الجزائر: تفجُّر الجدل مجدداً حول اتفاق الهجرة المثير مع فرنسا

بينما أطلق برلمانيان فرنسيان من المعسكر الرئاسي مبادرة لمراجعة اتفاق الهجرة، المبرم مع الجزائر منذ عام 1968، استنكر نائب جزائري ممثل عن الجالية المقيمة في هذا البلد الأوروبي «النهج الحالي المتبع تجاه الاتفاق، الذي يتّسم بالانتقائية والانفرادية في اتخاذ القرار»، مشدداً على أن «بنوده تُستغل كأداة سياسية في الصراعات الداخلية والحملات الانتخابية».
كشفت وسائل إعلام فرنسية، أمس الأربعاء، عن تقرير أعده النائبان عن حزب الرئيس إيمانويل ماكرون، ماثيو لوفيفر الذي عين، الأحد الماضي، وزيراً منتدباً للانتقال البيئي، وشارل رودويل، يقترحان فيه على الحكومة إحداث تغييرات عميقة على اتفاق الهجرة مع الجزائر، الذي يمنح امتيازات خاصة للمواطنين الجزائريين في مجالات الإقامة والعمل والتنقل والدراسة في الجامعات في فرنسا. وبرر البرلمانيان مسعاهما بـ«مبدأ المساواة بين الأجانب من مختلف الجنسيات».
ويسمح الاتفاق للجزائريين بالحصول على بطاقة إقامة لمدة عشر سنوات، وفق إجراءات مبسطة، كما يتيح لأفراد أسرهم القادمين في إطار لمّ الشمل الحصول على بطاقة إقامة مماثلة، مباشرة بعد وصولهم إذا كان الشخص المُستقبل يحمل الوثيقة نفسها.
وفي تقدير لوفيفر ورودويل فإن هذا الوضع «يحدث تمييزاً قانونياً» بين الجنسيات المختلفة للأجانب المقيمين على الأراضي الفرنسية، ويشكل «خرقاً لمبدأ المساواة، يضعف النظام القانوني الفرنسي»، كما أنه يمثل «عبئاً مالياً كبيراً» على الدولة، سواء من حيث التكاليف الإدارية، أو المساعدات الاجتماعية، وفق ما تضمنه التقرير، بحسب وسائل إعلام فرنسية.
وقدّرت الوثيقة هذا العبء بنحو ملياري يورو، وهو ما يعادل معاشات الجزائريين، الذين عملوا في فرنسا لسنوات طويلة. لكنها أشارت إلى أن هذه التقديرات «تبقى غير دقيقة بسبب نقص أو حجب البيانات الرسمية»، ما يزيد من صعوبة تقييم التكلفة الحقيقية.
ووصف البرلمانيان الاتفاق بأنه «يُكرس وضعاً قانونياً إشكالياً، لأنه يمنح امتيازات لمواطني دولة واحدة، دون غيرهم من الأجانب، في غياب أي مبدأ للمعاملة بالمثل من الجانب الجزائري». وجاء في التقرير أيضاً أن الاتفاق «لا يتضمن أي بند يتعلق بالطرف الجزائري، ولا ينص على أي معاملة متبادلة، ومن ثمّ لا يُعد اتفاقاً حقيقياً، بل أقرب إلى إعلان أحادي الجانب من طرف فرنسا». مؤكداً أن إلغاء هذا الاتفاق ممكن، دون الدخول في مواجهة مباشرة أو صدام دبلوماسي مع الجزائر.
وكان تقرير لمجلس الشيوخ الفرنسي قد أوصى في فبراير (شباط) الماضي باتخاذ خطوات نحو إلغاء الاتفاق، كما دعا وزير الداخلية السابق برونو ريتايو إلى إعادة النظر فيه عدة مرات، خاصة في سياق الأزمة الدبلوماسية المتفاقمة بين باريس والجزائر، منذ أن تبنت باريس في صيف 2024 المقترح المغربي بمنح حكم ذاتي، تحت سيادة المملكة المغربية للصحراء المتنازع عليها.
ويُعد الجزائريون أكبر جالية أجنبية في فرنسا، حيث بلغ عددهم نحو 649.991 شخصاً في عام 2024، بحسب إحصائيات الحكومة الفرنسية، كما يحتلون المرتبة الثانية من حيث عدد الحاصلين على أول بطاقة إقامة. كما تظهر الإحصاءات أن الجزائريين يشكلون أيضاً النسبة الأعلى من الأجانب الموقوفين في وضعية غير قانونية في فرنسا، بـما مجموعه 33.754 شخصاً خلال سنة 2024.
من جهته، أكد السياسي الجزائري، عبد الوهاب يعقوبي، وهو أحد النواب الأربعة المنتخبين لتمثيل الجالية الجزائرية في فرنسا، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن الاتفاق الجزائري – الفرنسي لعام 1968 «جاء في سياق تاريخي خاص عقب استقلال الجزائر، بهدف تأطير ما نصّت عليه اتفاقيات إيفيان (اتفاقيات الاستقلال لعام 1962) من حرية تنقل كاملة لمواطني البلدين».
وأوضح النائب أن الوثيقة جاءت حينها «استجابة لظروف إنسانية واقتصادية محددة، تتعلق بتنظيم الهجرة والعمل والتنقّل، في مرحلة كان فيها الحضور الجزائري في فرنسا جزءاً من إرث الاستعمار وتحديات ما بعده. غير أن هذا الاتفاق خضع منذ ذلك الحين لثلاثة تعديلات متتالية (1985 و1994 و2001)، كانت في معظمها لصالح الطرف الفرنسي، ما أفقده تدريجياً توازنه الأصلي وروحه التعاونية».
وأضاف يعقوبي أن المقاربة الفرنسية الراهنة بشأن هذا الاتفاق تبدو للأسف أحادية وانتقائية، إذ تُستعمل نصوصه أحياناً كأداة سياسية داخلية أو انتخابية، بدل أن تُدار في إطار رؤية شراكة قائمة على الاحترام المتبادل والمسؤولية المشتركة.
وترى الجزائر أن الاتفاق المثير للجدل أفرغ من مضمونه بفعل عقود من التعديلات والتقييدات، وأنه لم يعد يقدم اليوم أي امتياز حقيقي للجزائريين. وخلال الأزمة التي تمر بها العلاقات بين البلدين منذ أكثر من عام، شددت فرنسا القيود حول الهجرة، خصوصا ما تعلق بتجديد وثائق الإقامة للجزائريين.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2024، كتب صالح قوجيل، رئيس «مجلس الأمة» حينها (الغرفة الثانية للبرلمان)، مقالاً في الصحافة المحلية، أكد فيه أن الجانب الفرنسي «كان المستفيد الأول من جهود الجزائريين والجزائريات، منذ هجرتهم بصفتهم عمالاً إلى فرنسا، وصولاً إلى ما يُعرف بالهجرة المنتقاة، التي رُوّج لها في السنوات الأخيرة بشكل انتقائي، بهدف استقطاب المواهب وخريجي الجامعات الجزائرية من أصحاب الكفاءات العالية، دون أن يعود ذلك بأي مقابل على الجزائر».