رأي

اقتراح للانزياح الكامل شرقاً | تركيا بين شطرَين: أين نمضي؟

كتب محمد نور الدين, في الاخبار:

يطرح اقتراح باهتشلي تحالف تركيا مع روسيا والصين لمواجهة التحالف الأميركي الإسرائيلي جدلاً حول الانزياح شرقاً وتداعياته على أنقرة.

قوبل اقتراح زعيم «حزب الحركة القومية»، دولت باهتشلي، حول إنشاء تحالف بين تركيا وروسيا والصين لمواجهة إسرائيل والولايات المتحدة، بردود فعل «متناقضة» في الداخل التركي، بعدما كان دعا، الخميس الماضي، في بيان مكتوب، إلى إحياء ما سمّاه «تحالف تركيا»، الذي يفترض أن يضمّ إلى أنقرة كلاً من بكين وموسكو، معتبراً أنه الخيار الأنسب لمواجهة «التحالف الأميركي – الإسرائيلي الشرير». وبرّر باهتشلي خياره بالإشارة، في بيانه، إلى أن جرائم القتل التي تنفّذها «الدولة المارقة والدجّالة»، إسرائيل، وصلت إلى مرحلة «لم تَعُد تجدي فيها الإدانات النمطية، أو الصبر والتسامح»، ولا سيما أنها باتت «تشكّل تهديداً لتركيا والعالم».

كذلك، وصف باهتشلي البيان الختامي للقمة العربية – الإسلامية بأنه «غير كافٍ لوقف إسرائيل عند حدّها»، داعياً العالم الإسلامي، وتحديداً دول الخليج، إلى «فتح جبهة جديدة ضدّ فظائع الإبادة الجماعية»، ومتّهماً بعض تلك الدول بـ«المساومة على دماء أطفال غزة، في سبيل الحفاظ على ثروتها وشهرتها». وتضمّن البيان لغة «شديدة اللهجة»، بعدما أكّد باهتشلي فيه أن تصريح رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، حول أنّ «القدس مدينتنا ولنا»، هو «تحت أقدامنا»، واصفاً دور واشنطن في «حراسة الصهيونية»، بـ«العار والمعيب».

وأردف البيان أن «القدس هي الوطن الذي احتُلّ في الـ9 من كانون الأول عام 1917، وهي مجد المدينة التي حكمناها من إسطنبول أربعة قرون، وإرث نبيّنا الكريم، وأمانة عمر الشريفة، وقرة عين صلاح الدين، وحماسة السلطان سليم الخالد، والحلم المبارك لسليمان القانوني»، معتبراً أنّه بعدما «أُجبرت تركيا على التخلّي عن القدس قبل قرن من الزمان، فهي لن تقبل التخلّي عنها هذه المرّة»، على اعتبار أن «سقوط القدس يعني سقوط أنقرة وإسطنبول».

وتعقيباً على اقتراح زعيم «الحركة القومية»، رأى المحلّل السياسي التركي، مراد يتكين، أن «سياسة الإبادة الجماعية التي تنتهجها إسرائيل في غزة، وبدعم أميركي مطلق، توسّعت إلى درجة أنّ باهتشلي اقترح قيام تحالف يضمّ تركيا وروسيا والصين لمواجهتها»، لافتاً إلى أنّ ترجمة الطرح المشار إليه، تتطلّب «تغييراً جذرياً في سياسة تركيا الخارجية منذ الحرب العالمية الثانية، وعلى ثلاثة محاور»: الأول، أن تنسحب من «حلف شمال الأطلسي»، الذي تنص «وثيقته الإستراتيجية» على العداء للصين وروسيا؛ والثاني، أن تغيّر أنقرة مسارها مع الاتحاد الأوروبي، ما سيؤدّي، تلقائياً، إلى إبطال اتفاقية الوحدة الجمركية معه، علماً أن ذلك يتعارض مع سياسة الحكومة في التكامل مع التكتُّل؛ والثالث، سيكون عليها التخلّي عن صفقات الأسلحة مع الغرب، والعمل على التسلّح بطائرات «سو-35» الروسية «وجي-10» الصينية.

اعتبر باهتشلي أن سقوط القدس يعني سقوط أنقرة وإسطنبول

وكان لافتاً، طبقاً ليتكين، استبعاد إيران من التحالف الذي أثاره باهتشلي، ولا سيما أن روسيا والصين هما شريكان استراتيجيان لإيران وكوريا الشمالية. وإذ اعتبر الكاتب أن موسكو وبكين قد تنظران إلى الاقتراح باعتباره فرصة لإبعاد تركيا عن «الناتو»، فقد لفت إلى أنه لن تتمّ مناقشته، ما لم يُقدّم من جانب السلطات الرسمية، أي الرئيس رجب طيب إردوغان، الذي لم يعلّق عليه بعد. لكنّ يتكين أثار احتمالية أن يكون الاقتراح جاء بالتنسيق مع إردوغان نفسه، بهدف استخدامه كـ«ورقة ضغط» على الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خلال اجتماعهما المُرتقب في البيت الأبيض، في الـ25 من الجاري.

من جهته، لفت الكاتب المعارض طه أقيول، في صحيفة «قرار» التركية، إلى أن أنقرة، ومنذ «التنظيمات العثمانية» (1839)، وهي تميل شطر الغرب؛ إذ لجأ السلطان عبد الحميد إلى ألمانيا لتحديث جيشه؛ وبعد الحرب العالمية الثانية، انضمّت تركيا إلى «الأطلسي»، وانخرطت في مسار مع الاتحاد الأوروبي، كما أن «الحياة التركية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بأوروبا»، على حدّ تعبيره. كذلك، حذّر الكاتب من أن انسحاب تركيا من «الناتو» وانضمامها إلى تحالف مع روسيا والصين «لن يفيداها»، فيما «ستكون إسرائيل واليونان أكبر المستفيدين» من مثل هكذا السيناريو، معتبراً أن «أنقرة ستواجه كذلك مشكلات كثيرة في بحر إيجه وسوريا، وسيتعرّض اقتصادها لخسائر كبيرة».

مع ذلك، لفت آقيول إلى أن شراكات تركيا لا يجب أن تكون فقط عسكرية أو جيوبوليتيكية، بل أيضاً «قانونية»، في إشارة إلى ضرورة أن تكون «بلداً ديمقراطياً حقيقياً»، يراعي «حقوق الإنسان». وبحسب المصدر نفسه، فإنّ التوجّه الأصحّ لتركيا، سيكون بوضع قدم في «الأطلسي» وأوروبا، وأخرى «في العالم كله».

أمّا الكاتب يوسف دينتش، فوصف، في تقرير في صحيفة «يني شفق» الموالية، طرْح باهتشلي بالـ«المقترح الجيوبوليتيكي الجديد»، واضعاً إيّاه في خانة «تصويب البوصلة من جديد أو حتى الذهاب بشكل كامل إلى الشرق»، بعدما كان إردوغان بدأ يتراجع عن سلك مسار متوازن نسبيّاً بين الشرق والغرب، ويصبح أكثر ميلاً إلى الغرب. واعتبر دينتش أنّ سردية التكامل مع الاتحاد الأوروبي أصبحت «فارغة»، ذلك أنه لا يَعِد تركيا حتى بالنهوض الاقتصادي، مؤكّداً أنّه على الرغم من ذلك، فإنّ أنقرة «ليست مستعدّة للانفصال عن الاتحاد».

وحول التحالفات «البديلة» الممكنة، رأى المصدر نفسه أن تركيا قد تتحوّل «شرقاً» من خلال إنشاء تحالف مع روسيا والصين والسعودية، والتي تتمتّع جميعها بقدرة على «المساومة» ضدّ الأخرى. كما يمكن الحديث عن تحالف بين أنقرة والرياض وإسلام أباد، ولا سيما أن الأخيرة «انتصرت في حربها أخيراً مع الهند بدعم قوي من الصين وتركيا»، لافتاً إلى أنّ اتفاقية التعاون العسكري التي أبرمتها السعودية مع باكستان، تعني ضمناً التعاون مع تركيا والصين.

ولم يستبعد دينتش خيار بروز تحالف بين «رابطة الدول التركية» «ودول مجلس التعاون الخليجي»، فيما خلص الكاتب إلى القول إنه «في حال انحرفت تركيا عن التوازن بين الغرب والشرق، فعليها أن تختار الشرق، لأنه يعزّز التضامن، فيما التحالف مع الغرب يضمن التبعية، وهو ما لا تريده أنقرة»، مشدّداً على ضرورة «إعادة تعريف عقيدة تركيا ليس فقط الأمنية، بل كذلك السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية».

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى