الذكاء الاصطناعي قد يكتب نهاية حقبة الشركات الكبيرة
جاء في مقال للكاتب تايلور كوين في بلومبرغ:
كانت الشركات كبيرة الحجم جزءاً أساسياً من الحياة الأميركية منذ أواخر القرن التاسع عشر، وحالياً يعمل عدد أكبر من الأميركيين في هذه الشركات مقارنة بنظيراتها صغيرة الحجم، لكن تلك المعادلة قد تكون على وشك التغيير جزئياً بسبب صعود الذكاء الاصطناعي.
على سبيل المثال نجد أن شركة “ميدجورني” (Midjourney)، صاحبة الخدمة الأكثر شهرة في إنتاج الصور باستخدام الذكاء الاصطناعي، تعتمد على 11 موظفاً فقط بدوام كامل. وربما تُعيّن مزيداً من الموظفين مستقبلاً، لكن هذا يعتبر عدداً قليلاً جداً في شركة أصبحت معروفة على نطاق واسع في مجالها.
بالطبع فإن أحد الأسباب الرئيسية وراء ذلك هو أن الكثير من العمل يعتمد على أجهزة الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي. ولا أعتقد أن هذا سيؤدي إلى بطالة جماعية، لأن التاريخ أثبت أن العمال تمكنوا عادةً من الانتقال من القطاعات التي سيطرت عليها الأتمتة إلى أخرى جديدة ومتنامية. لكن إذا ظهرت بعض القطاعات التي تتطلب وظائف جديدة، مثل الخدمات الشخصية المخصصة لرعاية المسنين، فستكون هذه الوظائف عادة في شركات أصغر وأكثر محلية، ما يعني توظيف عدد أقل من الأميركيين في الشركات الكبرى.
تأثير “تشات جي بي تي”
علينا أيضاً أن نضع في اعتبارنا تأثير تطبيق (ChatGPT)، الذي وُصف بأنه أسرع منتج تكنولوجي استهلاكي نمواً في التاريخ، وأنتجته شركة “أوبن إيه آي” (OpenAI) ومقرها في سان فرانسيسكو.
وحسب أحد التقديرات الحديثة، فإن الشركة لديها حوالي 375 موظفاً، بينما وعلى النقيض من ذلك، فإن ميتا بلاتفورمز لديها حالياً أكثر من 60 ألف موظف، حتى بعدما سرحت بعض الموظفين.
ستوظف “أوبن إيه آي” مزيداً من الموظفين مستقبلاً. مع ذلك، قد يكون الوقت قد حان حتى نغير الفكرة السائدة عن شكل شركة التكنولوجيا الكبرى.
ليس هذا فحسب، إذ سيتوقف مدى انخفاض قوة التأثير السياسي للشركات الكبرى على حجم استخدام الذكاء الاصطناعي في تقليص عدد الموظفين. وقد لا تتبقى لدى هذه الشركات طواقم العمل الكبيرة أو النزعة البيروقراطية التي كانت تدعم جهود جماعات الضغط، مثلما اعتدنا أن نرى من شركتي “إكسون” و”جنرال موتور”.
كما لن تتمكن هذه الشركات الصغيرة الجديدة من الذهاب إلى عضوين في مجلس الشيوخ وطلب خدمات، بحجة أنها توظف عشرات الآلاف من الأشخاص في الولاية.
هجرة أقل للعمال
أما بالنسبة لتأثير ذلك على السياسة العامة، فمن المتوقع عموماً أن يكون هناك دعم سياسي أقل لهجرة العمال بأعداد كبيرة، وهو الأمر الذي كانت الشركات الكبرى تفضله منذ فترة طويلة. وبدلاً من ذلك، يمكن أن تصبح سياسة الهجرة أكثر تركيزاً واستهدافاً، لاستقطاب الأشخاص الذين يمكنهم المساهمة في فرق محدودة عالية الإنتاجية في هذه الشركات الصغيرة الجديدة وحسب.
ستحتاج الشركات البارزة التي تضم عدداً أقل من الموظفين إلى تعيين الأشخاص المناسبين تماماً، كل في منصبه، بحيث يشرفون على الهياكل الإدارية العليا المتفوقة والمؤتمتة والمدارة بواسطة الذكاء الاصطناعي. وسيزداد اختيار الموظفين بناءً على مواهبهم، كما سيحصل الأشخاص في هذه الشركات الأصغر حجماً على رواتب عالية جداً.
وحتى إذا لم تبرم هذه الشركات شراكات رسمية، فإن ثقافاتها الداخلية ستتبنى بشكل وثيق ثقافة الشراكة أو العمل الجماعي، مع قدر كبير من المراقبة الداخلية المتبادلة. وسيمثل ذلك أيضاً تطوراً في شكل مكان العمل.
سيتطور شكل الاستثمار أيضاً، حيث ستقل احتمالات امتلاك الأميركيين لأسهم شركات في محافظ أوراقهم المالية. وإذا أصبحت الشركات أصغر بشكل عام، فلن يظهر الاحتياج إلى الاكتتاب العام لزيادة رأس المال من أجل التوسع، وإنما ستكون معظمها شركات ذات ملكية محدودة، كما سترتفع أهمية رأس المال الاستثماري المغامر بنفس القدر، ولكن نظراً لأن معظم المستثمرين المنفردين يواجهون قيود هيئة الأوراق المالية والبورصات (SEC) على ضخ استثمارات في المشروعات ذات رأس المال المغامر، فسيتعين عليهم الاستثمار في مكان آخر.
حالات استثنائية
بالطبع لن تنخفض القوى العاملة في كل الشركات الكبيرة. وقد لا تتمكن بعض الشركات التي تقدم خدمات للعملاء، مثل ستاربكس من أتمتة أنشطتها الأساسية، كما ستظل تعتمد على الفروع الوطنية، مما يعني أنه سيتبقى لديها عدد كبير من الموظفين (التقدير الحالي لعدد موظفيها هو 400 ألف موظف)، لكن العديد من موظفي “ستاربكس” سينتقلون من وظائفهم حينما يتقدمون في العمر، وينضمون إلى شرائح أخرى من القوى العاملة. وقد يصبح العمل في الشركات الكبرى شيئاً يفعله الناس عندما يكونون صغاراً ثم يغادرون، ولا يعودون أبداً.
تخيل نفسك في حفل عشاء في المستقبل تتحدث إلى شخص يبدو مثيراً للاهتمام وغير عادي، أو حتى غريب، لمجرد أنه يعمل في شركة كبيرة. ربما يشبه ذلك التحدث مع جاسوس اليوم أو إلى شخص يعمل في أحد أبراج شركة استخراج النفط.
قد يصعب تخيل ذلك حالياً، خاصة إذا كنت مثلي وقد كتبت كتاباً عن مدى أهمية الأعمال التجارية الكبيرة لإنتاجية وثقافة الولايات المتحدة. ولكن في المستقبل غير البعيد، قد تصبح الشركات الكبرى أكثر جاذبية بالنسبة للعديد من الأميركيين. وهي نتيجة أخرى غير متوقعة لظهور الذكاء الاصطناعي.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن “رأي سياسي” وإنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا