الطبلة المصرية تنفصل عن الراقصات وتستقطب العازفات
استطاعت الطبلة أن تهز قلوب المصريين في كل الأوقات، إن في حفلات الزفاف أو في سهرات أو في الحفلات الموسيقية، لكنّ العازفين باتوا يطلّون بمفردهم على المسرح، دون الراقصات الشرقيات اللواتي كنّ يرافقنهم، سعياً إلى تخليص ملكة آلات الإيقاع الشرقية من السمعة السيئة التي لحقت بها.
وقال الخبير في الموسيقى المصرية أحمد المغربي، إن «الصورة الشعبية للطبلة سلبية جداً».
ورغم أنها موجودة منذ القدم ومرسومة على جدران المعابد الفرعونية كمعبد حتحور في صعيد مصر على بعد 600 كيلومتر إلى الجنوب من القاهرة، إلا أن الطبلة ارتبطت في الأذهان على مدى عقود طويلة بالراقصات الشرقيات اللواتي يتمايلن بملابسهن المثيرة في الملاهي الليلية حتى ساعات الفجر الأولى.
الرقص الشرقي
وتحولت الطبلة بسبب هذه الصورة رمزاً «للفجور». ورغم أن مصر هي مهد الرقص الشرقي، غير أن النظرة إلى الراقصات الشرقيات في الثقافة الشعبية لهذا البلد المحافظ، تصوّرهن على أنهن فاسقات، لا بل مومسات.
لكن منذ بضع سنوات، قرر هواة الطبلة أن يجعلوا منها النجم الوحيد على خشبة المسرح من خلال استبعاد الراقصات عنها.
ويوضح العازف مصطفى بكار، أن ثمة «صرخة جديدة اليوم وهي حفلات الطبلة السولو (المنفردة)». ويشرح كيف أنه وجد صعوبة في إقناع أسرته بالموافقة على أن يعزف على آلته المفضلة بسبب سمعتها.
ويقول العازف الثلاثيني الذي يدرس الموسيقى كذلك: «الناس يرون العمل في هذا المجال مشيناً، وكانوا يسخرون مني ويسألونني أين الراقصة؟».
«الراقصة والطبال»
هذه المشكلة سبق أن طرحها فيلم مصري شهير عام 1984 وهو «الراقصة والطبال» الذي يروي القصة الحزينة لعازف طبلة لا يستطيع مواصلة عمله بعد أن تركته الراقصة الشرقية التي كان يرافقها على المسرح أو في مختلف الحفلات.
وإضافة إلى أنه يدرس العزف على الطبلة، ينظم بكار حفلات عزف من وقت لآخر لكي يجتذب الهواة.
ويشرح كيف ينظم هذه الحفلات العفوية قائلاً: «أوزع طبلة على كل شخص حولي ونعزف موسيقى جماعية». وتقول طبيبة الأمراض النفسية والعصبية كريستين يعقوب، بحماسة: «إنه نوع من العلاج الجماعي».
وتوضح أنها تشارك هي نفسها بشكل منتظم في جلسات العزف على الطبلة تلك.
وتتابع الطبيبة الثلاثينية: «اكتشفت أن الطبلة تجعل الناس سعداء، ولذلك أستخدمها الآن كعلاج موسيقي مع المرضى».
وتضيف أنه عندما يضرب العازفون معاً الطبلة «تزداد درجة تركيزنا» فضلاً عن أن الطبلة تتيح للمرء «أن يعبر عن نفسه دون أن يتكلم».
وليست كريستين يعقوب الوحيدة التي تتعلم العزف على الطبلة مع بكار، ذلك أن عدد المصريات اللواتي يتعلمن العزف على هذه الآلة أو يمتهنّ هذا الفن يتزايد باستمرار رغم أنها تُعتبر عادةً من اختصاص الرجال وحدهم، ورغم الانتقادات الحادة التي يتعرضن لها أو الاندهاش الذي يلاقينه في كل مكان.
في عام 2016 كسرت رانيا عمر ودنيا سامي المحظور على شبكات التواصل الاجتماعي. وواجهت عازفتا الطبلة، وإحداهما محجبة، عاصفة من الهجمات بعد أن بثتا على الإنترنت مقطع فيديو لعزفهما.
غير أن العازفتين لم ترتدعا، بل أفادتا مما حدث لتشكيل أول فرقة لعازفات الطبلة، ونجحتا في ذلك. في عام 2019 انضمت سهي محمود (33 سنة) إلى الحركة وأنشأت فرقة «طبلة الست» من أجل «إعطاء الفرصة لكل النساء للغناء والعزف على الطبلة بحرية» على قولها.
منذ ذلك الحين، أحيت سهى محمود مع ثماني عازفات أخريات، حفلات في كل أنحاء مصر، ولاقين إعجاب الجمهور الباحث عن الجديد، لكن أيضاً المشاهدين ذوي الذوق التقليدي.
وذات مساء تجمع نحو 500 شخص في مركز ساقية الصاوي، أسفل أحد الجسور في قلب العاصمة المصرية، للغناء مع الفرقة والتصفيق لموسيقيات «طبلة الست» اللواتي يرتدين فساتين خضراء. وباتت واحدة من عضوات الفرقة، وهي فيرجينا نادر التي تبلغ الحادية والعشرين وبدأت تعلم العزف على الطبلة قبل 12 عاما، تعيش من عائد عملها. لكن البدايات كانت صعبة.
وتقول: «يتضايق منا الرجال لأننا ننافسهم ولأن الناس يعشقوننا».
وتصيف: «توجد عقبات لكن هذا لن يمنعنا من أن نواصل كسر القواعد» السائدة.
المصدر: أ.ف.ب