اقتصاد ومال

الاقتصاد البريطاني يدخل نفق الثعابين… فهل ينجو من سموم المضاربين وتجار الأزمات؟

دخل الاقتصاد البريطاني في بداية العام الجاري “نفق الثعابين”، المتمثل في ارتفاع كلف الدين، وتراجع الجنيه الإسترليني والركود الاقتصادي، وهروب المستثمرين، و”الثقب الأسود” في المالية العامة، وارتفاع التضخم. وتأمل وزيرة الخزانة البريطانية راشيل ريفز أن تُخرجه سالماً من ثعابين المضاربات وتجار الأزمات، ولكن هل تستطيع؟وقالت دراسة بحثية صدرت أمس الخميس، إن وزيرة الخزانة البريطانية راشيل ريفز تواجه خيارات صعبة لإنقاذ الاقتصاد البريطاني المتعثر.

ويعني ارتفاع أسعار الفائدة والتوقعات الاقتصادية الأضعف، أن وزيرة المالية قد تضطر إلى اتخاذ “قرارات صعبة قصيرة المدى”، بما في ذلك زيادات ضريبية جديدة أو تخفيضات في الإنفاق، أو المخاطرة بخرق القواعد المالية، وفقاً للدراسة التي صدرت أمس عن مركز الأبحاث البريطاني “ريزليوشن فاونديشن”.

والأزمة الحقيقية التي يواجهها الاقتصاد البريطاني حالياً هي ارتفاع كلف خدمة الدين وركود الاقتصاد، حيث إن كلفة الدين تجاوزت ثمانية مليارات جنيه إسترليني في عام 2024، بينما يتراجع النمو الاقتصادي، حيث بلغ معدل النمو الاقتصادي البريطاني 0.1% فقط في الربع الثالث من عام 2024، مع توقعات تشير إلى تباطؤ النمو إلى الصفر في الربع الأخير من ذلك العام. وهو ما يعني من الناحية الفنية أن الاقتصاد حالياً يعيش حالة من الركود.

وقد أثارت هذه القضايا المعقدة والمتشابكة في الاقتصاد البريطاني مخاوف المستثمرين والشركات، فيما يتعلق باستقرار المملكة وآفاق اقتصادها المستقبلية، وأدت إلى هروب آلاف الأثرياء من بريطانيا إلى مراكز مالية أخرى في أوروبا وخارجها.

ولمعالجة هذه الاختلالات الكبيرة حددت وزيرة الخزانة استراتيجية من ثلاثة محاور، وهي الاستقرار والإصلاح والاستثمار. فعلى صعيد الاستقرار، أكدت ريفز أن الاستقرار الاقتصاد البريطاني ضروري لتعزيز النمو. ويشمل ذلك تنفيذ تدابير مثل قانون مسؤولية الميزانية لضمان الانضباط المالي، ومنع ممارسات الموازنة غير المسؤولة التي شوهدت في الإدارات السابقة.

وثانياً، الإصلاح لتحفيز النمو الاقتصادي، وقد اقترحت في هذا الصدد إصلاحات على أنظمة التخطيط وعمليات تطوير البنية التحتية. ويشمل ذلك الحد من القواعد التنظيمية البيئية التي تعيق مشاريع البناء في الاقتصاد البريطاني والتي تزعم أنها جعلت مشاريع البنية التحتية الكبرى مكلفة للغاية وتستغرق وقتا طويلاً. وثالثاً، الاستثمار، عبر جذب الاستثمار الخاص إلى مشاريع البنية التحتية الحيوية، والتي من بينها توسيع مطار هيثرو بمدرج جديد، وتقول إنه يمكن أن يخلق حوالي 100 ألف فرصة عمل ويعزز القدرة التجارية لبريطانيا.

وقد شدد محافظ بنك إنكلترا، أندرو بيلي، أول من أمس، على حاجة بريطانيا إلى زيادة معدل نموها الاقتصادي، حيث وضعت الوزيرة ريفز خططاً لإنعاش الاقتصاد، لكنه حذر من أن المساس بالاستقرار المالي من شأنه أن يضر بالنمو الاقتصادي على المدى الطويل. وفي حديثه خلال جلسة استماع للجنة الخزانة، قال بيلي إنه “يدعم بشدة عمل” الحكومة الحالية لتعزيز النمو. وقال إن المملكة المتحدة لديها معدل نمو منخفض منذ الأزمة المالية عام 2007″. وقال: “في الأساس، الاستقرار المالي هو أساس النمو. ليس هناك مقايضة”.

من جانبه، قال كبير اقتصاديي المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية ببريطانيا، بن كاسويل، في تعليقه على استراتيجية ريفز لإنقاذ الاقتصاد: “عادةً ما تحقق مشاريع البنية التحتية الكبيرة نمواً على المدى الطويل، ما يقرب من 10 إلى 20 عاماً”. وأكد أنه على الرغم من أن هذه المشاريع قد لا تظهر تأثيرات فورية على أرقام نمو الناتج المحلي الإجمالي، إلا أنها تعزز القدرة التوريدية للاقتصاد بمرور الوقت. ويشير هذا إلى أن تركيز ريفز على البنية التحتية يمكن أن يكون مفيداً على المدى الطويل، ولكنه قد لا يقدم حلولاً سريعة للقضايا الاقتصادية الحالية.

وكان صندوق النقد الدولي قد توقع في يناير/كانون الثاني الجاري، معدل نمو في الاقتصاد البريطاني قدره 1.6% في عام 2025، وهو أعلى مما كان متوقعاً في السابق ويمثل علامة إيجابية وسط خلفية مليئة بالتحديات. ولكن يحذر الاقتصاديون من أن معدل النمو هذا وحده لن يكون كافياً لحل القضايا الهيكلية الأعمق داخل الاقتصاد. وتوفر توقعات صندوق النقد الدولي بصيصاً من الأمل، ولكنها تؤكد أيضاً على الحاجة إلى بذل جهود متواصلة لمعالجة المشاكل الأساسية مثل انخفاض الإنتاجية وارتفاع تكاليف الاقتراض.

وقال مركز الأبحاث “ريزليوشن فاونديشن”، في بحثه، الذي صدر أمس، إن ريفز قد تحتاج إلى الاختيار بين الإعلان عن إجراءات جديدة لتشديد السياسة في ميزانية الربيع في 26 مارس/آذار المقبل أو المخاطرة بخرق القواعد المالية التي وضعتها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وتضمنت التغييرات في القواعد المالية، التي تم الإعلان عنها قبل ميزانية الخريف مباشرة، قاعدة الاستقرار، وهو ما يعني أن التكاليف اليومية يتم تلبيتها من خلال الإيرادات وليس الاقتراض، وبالتالي فإن الحكومة لن تقترض إلا للاستثمار.

وتضمنت التغييرات أيضاً قاعدة استثمارية لخفض الديون، التي تُعرف بأنها صافي الالتزامات المالية للقطاع العام، كحصة من الاقتصاد. وبلغ الدين الوطني البريطاني حتى بداية العام الجاري نحو 2.8 تريليون جنيه إسترليني، ما يعادل تقريباً الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وقد أدت الأزمات الاقتصادية مثل الانهيار المالي عام 2008 وجائحة كوفيد-19، إلى هذا التضخم المريع في حجم الدين.

ومع ارتفاع أسعار الفائدة البريطانية منذ عام 2021، ارتفعت خدمة الدين الوطني. وفي ديسمبر/كانون الأول 2024 وحده، بلغت مدفوعات الفائدة على القروض 8.3 مليارات جنيه إسترليني، أي بزيادة 3.8 مليارات جنيه إسترليني عما كانت عليه في ديسمبر 2023. وتعكس هذه الزيادة ارتفاع تكاليف الاقتراض بسبب ارتفاع أسعار الفائدة طويلة الأجل.

ويأتي تحذير المركز البحثي، على الرغم من إشارته إلى أن الأسواق تعافت تدريجياً من التوترات الأخيرة في شهر يناير. وكانت المخاوف من سيطرة “الركود التضخمي” في المملكة المتحدة، حيث يتباطأ النمو الاقتصادي وسط استمرارية التضخم أدت إلى عمليات بيع واسعة النطاق للسندات الحكومية. وقد أدى هذا إلى ارتفاع العائدات على السندات، التي تمثل فعلياً ارتفاع خدمة الدين البريطاني. وأدت التقلبات إلى وصول سندات الحكومة لأجل 10 سنوات إلى حوالي 4.9% في منتصف يناير، وهو أعلى مستوى لها منذ عام 2008.

وأشار مركز أبحاث “ريزليوشن فاونديشن” إلى أن هذا كان أعلى بنحو 0.75 نقطة مئوية من المستوى الذي يفترضه مكتب الميزانية. وفي حين تراجعت سندات العشر سنوات منذ ذلك الحين، إلا أنها ظلت أعلى بمقدار 0.5 نقطة مئوية من المستوى الذي توقعه مكتب مراقبة الميزانية في الخريف الماضي.

وحذرت المؤسسة البحثية من أنه في حالة بقاء السندات عند هذا المستوى، فإن تكاليف خدمة الديون في الاقتصاد البريطاني سترتفع بنحو 7 مليارات جنيه استرليني سنوياً. “وعلى الرغم من أن التوقعات القصيرة الأجل للتغيرات في أسعار الفائدة لبنك إنكلترا ارتفعت بنسبة أقل، فإن التوقعات على مدى السنوات الخمس المقبلة ارتفعت بنحو 0.5 نقطة مئوية في المتوسط، مقارنة بالتوقعات في وقت الأزمة”. وفق مركز أبحاث الميزانية البريطانية. ومن المتوقع أن يخفض بنك إنكلترا أسعار الفائدة في اجتماعه الأول للسياسة لعام 2025 في 6 فبراير/ شباط، بعد أن أبقى عليها بدون تغيير في ديسمبر.
ويرى مركز الأبحاث “ريزليوشن فاونديشن” أنه مع “ترك الوزيرة 10 مليارات جنيه استرليني فقط من الارتفاع ضد قاعدتها المالية المتمثلة في موازنة الإنفاق العام اليومي وإيرادات الضرائب بحلول السنة الخامسة من التوقعات، ومع أن التوقعات الاقتصادية الأوسع لا تزال غير مؤكدة، فإن فرصة وقوع الحكومة في خطر خرق قواعدها المالية لا تزال على حد السكين”.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى