القهوة العربية.. تاريخ وموروث وآداب
القهوة العربية مدرجة في القائمة التمثيلية للترات الثقافي غير المادي للبشرية في منظمة اليونيسكو منذ عام 2015، ليست مجرد مشروب ساخن يفوح منه عبق البن والهيل والزعفران والزنجبيل، يُقدم للضيوف في مختلف المناسبات، وإنما هي تاريخ وثقافة ومواريث وعادات وتقاليد تتضمن طقوساً معينة أشبه ما تكون بأخلاقيات وآداب الإعداد والتقديم والتعامل معها من قبل الضيف والمُضيف.
عن تاريخ القهوة وارتباطها بمفهوم الضيافة والكرم عند العرب بشكل عام، ومجتمع الإمارات بشكل خاص، وطقوس وآداب إعدادها وتقديمها، يقول أحمد سعيد مصلح الأحبابي، الفائز ببطولة القهوة العربية 2019 عن فئة القهوة الشقراء التي نظمتها دائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي، ومدرب قهوة معتمد في بيت القهوة التابع لدائرة الثقافة والسياحة، ويعد المعنيّ بتدريب المشغلين والمتدربين في مجال صناعة القهوة العربية، ومدرب تراثي في العادات والتقاليد والسنع وآداب المجالس: «إن أهمية القهوة لا تقتصر فقط على الضيافة والاحتفاء بالضيوف فحسب، بل هي رمز للوحدة والروابط الاجتماعية والسياسية والثقافية التي أسهمت في تشكيل مجتمع الإمارات».
ويضيف: «تعد القهوة جزءاً أساسياً من الضيافة العربية، ويعكس تاريخ المنطقة ارتباطها الوثيق بهذا المشروب، ويعد تقديم القهوة من أهم تقاليد الضيافة في المجتمع العربي عامة والمجتمع الإماراتي خاصة، فضلاً عن كونها رمزاً للجود والكرم. وقد ظلت القهوة العربية تشكل جزءاً رئيسياً في الثقافة العربية على مدار قرون عدة».
بين الماضي والحاضر
يشير الأحبابي إلى أن القهوة في الإمارات كان لها عدة استخدامات؛ منها علاج بعض الأمراض، وكانت تستورد من الدول التي تمر عليها السفن التجارية، مثل اليمن والهند وسريلانكا وبلاد الحبشة، وتوزع بواسطة التجار وأصحاب المحال، وتباع للمستهلكين بسعر زهيد لا يتعدى ثلاث أو أربع روبيات هندية، وكان يوجد أسواق لبيع القهوة بالجملة، وعملية البيع والشراء تتم إما نقداً أو عن طريق المقايضة.
ومع تطور الحياة المادية لدى السكان، توفر البن الذي يستورد من مختلف دول العالم بأنواعه المختلفة، كما تطورت صناعة القهوة، وأصبحت المحال المختلفة المتخصصة تقوم ببيع البن المحمص بنكهات مختلفة؛ إذ انتشرت المحامص الحديثة في الدولة التي توفر أجود أنواع القهوة والبهارات.
دق القهوة ودلالة الصوت
يسلط الأحبابي الضوء على طقوس وتقاليد تحضير القهوة وتقديمها، وتوضيح بعض المسميات المرتبطة بجميع مراحل إعداد وتقديم القهوة، وتبدأ بتنقية حبوب القهوة وتخليصها من الشوائب وتحميصها في وعاء وتقليبها ب«المحماس» حتى تصل إلى اللون المطلوب؛ سواء كان أشقر فاتحاً أو متوسطاً أو غامقاً أو داكناً، ومن ثم تبريدها قبل البدء بدقها؛ مشيراً إلى «الرشاد والمنحاز» وهو عبارة عن هاون ومدقة يستخدمان لطحن حبوب البن المحمصة؛ مشيراً إلى أن الصوت الصادر عن الهاون إشارة للترحيب بالضيوف، ودلالة على الكرم، وإعلام الأشخاص القريبين بإعداد القهوة.
أنواع ومسميات الدلال
قال إن الدلال لها عدة أنواع ومسميات، وكان الأجداد يستخدمون عدة أنواع؛ منها دلة الخمرة: وهي الوعاء الأول لصنع القهوة، وتستخدم لغلي الماء وتتسع للترين أو أربعة لترات من الماء ومصنوعة من نحاس أحمر. كما تستخدم عادة لحمل بقايا القهوة المطحونة من القهوة المصنوعة مسبقاً، وتتيح هذه الطريقة الحصول على قهوة ذات نكهة أقوى وتركيز أشد. والنوع الثاني دلة التلقيمة: وهي الوعاء الثاني لصنع القهوة؛ حيث يتم إضافة فنجانين من القهوة إلى المياه المغلية وتترك لتغلي بعض الوقت، وتصنع هذه الدلة من النحاس الأحمر أو الأصفر. أما دلة المزلة؛ فتصنع من النحاس، وتستخدم لتقديم القهوة مع وضع (ليف النخل) في الفوهة لتنقية القهوة عند صبها للضيوف.
الفنجان الأول
يقول أحمد الأحبابي، إن تذوق الفنجان الأول من مسؤوليات معد القهوة، وذلك للتأكد من حسن إعدادها وعدم وجود أي نقص في مكوناتها وطريقة تحضيرها، كما أن تذوقها من قبله إشعار الحضور بالأمان وعدم وجود غش فيها، لا سيما بين الحضور الذين بينهم خلافات أو خصومات.
آداب صناعة القهوة
يتناول الأحبابي في جملة حديثة، عدداً من الآداب العامة المتعارف عليها والواجب اتباعها من قبل صانع القهوة والمقهوي والمضيف؛ ومنها طريقة جلوس الشخص الذي يعد القهوة أمام الموقد، وتكون بثني ساقه اليمنى إلى أعلى، وساقه اليسرى مثنية تحت مقعده، ويجب عليه التحقق من نظافة المعاميل والقناد.
وأشار إلى المقهوي أو المغنم أو راعي الدلة، وجميعها مسميات تطلق على الشخص الذي يمسك الدلة، ويقوم بصب القهوة للضيوف، وغالباً ما يكون الأب في حالة غياب الأبناء أو أحد الأبناء أو الأقارب، ويجب أن يكون على دراية بآداب صب القهوة والعادات والتقاليد المصاحبة لها. ويجب عليه ألا يتجاهل الضيوف مطلقاً، ولا يتجاوز المساحة الشخصية للضيوف، وعليه أن يحافظ على الوقوف على بعد 3 خطوات على الأقل عن الضيف، إضافة إلى عدم التحدث مع الضيوف طوال فترة تقديم القهوة وعدم التحديق فيه، كما يتم تقديم القهوة في أقل من نصف الفنجان دائماً، موضحاً أنه في حال وضع كمية من القهوة في الفنجان تزيد على نصفه، فإن ذلك يُعد إهانة للضيق.
وأضاف أنه على المقهوي ألا يتخطى الضيوف عند تقديم القهوة، إلا إذا رفض الضيف أخذ الفنجان، وبالتالي يسمح له بالانتفال إلى الضيف التالي.
آداب الضيف
في ما يتعلق بالآداب الواجب على الضيف اتباعها، يوضح الأحبابي أنه على كل ضيف خلع نعليه قبل دخول المجلس، ويعد ذلك دلالة على احترام المضيف، كما أن ذلك من آداب الدخول
إلى المجلس، ويجب على الضيف أخذ الفنجان وحمله وتقديمه باليد اليمنى، وهو ما يرتبط بالثقافة الإسلامية؛ إذ تعتبر استخدام اليد اليمنى الأفضل في تناول الطعام وإلقاء التحية.
إلى جانب ذلك، يجب على الضيف أخذ الفنجان عند الجلوس فقط، وعدم وضع الفنجان على الأرض أو الطاولة مطلقاً إلا في حالات الطوارئ، وألا يشرب أكثر من ثلاثة فناجين ولا أقل من فنجانين، ولتبريد القهوة، يحرّك الضيف الفنجان في حركة دائرية، مع الأخذ في الاعتبار عدم النفخ في الفنجان، إذ يعد ذلك سلوكاً مكروهاً، ويجب عليه أيضاً تجنب إصدار صوت أثناء احتساء القهوة.
وفي نهاية حديثه، يؤكد الأحبابي أهمية تناقل هذه المواريث عبر الأجيال، وذلك من خلال الالتحاق بالدورات التدريبية التي يتم تنظيمها؛ بهدف المحافظة على هذه النوعية من الموروثات والعادات والتقاليد التي تعد جزءاً لا يتجزأ من تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا.