الصين تنتقم من ترامب بتجميد استثماراتها الجديدة في كيانات عملاقة

شدد الصين من ضرباتها للاقتصاد الأميركي عبر وقف الاستثمار في شركات أميركية عملاقة متخصصة في إدارة الأصول والاستثمارات، في رد انتقامي من إدارة الرئيس دونالد ترامب الذي يشن حرب رسوم جمركية شرسة ضد بكين منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني الماضي، مبرراً ذلك بتقليص العجز التجاري الأميركي الكبير مع الصين.
على مدار الثلاثين عاماً الماضية، لعبت صناديق الاستثمار الصينية المدعومة من الدولة، مثل مؤسستي “سي آي سي”و “إدارة الدولة للتبادل الخارجي” المعروفة بـ”SAFE “، دوراً رئيسياً في تعزيز صعود سوق الأسهم الخاصة الأميركية، الذي يدير الآن نحو 4.7 تريليونات دولار. وأفاد تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية، أمس الاثنين، بأن العديد من المستثمرين الصينيين الكبار توقفوا مؤخراً عن استثمار رؤوس أموالهم في صناديق تُديرها شركات أسهم خاصة مقرها الولايات المتحدة، في خطوة مدفوعة بضغوط من بكين.
وفي بعض الحالات، يطلب المستثمرون استبعادهم تماماً من الصفقات الأميركية، حتى عندما تكون الاستثمارات بقيادة شركات استحواذ غير أميركية. ويأتي هذا التراجع في ظل استمرار تصاعد التوترات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم. وخلال الأسابيع الثلاثة الماضية، فرضت إدارة ترامب رسوماً جمركية تصل إلى 145% على السلع الصينية، بينما ردت بكين برسوم جمركية وصلت إلى 125%.
ووفق التقرير فإن صناديق الثروة السيادية الصينية كانت داعماً رئيسياً لبعض أكبر شركات الاستثمار المباشر الأميركية، بما في ذلك مجموعة “بلاكستون” الاستثمارية، المدرجة في بورصة نيويورك، و”تي بي جي” وهي من أكبر شركات الاستحواذ على الإطلاق في الولايات المتحدة ولديها استثمارات في شركات كبرى في مجالات خدمات التكنولوجيا المالية والعقارات والطيران وغيرها من المجالات وهي مدرجة في ناسداك، ومجموعة “كارلايل” لإدارة الأصول المدرجة أيضاً في ناسداك.
وفي بعض الحالات، يشمل التراجع التخلي عن تخصيصات صناديق كانت قيد الدراسة ولم تُحسم بعد. ووفقًا للتقرير، من بين المؤسسات التي انسحبت مؤسسة الاستثمار الصينية “سي آي سي”. ويُقال إن صناديق أخرى مدعومة حكومياً اتخذت مواقف مماثلة. يأتي هذا التطور بينما قيدت العقبات التنظيمية في السنوات الماضية، الاستثمار الصيني المباشر في الشركات والبنية التحتية الغربية. وظلت القنوات غير المباشرة مثل الشراكات المحدودة في صناديق الاستثمار الخاصة إحدى الطرق القليلة المجدية لبكين لنشر رأس المال في الخارج.
وأشارت فايننشال تايمز إلى أن المستثمرين الصينيين سبق أن دعموا شركات بارزة مثل “غلوبال إنفراستركتشر بارتنرز” للاستثمار (Global Infrastructure Partners)، المملوكة الآن لشركة “بلاك روك”، بالإضافة إلى “توما برافو” وهي شركة استثمار مباشر، و”فيستا إكويتي بارتنرز” للاستثمار، و”كارليل”، و”بلاكستون”.
ووفقاً لبيانات منصة “Global SWF” التي تتبع أكثر من 400 صندوق ثروة سيادية وصندوق معاشات تقاعدية عام حول العالم، خُصص ما يقرب من 25% من أصول كل من مؤسستي “سي آي سي” البالغة 1.35 تريليون دولار، و”إدارة الدولة للتبادل الخارجي” التي تتجاوز تريليون دولار، للاستثمارات البديلة منذ عام 2023.
يأتي التحرك الصيني لتجفيف الاستثمارات في شركات إدارة الأصول الأميركية، في وقت أطلقت الأسواق المالية هذا الشهر رسالة مُنذرةً بالسوء بشأن مساعي ترامب الارتجالية لإعادة تشكيل التجارة العالمية. وأشار التقلب في أسواق الخزانة الأميركية والضعف غير المتوقع في قيمة الدولار إلى أن ما بدأ صراعا تجاريا قد يتحول إلى “حرب رؤوس أموال” أكثر خطورة. ويُهدد هذا الصدام برفع تكاليف الاقتراض الأميركية من خلال تقويض الهيمنة المالية الراسخة لواشنطن، والتي جذبت لسنوات تريليونات الدولارات من الأموال الأجنبية إلى الولايات المتحدة.
وقال ستيفن بليتز، كبير الاقتصاديين الأميركيين في شركة الأبحاث “غلوبال داتا تي إس لومبارد” لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية “إن فكرة إمكانية كسر التجارة، دون كسر تدفقات رأس المال، هي ضرب من الخيال”. واستقرت الأسواق في الأيام الأخيرة مع تراجع ترامب عن موقفه المُتشدد بشأن الرسوم الجمركية، بعد أن ارتفعت التقلبات بشدة عقب إعلانه عن فرض رسوم جمركية على مختلف دول العالم في الثاني من إبريل/ نيسان. وأوقف البيت الأبيض زيادات الرسوم الجمركية على بعض أكبر شركاء الولايات المتحدة التجاريين بعد ساعات من دخولها حيز التنفيذ في التاسع من الشهر الجاري، لكنه رفعها لاحقاً إلى مستويات صادمة على الصين.
وليست أسهم الشركات وحدها المتضررة من حرب ترامب التجارية، وإنما سندات الخزانة الأميركية أيضاً. وقد شهدت سوق السندات موجة بيع حادة في الأيام الماضية، حيث سجلت عوائد السندات لأجل 30 عاماً أكبر زيادة أسبوعية لها منذ عام 1987. وجاءت موجة البيع على خلفية ضعف الدولار. ودفع هذا المزيج غير الطبيعي بعض المحللين إلى التحذير من احتمال هروب رؤوس الأموال من الولايات المتحدة.
ويمتلك الأجانب ما يقرب من 30% من ديون الخزانة العامة البالغة قيمتها 29 تريليون دولار تقريباً، على الرغم من أن حصة الأجانب من حيازات سندات الخزانة قد انخفضت بشكل مطرد منذ الأزمة المالية عام 2008. وفي العادة، تُستخدم سندات الخزانة وسيلة تحوط ضد مخاطر سوق الأسهم. وفي عالم لا تُعتبر فيه الولايات المتحدة شريكاً يُعتمد عليه، من المنطقي أن يُنوّع المستثمرون الأجانب استثماراتهم تدريجياً نحو أصول واستثمارات بديلة، وفقاً للمحللين.
وتُظهر بيانات وزارة المالية اليابانية أن مستثمري القطاع الخاص في اليابان باعوا سندات أميركية طويلة الأجل بقيمة 17.5 مليار دولار خلال الأسبوع المنتهي في الرابع من إبريل/ نيسان الجاري، وهو أكبر مبلغ لمبيعات السندات الأجنبية منذ الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وفقاً لبنك “أوف أميركا”.
وقال إريك روزنغرين، الذي شغل منصب رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في بوسطن من عام 2007 إلى عام 2021 لصحيفة وول ستريت جورنال: “كلما طال أمد هذا الوضع، زاد احتمال تراجع دورنا بوصفنا عملة احتياطية عما كنا عليه. وقد يصبح هذا الأمر مكلفاً للغاية”.