الأمن الرقمي أولاً.. ولكن..!
كتب د. ضاري عادل الحويل في صحيفة القبس.
سُعدنا والكثير من أصحاب الاختصاص بما تشهده الساحة المحلية في الآونة الأخيرة من صحوة رقمية باهتمام مؤسساتها الجم بالأمن السيبراني، وإن كان بليّ الأذرع أحيانًا، إن جاز التعبير، من جراء التهديدات والهجمات السيبرانية المتوالية التي تشهدها المنطقة من حولنا. سُعدنا بالتفاعل الحكومي والإيمان بأهمية بناء العنصر البشري من خلال إقامة «هاكاثون الكويت» في مجال الأمن السيبراني الذي نظّمه المركز الوطني للأمن السيبراني باستضافة جامعة الكويت بمدينة صباح السالم الجامعية وبرعاية كريمة ومتابعة مباشرة من النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، الشيخ طلال الخالد الصباح، وكل القادة والقائمين على المسابقة، فلهم كل الشكر والتقدير ولكم نرفع العقال.
وما إن هدأت أروقة الجامعة بعد انتهاء المسابقة، حتى عادت لتلتهب مجددًا وفي أقل من أربع وعشرين ساعة فقط بافتتاح النسخة الخامسة لمؤتمر التعليم والبحث العلمي في مجال الأمن السيبراني تحت رعاية رئيس المركز الوطني للأمن السيبراني، الأخ اللواء الركن المهندس المتقاعد محمد بوعركي، في تجمع أكاديمي يبحث برامج وتقنيات منظومة الأمن الرقمي وتطوير الفضاء السيبراني في الكويت. نعم، شهادتنا مجروحة، إلا أن الجامعة تزخر بالكفاءات الوطنية الشابة في المجال، ولدينا برنامج قائم في مرحلة الماجستير بمسار مخصّص للأمن السيبراني، راجين أن تتكلل الجهود بإعلان إتاحة برنامج البكالوريوس في هذا التخصص المهم، وفي أسرع وقت، والذي بالمناسبة اقترحه أكثر من قسم علمي في الجامعة منذ ما يقارب العام، استشعارًا للمسؤولية وتلبيةً لنداء الواجب بإعداد الكوادر الوطنية المدرّبة في هذا التخصص الحيوي والمهم. ولا يفوتنا ذكر الجهود الكبيرة التي يقوم عليها الجهاز الوطني للاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم بإضافة برامج في مستويات البكالوريوس والماجستير في مجالات الأمن السيبراني بعدد من الجامعات حول العالم، وآخرها هذا الأسبوع في الولايات المتحدة الأميركية.
وبينما نتابع هذه التطوّرات الرائعة في المجال، استرعى انتباهنا تصريح أحد المسؤولين في إحدى الجهات الأمنية عن الإمكانات الهائلة التي من شأنها ضبط الأمن باستخدام أحدث التقنيات والمتمثلة في منظومة الكاميرات الذكية لضبط المطلوبين للعدالة والمجرمين وتحديد أماكن وجودهم، سواءً في الشوارع أو الأسواق أو غيرها من الأماكن العامة من خلال «البصمة البيومترية». لا شك أن لهذه التقنيات منافع كثيرة، لكن ثمة اعتبارات يجب الأخذ بها بعين الاعتبار. وحتى لا يفسّر كلامنا خطأً، نوجّه من خلال هذه السطور المتواضعة تحيّة للعيون الساهرة على أمن الوطن وراحة من يعيشون عليه، ولا نشكك في إخلاصهم، ولكن ثمة تساؤلات مستحقة. كيف سيتم تخزين ومعالجة واستخدام البيانات والمعلومات في أداء الأعمال المطلوبة؟ ما الضمانات التشريعية التي تحمي خصوصيات الأفراد وتضمن عدم التعرّض لهم وحرياتهم الشخصية؟ كيف ستتم محاسبة من يستغل سلطته ويسعى للتضييق على الأفراد والجماعات من خلال المراقبة والملاحقة المستمرّة، وبضغطة زر؟
صحيح أن الأمن الرقمي يأتي أولًا، ولكن وجبت الموازنة بينه وبين الحريات الشخصية والمجتمعية، وإلا غدا مجتمعنا بوليسيًا بالدرجة الأولى، وهذا يعتبر مناهضًا ومخالفًا لصريح مواد الدستور. نعم للاستخدامات الصحيحة التي تحمي المجتمع وتحافظ على الخصوصية والحرية الشخصية. رسالتنا: الأمن الرقمي أولًا، ولكن…!