الحرب خدعة

كتب أسامة يماني في صحيفة عكاظ.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يطمح إلى الفوز بجائزة نوبل للسلام، وفي الوقت نفسه يرفع شعار «أمريكا أولاً». هذان الشعاران –السلام وأمريكا أولاً– متضاربان من الناحية العملية، كما يتجلى من التاريخ الأمريكي الذي كان في غالبه تاريخ حروب وتوسع. ورغم أن التاريخ هو المعلم الصادق، إلا أنه غالبًا ما يُستباح من قِبَل المنتصر، الذي يسعى إلى تزييفه وإسكاته، لكن مهما بلغ التعتيم والإخفاء، فإن الحقيقة كالضوء لا بد أن تشق طريقها عبر الأثير.
خاض الأمريكيون عشرات الحروب والنزاعات ضد الهنود الحمر (السكان الأصليين لأمريكا الشمالية) على مدى قرون. تُعرف هذه النزاعات مجتمعةً باسم «حروب الهنود»، وهي سلسلة صراعات مسلحة دارت بين القوى الأوروبية المستعمرة ثم الولايات المتحدة لاحقًا من جهة، والسكان الأصليين من جهة أخرى، واستمرت من القرن السابع عشر حتى أواخر القرن التاسع عشر. يقدّر المؤرخون عدد هذه الحروب بأكثر من ثمانين حربًا، تخللتها عمليات نقل قسري مروّعة مثل «درب الدموع»، حيث انتُزعت الشعوب الأصلية من أراضيها بالقوة، إلى جانب معاهدات واتفاقيات تم نقضها أو تجاهلها بلا حياء.
هذا بالإضافة إلى الحروب العديدة التي خاضتها أمريكا خارج أراضيها بعد الاستقلال، مثل الحرب المكسيكية الأمريكية، الحرب الإسبانية الأمريكية، وحرب فيتنام وأفغانستان والعراق والصومال وغيرها، والتي تُعدّ بالعشرات. فلم تمر سنة في التاريخ الأمريكي إلا وكانت البلاد منغمسة في حرب هنا أو نزاع هناك.
الرئيس ترامب صادق في دعوته لإنهاء الحرب الأوكرانية، لكن بالطريقة الأمريكية التي توقف القتال دون أن توقف جذور الصراع. لذلك كشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المخطط الذي أرادت الدول الغربية بقيادة أمريكا إيقاعه فيه، فلم تنطَلِ عليه حيلة «الحرب خدعة»، وتمسّك بشروطه، فقد تعلّم الدرس من اتفاقية مينسك؛ الاتفاقية التي تتألف من مجموعة من الإجراءات، بما في ذلك وقف إطلاق النار، وسحب الأسلحة الثقيلة من خط المواجهة، والإفراج عن أسرى الحرب، والإصلاح الدستوري في أوكرانيا، ومنح الحكم الذاتي لمناطق معينة من دونباس، وإعادة السيطرة على حدود الدولة إلى الحكومة الأوكرانية.
السؤال: هل الحلول الأمريكية المطروحة للنزاعات في الشرق الأوسط ما هي إلا خطوة لخلق «شرق أوسط كبير» جديد؟ وهل شعار السلام الذي يرفعه ترامب، سعيًا لنيل جائزة نوبل، مجرد غطاء لذلك؟
فهل يُكتب للسلام أن ينتصر يوماً ما، أم أن أمريكا ستُعيد إنتاج الحروب بأسماء جديدة، وتُخفي توسعها وراء شعارات برّاقة؟