلى هدف شمولي في عودة المدنيين إلى السلطة، وإعادة السودان إلى خط الاستقرار، ووضعه في طريق التنمية المستدامة دون إعطاء الكيزان الفرصة للمماطلة والهروب من المسؤولية. وسيبقى دور الإمارات مشرفا في تقديم المساعدات الإنسانية، ودعم الأمن والاستقرار، مهما حاول الكيزان صُنّاع الأزمات!

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى