«البنتاغون» بين بايدن وترامب
كتب الحسين الزاوي في صحيفة الخليج.
بدو العلاقة بين المؤسسة العسكرية والسلطة التنفيذية في الدول الغربية واضحة ومستقرة، وخاضعة لضوابط دستورية لا تتغير بتغيّر الأشخاص، ولا تتأثر بالأزمات السياسية والاقتصادية التي تشهدها هذه الدول؛ بيد أنه وخلف هذا الاستقرار الذي يتم الحرص على إبرازه على مستوى الواجهات الإعلامية، نجد هناك خللاً في العلاقة بين السياسي والعسكري، في الكثير من العواصم الغربية، باستثناء بريطانيا التي ما زالت المؤسسة الملكية تلعب فيها دوراً مرجعياً، وضابطاً للعلاقة بين مختلف المؤسسات السيادية ذات الصلة بالسلطات، التنفيذية والتشريعية والقضائية، أما في الدول الأخرى ذات الأنظمة الجمهورية، مثل الولايات المتحدة وفرنسا، فإن مصادر القوة تبقى مشتتة وغير منضبطة، وموزعة بين القوى واللوبيات المؤثرة في صناعة القرارات الحاسمة على مستوى هرم السلطة.
ويمكن القول في هذا السياق إن «البنتاغون»، وهي بمثابة مركز القيادة لأول قوة عسكرية في العالم، تلعب دوراً بالغ التأثير في توجيه السياسات العامة للدولة الأمريكية وفي اتخاذ القرارات المتعلقة بالنفوذ الجيوسياسي، وبالمصالح القومية لأمريكا، ولن نذيع سراً إذا أكّدنا أن «البنتاغون» والأجهزة الأمنية الأخرى، وعلى رأسها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية؛ تتدخل، بصيغ وأشكال مختلفة، في توجيه مسارات السياسة الأمريكية على المستويين، الداخلي والخارجي. وقد بلغت ميزانية «البنتاغون» خلال سنة 2020 نحو 740 مليار دولار، وستتجاوز خلال السنة الجارية 886 مليار دولار، لتكون بذلك بمثابة أضخم ميزانية في العالم، متجاوزة مجموع كل ما تنفقه باقي الدول الغربية مجتمعة، ولتمثل في اللحظة نفسها ما بين 40 و50 في المائة من مجموع ما تنفقه كل دول العالم.
ويملك الجيش الأمريكي قواعد عسكرية في مناطق مختلفة من الكرة الأرضية، كما أن حاملات الطائرات والسفن الأمريكية تمخر عباب البحار والمحيطات لتكون قادرة على التدخل في زمن قياسي في مختلف مناطق النزاع.
ويشير أوبير فيدرين وزير الخارجية الفرنسية السابق، إلى أن «البنتاغون» تأسّست سنة 1943 بولاية فرجينيا في المكان نفسه الذي توجد فيه المقبرة الوطنية، وتستمد «البنتاغون» اسمها من شكلها الهندسي المميز، ويمثل المقر الرسمي لوزارة الدفاع الأمريكية ويشتغل بداخله أكثر من 30000 عسكري ومدني من الموظفين التابعين للوزارة، وتعرّضت «البنتاغون» لأول هجوم سنة 2001 في سياق ما أصبح يعرف بأحداث 11 سبتمبر/ أيلول التي كان لها دور حاسم في تغيير مسارات السياسة الخارجية الأمريكية، وفي دفعها إلى غزو العراق وأفغانستان، والدخول في حروب مزعزعة للاستقرار والسلم الدوليين؛ وتمثل «البنتاغون» إلى جانب البيت الأبيض، أبرز رموز قوة وسطوة وبطش الولايات المتحدة، وتُنسج حولها الكثير من القصص والأساطير التي يدخل الكثير منها في خانة الخيال السينمائي الهوليدي.
وتؤكد التقارير والوثائق الأمريكية التي كشف عن بعضها الإعلام المحلي، أن علاقة «البنتاغون» برؤساء السلطة التنفيذية في البيت الأبيض لم تكن دائماً على أحسن ما يرام، وشهدت منذ الستينات من القرن الماضي، فترات من الشد والجذب، وبخاصة في المراحل التي كان فيها الرئيس يتدخل في قرارات أمنية وعسكرية، يرى القادة العسكريون أنها من اختصاصهم لصلتها المباشرة بالأمن القومي للدولة الأمريكية؛ ويتذكر الجميع أنه وخلال ولاية ترامب الرئاسية السابقة، كان هناك توتر دائم بين الرئيس والقيادة العسكرية، ومعها الدولة العميقة، حيث كانت «البنتاغون» معترضة على التقارب بين ترامب والرئيس الروسي بوتين، لأن الصراع مع روسيا هو جزء من العقيدة العسكرية الأمريكية. وبالتالي فقد شهدت الشهور الأخيرة من حكم ترامب، مواجهة غير مسبوقة بينه وبين جنرالات الجيش الذين كانوا يرفضون خططه الهادفة إلى توريط بلادهم في حرب مباشرة مع إيران.
واعترض العسكريون الأمريكيون في السياق نفسه، على تعيين ترامب لكريستوفر ميلر كوزير للدفاع بالوكالة، ورأوا أن ميلر لا يتمتع بالمكانة والكاريزما القوية التي تجعله قادراً على الاعتراض على قرارات ترامب، وكان بايدن صرّح بعد فوزه بولايته الأولى سنة 2020 أن الموظفين الذين عينهم الرئيس المنتهية ولايته في مناصب بوزارة الدفاع، يعرقلون عملية الانتقال السلس للسلطة، الأمر الذي يشكل سابقة خطرة في تاريخ الديمقراطية في أمريكا، ويهدِّد بإدخال البلاد في الفوضى نتيجة لعدم التزام الموظفين المعينين بصلاحيتهم الدستورية في محاولة لفرض هيمنة البيت الأبيض على السلطة العسكرية، بسبب وجود قناعة لدى ترامب بأن «البنتاغون» كانت معترضة على توليه منصب الرئاسة لولاية ثانية.
ويرى الكثير من المتابعين للشأن الأمريكي، أن انتخابات 2024 ستشهد مزيداً من التوتر بين مؤسسات الدولة الأمريكية لاسيما بين الرئاسة و«البنتاغون»، إذ ستكون المؤسسة العسكرية في وضع لا تحسد عليه، فهي من جهة لا ترغب في عودة ترامب، بخلفيته اليمينية والشعبوية، إلى السلطة، لأنه سيسيء إلى مصالح واشنطن مع حلفائها في أوروبا، وقد يشكل طوق نجاة للرئيس الروسي بوتين في حربه مع أوكرانيا، وهي من جهة أخرى باتت مقتنعة إلى حد بعيد، أن الرئيس بايدن، لم يعد يملك ما يكفي من القوة والكفاءة، ما يؤهله لقيادة أمريكا في مرحلة تعدُّ من أصعب مراحل تاريخها المعاصر.