كتب يونس السيد في “الخليج”: لا أحد يشك في حاجة العراق إلى الإصلاح والتغيير، خصوصاً بعد سلسلة الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عصفت بالبلاد، إلى جانب الفساد المستشري على مدار السنوات الماضية، لكن الإصلاح والتغيير يجب أن يكونا علمياً ومنهجياً وشاملين على كل المستويات، لا أن يتم اختزالهما لصالح هذه الجهة أو تلك.
البداية السريعة لحكومة السوداني في الكشف عما سمي ب «سرقة القرن» المتعلقة بقضية مليارات الدولارات من أموال الضرائب المنهوبة، وملاحقة المشتبهين والمتورطين في القضية، وصولاً إلى استرداد جزء من تلك الأموال، أعطت انطباعاً مبشراً بشأن محاربة الفساد التي تعهد بها السوداني ووضعها ضمن أولويات برنامجه الوزاري. لكن ما تبع ذلك من إقالات للمئات من كبار الضباط والمسؤولين في صفوف القوات الأمنية والشرطة الاتحادية وحرس الحدود ووزارة الداخلية والمديرين العامين في عدد من الوزارات ومؤسسات الدولة، في فترة قياسية لم تتجاوز الشهر، بدأ يثير الشكوك حول ما إذا كان ذلك جزءاً من الإصلاحات المطلوبة أو أنه يتم لصالح جهة سياسية معينة.
يمكن تفهم إلغاء مئات التعيينات التي قامت بها الحكومة السابقة، خلال فترة تسيير الأعمال التي أعقبت الانتخابات التشريعية الأخيرة، باعتبارها مخالفة للقانون، لكن إقالات بهذا الحجم بلغت أكثر من 900 ضابط ومسؤول، وقيل إنهم من المحسوبين على رئيس الحكومة السابقة، واستبدالهم بآخرين ينتمون إلى جهة سياسية نافذة، إلى جانب التركيز على عهد حكومة الكاظمي (2020 2022) وملاحقة مستشاريه والمقربين منه، تطرح تساؤلات كثيرة حول الهدف الحقيقي من هذه الإجراءات.
بعض القياديين ضمن قوى «الإطار التنسيقي» يعتبرون أن هذه الإجراءات ضرورية لتصويب العمل الحكومي، وكأن إصلاح أوضاع البلاد يتمثل بإصلاح ما يعتبرون أنه نتاج ما «خربه الكاظمي». لكن هناك من يرى من المراقبين والمحللين، أن محاولات شيطنة الحكومة السابقة، التي كان يغلب عليها الطابع المدني العلماني، متعمدة وتستهدف تصويرها بأنها تسببت بخراب البلاد أكثر مما فعلته الحكومات الدينية التي غالباً ما كان يقودها (حزب الدعوة)، والتي ترغب بإلقاء كل ما ارتكبته تلك الحكومات من فساد وسوء إدارة منذ نحو عقدين، على الحكومة السابقة، من خلال استغلال بعض الهفوات التي وقعت فيها، لإثبات أن الاتجاهات العلمانية والمدنية لا تقل سوءاً عن الأحزاب الدينية، من حيث الفساد وسوء الإدارة. بل يذهب هؤلاء إلى أن ما يحدث هو نوع من «التطهير السياسي» ويستهدف، بالدرجة الأولى، إعادة ترميم أو إحياء «الدولة العميقة» وإحكام القبضة على مفاصلها بعد أن اختلت في عهد الكاظمي، وصولاً إلى الاستحواذ الكامل على مفاتيح الأمن والمخابرات في البلاد.
ومع ذلك، وأياً تكن الأهداف الحقيقية للتغييرات الجارية في مفاصل الدولة، سواء كانت انتقامية أو غير ذلك، فإنها لن تلغي حاجة العراق للإصلاح الشامل على كل المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وضمان إعادة بناء الدولة ومؤسساتها على أسس وطنية ديمقراطية، بعيداً عن الطائفية والمذهبية، وإلا فإن الأزمة العراقية ستظل حاضرة وقابلة للانفجار في أي وقت.