الشركات الأميركية تتقشف… الحرب التجارية تدفع الكيانات إلى خفض الإنفاق ولا مشاريع جديدة

يصيب عدم القدرة على التنبؤ بالهجمات التجارية التي يشنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بين الحين والآخر الشركات بالشلل، إذ يضطر الكثير منها في مختلف المجالات إلى خفض الإنفاق، خوفاً من التوقعات الاقتصادية الضبابية، إذ يُوقف الرؤساء التنفيذيون السفر ويُؤجلون المشاريع الجديدة ويُبطئون التوظيف، ما يحمل أخطاراً للاقتصاد الأميركي بشكل عام.
من شركات السلع الاستهلاكية إلى الكيميائيات والتكنولوجيا والنقل والخدمات المالية والتوظيف، تسود خطط خفض الإنفاق بشكل كبير. وأثناء استعراضهم لإجراءات خفض التكاليف خلال مؤتمرات الإعلان عن النتائج المالية في الأيام الأخيرة، استخدم العديد من الرؤساء التنفيذيين للشركات لغة تعبر عن أن الشركات تنشد “دعاء السكينة”.
بين هذه الشركات “داو” أكبر منتج للكيميائيات في الولايات المتحدة، التي أعلنت أنها تخطط لخفض حوالي 6 مليارات دولار من التكاليف، بعدما أدى ضعف الطلب إلى تكبدها خسائر في الربع الأول من العام الجاري. وستركز مراجعة التكاليف التي تجريها الشركة على خفض النفقات الرأسمالية، وستؤجل بناء مصنع إيثيلين خالٍ من الانبعاثات في مقاطعة ألبرتا الكندية، كما تعيد النظر في خططها المتعلقة بمصانع الكيميائيات في ألمانيا والمملكة المتحدة.
وفي مجال التكنولوجيا، قال أرفيند كريشنا الرئيس التنفيذي لشركة “آي بي إم” إن الشركة “تركز على المجالات التي يمكننا التحكم بها”، بما في ذلك مبادرات الإنتاجية في جميع أنحاء الشركة. ويطاول خفض الإنفاق أيضا شركات إنتاج وتسويق السلع الاستهلاكية، منها “بروكتر آند غامبل” وهي شركة عالمية متخصصة في صناعة وتسويق المواد الاستهلاكية في جميع أنحاء العالم، إذ قال أندريه شولتن، المدير المالي للشركة، وفق تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال: “سيتعين علينا استخدام كل ما في جعبتنا من وسائل للتخفيف من تأثير الرسوم الجمركية على هيكل تكاليفنا”.
كذلك أشار رامون لاغوارتا، الرئيس التنفيذي لشركة المشروبات والأغذية “بيبسيكو”، إلى أن الشركة “تتحكم في ما يمكننا التحكم فيه” من خلال تحسين كفاءة سلسلة التوريد الخاصة بها جزئياً. ولم يُدل مسؤولون تنفيذيون آخرون بتفاصيل محددة، لكنهم قالوا إنهم يُراجعون مجموعة من الإجراءات المُحتملة. وتُسرع شركة “بوسطن ساينتيفيك”، المُصنعة للأجهزة الطبية، جهودها لخفض الإنفاق، بما في ذلك السفر.
وفي مجموعة “برينسيبال” المالية، قال جويل بيتز، المدير المالي المؤقت، إن الشركة تعتزم مراقبة النفقات عن كثب، مثل الإنفاق على الاستشاريين وسفر الموظفين، بالإضافة إلى تأجيل التوظيف. كما تُدقق شركة “نورفولك ساذرن”، مُشغلة السكك الحديدية، في أتعاب الاستشارات بشكل أكثر دقة. وأشار مارك جورج، الرئيس التنفيذي للشركة إلى خطط لتحقيق وفورات في تكاليف الوقود والعمالة، من بين مجالات أخرى.
وأعلنت الشركة ومقرها أتلانتا، أنه على الرغم من عدم وجود معلومات واضحة حول كيفية تأثير الرسوم الجمركية على إيراداتها، تعاني من ضغوط مالية لزيادة كفاءتها بعد عدة اضطرابات في السنوات الأخيرة، منها حادث خروج قطار عن مساره في ولاية أوهايو، وتغيير غير مُخطط له في القيادة. وقال جورج للمستثمرين في الشركة: “سيطروا على ما يُمكن السيطرة عليه وحاولوا المساعدة في تخفيف بعض الأمور التي لا يُمكننا السيطرة عليها”.
وحتى شركات تصنيع الألعاب تشعر بالقلق، إذ أعلنت “هاسبرو” أنها ستُسرع خطة متعددة السنوات لخفض التكاليف بقيمة مليار دولار، حيث تتطلع الشركة الآن إلى تحقيق وفورات تتراوح بين 175 مليون دولار و225 مليون دولار هذا العام. وفي العام الماضي، حققت الشركة وفورات في التكاليف من خلال تغيير التصاميم لجعل المنتجات أرخص في التصنيع.
بخفض التكاليف وتبسيط العمليات داخلياً، يمكن للشركات اتخاذ إجراءات فورية، حتى لو كانت قدرتها على التنبؤ بالمستقبل محدودة، وفقاً للمديرين التنفيذيين ومستشاري الشركات. وقال رون ويليامز، الرئيس التنفيذي السابق لشركة التأمين الصحي “إيتنا”، والذي لا يزال على اتصال بالمديرين التنفيذيين في مختلف القطاعات: “إنها فرصة جيدة للتساؤل: هل نحن على قدر كفاءتنا وفعاليتنا؟”.
قرارات إدارة ترامب المُتقطعة بشأن الرسوم الجمركية تعني أن الشركات لا تتمتع بقدرة تُذكر على اتخاذ خطوات مثل منح الضوء الأخضر للاستثمارات أو إعادة توزيع سلاسل التوريد القائمة، وهذا الانكماش في العمل يؤثر سلباً على التوظيف. ويُجري العديد من الشركات بعض التعديلات المتعلقة بالتشغيل بدأ العمال يلاحظونها، إذ تُبطئ التوظيف وتُبقي الوظائف شاغرة، وتُدقق في الإنفاق على الاستشاريين والمقاولين.
وتسريح العمال والموظفين يقلق الشركات كثيراً أيضاً في مثل هذه الظروف، لاسيما في ظل الخبرات التاريخية التي خرجت بها بعد جائحة فيروس كورونا، وفق رون ويليامز، الرئيس التنفيذي السابق لشركة التأمين الصحي “إيتنا”، فإن “شركات عديدة خرجت من الجائحة بخسارة الكثير من المواهب” التي ثبتت صعوبة إعادة توظيفها مع انتعاش الاقتصاد.
كما بات تقليص الإنفاق على الأبحاث مصدر قلق للكثير من الشركات. وفي جنرال إلكتريك للطيران، صرح لاري كولب، الرئيس التنفيذي للشركة، في مقابلة صحافية، وفق تقرير الصحيفة الأميركية، بأنه يرغب في تجنب تخفيضات في البحث والتطوير أو في مجالات قد تُزعزع استقرار سلسلة التوريد الخاصة بالشركة. وبدلاً من ذلك، يُجري المسؤولون التنفيذيون مراجعة شاملةً للميزانيات العمومية بحثاً عن تخفيضات في مجالات تتراوح بين سفر المسؤولين ونفقات المكاتب الإدارية وتكاليف التوظيف. وقدّرت شركة جنرال إلكتريك للطيران تكاليف الرسوم الجمركية التي ستتكبدها هذا العام بنحو 500 مليون دولار.