الإمارات ولبنان.. تاريخ من الأخوة والصداقة
كتبت صفيه سعيد الرقباني, في “الخليج” :
جعل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، من مقولته التاريخية «إننا نؤمن بأن خير الثروة التي حبانا الله بها يجب أن يعم أصدقاءنا وأشقاءنا» عملاً يُطبق ونهجاً يُحتذى به في السياسة الإنسانية، ترسيخاً للهوية الإماراتية القانعة بنشر السلام وحب الخير وإغاثة الملهوف، فإن إطلاق حملة «الإمارات معك يا لبنان» ليس بأمر جديد على دولة الإمارات التي امتد خيرها لكثير من الدول والمناطق المنكوبة، وكان للبنان حصة خاصة. استشعرت من خلال مشاركتي في هذه الحملة، عمق العلاقات الأخوية بين البلدين، خاصة في هذه الظروف الاستثنائية، إضافة إلى حرص القيادة الإماراتية على تقديم أفضل الخدمات الإنسانية لمساعدة اللبنانيين على تجاوز محنتهم. وعكست الحملة التفاعل المجتمعي وجوهر الرسالة الحضارية والإنسانية لدولة الإمارات.
أرسى الأب المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، اللبنات الأولى لمفهوم «الدولة الإنسانية» في الإمارات بدعم وإغاثة أي شعب عربي أو غير عربيي خلال المحن والكوارث، مع ترسيخ سياسة الحوار والمفاوضات والبحث في سبل الأمن والاستقرار والسلام كنهج إنساني بدلاً من الحروب.
إن الدعم الإماراتي للبنان يستند إلى منطلقات إنسانية راسخة تعكس قيم الإمارات في تقديم العون للجميع، بغض النظر عن العرق أو الدين أو الانتماء السياسي، إن هذا الدعم ينبع من مبدأ التضامن الإنساني الذي تتبناه الدولة في سياساتها الخارجية، حيث تعتبر تقديم العون في أوقات الأزمات واجباً أخلاقياً، وضرورة إنسانية.
تعود الذاكرة إلى تاريخ العلاقات التي جمعت البلدين، والتي تخطت حدود العلاقات الرسمية القائمة على العمل الدبلوماسي، لقد وقفت الإمارات إلى جانب لبنان في مختلف أوقاته الصعبة، وما قدمه الشعب اللبناني بالمقابل من طاقات بشرية مميزة، كان من شأنها تطوير مختلف المجالات في دولة الإمارات. تواصل الدعم المالي من الإمارات للبنان وسط ظروفه الداخلية العصيبة منذ سبعينيات القرن الماضي، وكان للوالد المؤسس دوره الريادي، ومواقفه المميزة إلى جانب لبنان الشقيق، يسجل التاريخ الكثير من المواقف المشرفة منذ عام 1974 حيث منح الراحل لبنان 150 مليون دولار لتمويل مشروع الليطاني، كما أنه في العام نفسه، قرر الإسهام في الخطة الدفاعية للبنان بمساعدة مالية بلغ قدرها 300 مليون دولار.
وشهدت مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990، العديد من المبادرات الإماراتية الهادفة لترسيخ السلم الأهلي في لبنان وإعادة إعماره، ودعم أسس استقراره وازدهاره، حيث قدمت الإمارات هبات وقروض مالية للحكومة اللبنانية، لتمويل العديد من مشاريع البنية التحتية والتعليم والصحة، وغيرها من المجالات، والتي نذكر منها مثالاً، التبرع بـ5 ملايين دولار لإعادة ترميم القصر الجمهوري، بالإضافة إلى مساعدة مالية بقيمة 30 مليون دولار في عام 1993، فضلاً عن تقديم وديعة مالية بقيمة 100 مليون دولار عام 1998، وكذاك الاكتتاب بسندات خزينة بقيمة 300 مليون دولار.
وجددت الإمارات التزامها بمساعدة الشعب اللبناني في مسيرة البناء والتعمير، في أعقاب تحرير جنوب لبنان عام 2000، وأعلنت الإمارات في أكتوبر 2001، تنفيذ مشروع التضامن الإماراتي لإزالة الألغام في جنوب لبنان، بتكلفة قدرها 50 مليون دولار. ولمواجهة الأزمات الاقتصادية الخانقة التي شهدها لبنان، منذ مطلع الألفية الثالثة، قامت الإمارات بمد لبنان في سنة 2003 بـ300 مليون دولار لدعم خزينته، تنفيذاً لمقررات مؤتمر «باريس-2».
وكانت الإمارات في حرب يوليو/ تموز عام 2006 من الدول الأولى الداعمة للبنان، بهدف الحفاظ على أمنه واستقراره، وذلك مع إطلاقها في سبتمبر من العام ذاته «المشروع الإماراتي لدعم وإعمار لبنان»، الذي لم يدخر جهداً ليتجاوز لبنان الآثار المدمرة التي خلفتها الحرب آنذاك، كما قامت الإمارات، في إطار المشروع نفسه، بتسيير جسر جوي وخط ملاحي وخط بري مباشر، لنقل المساعدات الإنسانية العاجلة للمتضررين، التي شملت المواد الغذائية والأدوية والخدمات الطبية، ونقل الجرحى والمصابين لتلقي العلاج في المستشفيات الإماراتية، إضافة إلى إعادة إعمار وتأهيل المدارس والمستشفيات وموانئ الصيادين، التي دمرتها الحرب، إلى جانب إطلاق مبادرة إزالة الألغام والقنابل العنقودية من الجنوب اللبناني.
وكانت الإمارات من الدول الأولى الداعمة للشعب اللبناني الشقيق، خلال جائحة كورونا من خلال تقديم مساعدات طبية عاجلة، وبادرت الإمارات بإنشاء «مركز الشيخ محمد بن زايد الإماراتي- اللبناني الاستشفائي لمعالجة مرضى كورونا»، وبعد تفجير مرفأ بيروت، وكان حدثاً مؤلماً في أغسطس/ آب عام 2020، كانت الإمارات في طليعة الدول التي سارعت إلى تقديم المساعدات اللوجستية والإمدادات الإغاثية لأهالي بيروت، وأطلقت حينها حملة وطنية إنسانية عاجلة تحت عنوان «من الإمارات، ومن أجل لبنان».
هذه النماذج من المساعدات تعكس مدى اهتمام الإمارات بلبنان، وإنعاشه على مدى سنوات التحديات والأزمات، لقد استمر الدعم الإنساني من الإمارات لشعب لبنان دون توقف على الرغم من الازمات السياسية التي طالت العلاقات اللبنانية الخليجية، فضلاً عن جهود الإمارات كراعية للسلام واستقرار المنطقة والوصول إلى تسويات سياسية تدفع نحو الحفاظ على هوية لبنان العربية التي حاولت المليشيات اختطافها، وعبر تأكيدها ضرورة قيام السلطات اللبنانية بتعزيز سيادتها والحفاظ على مؤسساتها.
لبنان عروس الشرق والحضارة في أبهى معانيها. لبنان بلد العطاء والثقافة والجمال، له مكانة خاصة في قلب كل إماراتي، ولذلك كان التفاعل الشعبي مع التحديات التي تواجه لبنان قوياً وعميقاً.