شؤون دولية

الأمين العام لقصر الإليزيه… تلك الشخصية الغامضة في أعلى مناصب الدولة

الذراع اليمنى لرئيس الدولة، على الرغم من أن دوره غير محدد بأي نص في القانون. يعد الأمين العام لقصر الإليزيه واحدا من كبار المسؤولين الأكثر صمتا في الجمهورية الخامسة. ومع اقتراب الإعلان عن تشكيل الحكومة الفرنسية الجديدة، نقدم لكم عرضا لتلك الوظيفة الغامضة والمهمة داخل جهاز الدولة.

في عيون عدد كبير من الفرنسيين، هو ذلك المسؤول الكبير الزاهد في الظهور والذي يخط سريعا أسماء الوزراء وهو واقف على شرفة قصر الإليزيه خلال الإعلان عن الحكومة الجديدة. من هذه المراسم الثابتة، ينشأ ارتباك في أذهان عامة الناس: فالأمين العام هو نوع من المدراء الكبار والأساسيين، وهو مسؤول عن المهام الإدارية الغامضة.

لكن في الواقع، فإن “الأمين العام” ليس سوى ثاني أهم شخصية في قصرالإليزيه، بعد رئيس الدولة مباشرة. إنه رجل يعيش في الظل، وترس لا غنى عنه في آلة قصر الإليزيه، إنه الذراع اليمنى التي لا نراها لرئيس الدولة، الشخص الذي” يرى كل شيء، ويسمع كل شيء، لكنه لا يقول شيئا” وذلك وفقا للمقولة المنسوبة إلى الجنرال ديغول.

إن الأمين العام لقصر الإليزيه هو “الشخص الذي يمر من خلاله كل ما يتعلق برئيس الجمهورية، ولا تفوته حتى فاصلة”، كما يقول إيمري دوليجيه، مؤلف كتاب “الموظفون غير المرئيين في قصر الإليزيه” (إصدار. برس دو لا سيتيه). “هو من يقرر ما إذا كانت المعلومات تستحق أن ترفع للرئيس أم لا”، فهو مثل برج المراقبة في مجال “العلاقات العامة”.

إن الأمين العام هو بمثابة “رئيس مكرر”، وظيفته هي مضاعفة فعالية رئيس الدولة عبر توفير وقت ثمين له على جدول أعماله اليومية المثقل بالمواعيد. إنه يمثل رئيس شؤون موظفين حقيقي للحكومة، ويقوم بتوظيف أفضل الأشخاص، كما أنه ينسق مع قصر ماتينيون (رئاسة الوزراء)، ويدير الملفات المهمة، ويعد محاضر مجلس الوزراء، ويشرف على مواعيد ومقابلات المكتب الرئاسي، ويعيد قراءة المقابلات مع أعضاء السلطة التنفيذية، ويقوم بالتحكيم في القضايا العالقة، ويحيل الأوامر إلى الوزراء ويعيد صياغتها إذا لزم الأمر.

قصر الإليزيه، باريس، 24 مارس/ آذار 2020
قصر الإليزيه، باريس، 24 مارس/ آذار 2020 © أ ف ب / أرشيف
علاقة مقربة من رئيس الدولة

وفي وسط مستشاري الرئيس، تثير هذه السلطة المطلقة التي يتمتع بها أحيانا الغيرة والتوترات، كما يتضح ذلك من الانتقادات الحادة التي طالته في مقال في صحيفة “لوموند”، بعد تأكيد إعادة تعيين “الحصيف جدا” ألكسي كولر، في المنصب ذاته، وهو ما دعا موظف آخر في القصر إلى إطلاق لقب “رئيس الطواشي” عليه.

ويقول إيمري دوليجيه محللا “أليكسي كولر هو العقل الثاني لإيمانويل ماكرون، فهو الشخص الذي يمنع الرئيس من التحول عن خارطة الطريق الخاصة به”. “أحيانا ما يأتي الوزراء بأفكار غريبة وغير واضحة. وهنا يأتي دور الأمين العام في قول كلمة الفصل. كما أنه يضع حدا لتوق الوزراء للبحث عن مجدهم الشخصي”.

يقع مكتبه في الطابق الأول من قصر الإليزيه بجوار “الصالون الأخضر”، قاعة الاجتماعات المجاورة لمكتب الرئيس، وهذا الحاجب هو الوحيد من بين موظفي الرئاسة وخارج أفراد أسرة الرئيس الذي له الحق في الوصول مباشرة لرأس الدولة.

وظيفة بالغة الحساسية، تتطلب من شاغلها طاقة هائلة لإنجاز المهمات. فالأمين العام هو أول من يصل للعمل من بين الموظفين وهو أيضا آخر من يغادر. حاصل على قدر كبير من التعليم، وغالبا ما يكون متخرجا من “المعهد الوطني للإدارة” ذي السمعة الكبيرة، كما يتمتع بمعرفة عميقة بكيفية عمل جهاز الدولة ومفاصله.

وهو عموما صديق مخلص للرئيس مثل جان بيير جوييه في إدارة فرانسوا هولاند، وكلود غيان في إدارة نيكولا ساركوزي، وأخيرا أليكسي كولر في إدارة إيمانويل ماكرون… الثقة يجب أن تكون مطلقة بين الطرفين “إنه الشخصية التي يمضي معها الرئيس أكثر أوقاته. وإن لم يكن ثمة تقدير متبادل بينهما أو غابت الثقة الفكرية والودية عن علاقتهما فإنه من المؤكد سيوجد خلل في العمل بينهما”، كما يشرح إيمري دوليجيه.

وظيفة ذات هيكلية متحورة

ليس هناك من نص قانوني يحدد بوضوح دور الأمين العام لقصر الإليزيه، وهو ما يشارك بقدر كبير في هالة الغموض التي تحيط بالدور الذي يؤديه وتغذي أوهام المؤامرة والشكوك في قمة السلطة. وفي غياب هذا الإطار التنظيمي لتلك الوظيفة، يعود فقط لرئيس الدولة كيفية تحديد نطاق العمل فيها.

وإن كان الجنرال ديغول قد رأى أنه من الضروري أن يتمتع أمناؤه بالسرية والكتمان، فقد كان نيكولا ساركوزي على العكس من ذلك تماما، وكان يرسل عن طيب خاطر أمينه العام كلود غيان إلى استوديوهات التلفزيون للدفاع عن عمل حكومته. لقب غيان بـ”نائب الرئيس”، إذ كان أحد أقوى الأمناء في الجمهورية الخامسة، وكان غالبا ما يتهم بالحط من دور رئيس الوزراء آنذاك فرانسوا فيون.

وفي عهد شيراك، تم تقديم الأمين العام دومينيك دوفيلبان بوصفه المحرض الأساسي وراء القرار الفاشل بحل الجمعية الوطنية عام 1997. بالطبع هناك بعضهم ممن كانوا أقل ظهورا مثل جان لوي بيانكو في عام 1982 في إدارة فرانسوا ميتران، كما كان أصغر شخص شغل هذا المنصب وأكثرهم بقاء فيه لفترة تجاوزت السنوات التسع.

أما فيما يتعلق بأمناء فرانسوا هولاند فقد قبعوا تقريبا طوال الوقت في الظل. ففي مقال عنه نشرته جريدة “ليبراسيون” عام 2018، أوضح بيير رينيه لوماس الأمين العام في عهد هولاند أنه تلقى خارطة طريق مختصرة تحدد طريقة عمله تلخصها الجملة الآتية: “لا تكن غيان”. وإجمالا يتلخص المعنى في “لا تتطفل على عمل رئيس الوزراء أو وزير الداخلية. ثم يقول مفسرا “لقد كنت لا أحد. وصدقا، لم يكن ذلك أمرا سهلا”.

وسواء أكان الأمين العام شخصا متحفظا أو دائم الظهور في وسائل الإعلام، وسواء أكان مؤثرا أو منعزلا، فهو عموما ينتظره مستقبل سياسي مشرق. فثلاثة من هؤلاء الأمناء أصبحوا فيما بعد رؤساء وزراء، وهم بيير بيريغوفوا ودومينيك دوفيلبان وإدوار بالادور. وبوصفه أمينا عاما لقصر الإليزيه، كان بالادور أمين الأسرار الكتوم للرئيس جورج بومبيدو المريض وذلك حتى وفاة الأخير عام 1974.

المصدر: أ.ف.ب

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى